العدد : ١٧٣٦٧ - الجمعة ١٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٧ - الجمعة ١٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

العرب ورئاسة اليونسكو

فوز‭ ‬الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬العناني‭ ‬مرشح‭ ‬مصر‭ ‬والعرب‭ ‬بمنصب‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلم‭ ‬والثقافة‭ (‬اليونسكو‭) ‬يعدُّ‭ ‬حدثا‭ ‬عربيا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومهما‭.‬

هو‭ ‬حدث‭ ‬مهم‭ ‬لأنه‭ ‬أول‭ ‬عربي‭ ‬يتولى‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬الرفيع‭ ‬منذ‭ ‬تأسست‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬شخصيات‭ ‬عربية‭ ‬بارزة‭ ‬سبق‭ ‬وترشحت‭ ‬ولم‭ ‬تفز‭. ‬لم‭ ‬تفز‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬العربية‭ ‬لاعتبارات‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالكفاءة‭ ‬والجدارة،‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬ترشحوا‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭. ‬لم‭ ‬يفوزوا‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬وعنصرية‭ ‬حيث‭ ‬هيمن‭ ‬المرشحون‭ ‬الغربيون‭ ‬على‭ ‬المنصب،‭ ‬ولأسباب‭ ‬أيضا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتنافس‭ ‬بين‭ ‬مرشحين‭ ‬عرب‭.‬

غريب‭ ‬ألا‭ ‬يتولى‭ ‬عربي‭ ‬المنصب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬لعربية‭ ‬هي‭ ‬مهد‭ ‬الحضارة‭ ‬والثقافة‭ ‬وتعلم‭ ‬منها‭ ‬الغرب‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬غارقا‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬الظلام‭.‬

أمران‭ ‬مهمان‭ ‬يستحقان‭ ‬المناقشة‭. ‬الأول،‭ ‬كيف‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬وفاز‭ ‬مرشح‭ ‬العرب؟‭ ‬والثاني،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬نتوقعه‭ ‬منه‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟‭.‬

الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬العناني‭ ‬حقق‭ ‬فوزا‭ ‬كبيرا‭ ‬إذ‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬55‭ ‬صوتا‭ ‬مقابل‭ ‬صوتين‭ ‬فقط‭ ‬لمنافسه،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬انتخابات‭ ‬للمنظمة‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭. ‬كيف‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز؟

هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬العربي‭ ‬تحقق‭ ‬لسببين‭ ‬رئيسيين‭:‬

الأول‭: ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والمنظمة‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬المصرية‭ ‬بقيادة‭ ‬الوزير‭ ‬بدر‭ ‬عبدالعاطي‭ ‬لحشد‭ ‬التأييد‭ ‬للدكتور‭ ‬العناني،‭ ‬ومنذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭.‬

بحسب‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬المصرية،‭ ‬فقد‭ ‬قادت‭ ‬الوزارة‭ ‬الحملة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬30‭ ‬شهرا‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬الحملة‭ ‬تم‭ ‬تنظيم‭ ‬جولات‭ ‬انتخابية‭ ‬للمرشح‭ ‬إلى‭ ‬65‭ ‬دولة‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025،‭ ‬تخللتها‭ ‬لقاءات‭ ‬مع‭ ‬مسئولين‭ ‬حكوميين‭ ‬وممثلين‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجولات‭ ‬المطولة،‭ ‬تم‭ ‬إعداد‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬وملف‭ ‬انتخابي‭ ‬متكامل‭ ‬‏‎‭ ‬بعد‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬التنفيذي‭.‬

إذن‭ ‬أول‭ ‬وأكبر‭ ‬عوامل‭ ‬الفوز‭ ‬التخطيط‭ ‬الدقيق‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬المتواصل‭. ‬وهذا‭ ‬درس‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬وكيف‭ ‬نديرها‭.‬

الثاني‭: ‬الموقف‭ ‬الجماعي‭ ‬العربي‭ ‬بدعم‭ ‬ترشح‭ ‬الدكتور‭ ‬العناني،‭ ‬وقرار‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بإجماع‭ ‬رأي‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬اعتباره‭ ‬هو‭ ‬مرشح‭ ‬العرب‭.‬

الدول‭ ‬العرية‭ ‬قدمت‭ ‬كل‭ ‬سبب‭ ‬الدعم‭ ‬للمرشح‭ ‬العربي،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬أسباب‭ ‬فوزه‭ ‬لما‭ ‬للعرب‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬وتأثير‭ ‬وعلاقات‭ ‬دولية‭ ‬مؤثرة‭ ‬واسعة‭. ‬هذا‭ ‬نموذج‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحققه‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬نتائج‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬نتوقعه‭ ‬من‭ ‬الرئاسة‭ ‬العربية‭ ‬لليونسكو؟

بالطبع‭ ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬الدكتور‭ ‬العناني‭ ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬اليونسكو‭ ‬أن‭ ‬يعنى‭ ‬بشؤون‭ ‬الثقافة‭ ‬والتراث‭ ‬والتعليمي‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بدور‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭. ‬وبحكم‭ ‬ثقافته‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وقيمها‭ ‬النبيلة‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬جهود‭ ‬اليونسكو‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عنصرية‭ ‬ولا‭ ‬تمييز‭ ‬ولا‭ ‬انحياز‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬تولوا‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الرئاسة‭ ‬العربية‭ ‬لليونسكو‭ ‬حضورا‭ ‬عالميا‭ ‬أكبر‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬ليس‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬نشهد‭ ‬صعودا‭ ‬مخيفا‭ ‬للعنصرية‭ ‬والتطرف‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الغرب‭.‬

‭ ‬شخصيا‭ ‬هناك‭ ‬قضيتان‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكونا‭ ‬محل‭ ‬اهتمام‭ ‬استثنائي‭ ‬من‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رئاستها‭ ‬العربية‭.‬

القضية‭ ‬الأولى‭: ‬ملايين‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬والعالم‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬بسبب‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭. ‬هذه‭ ‬قضية‭ ‬كبرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بمستقبل‭ ‬أجيال‭ ‬كاملة‭.‬

والقضية‭ ‬الثانية‭: ‬جرائم‭ ‬التدمير‭ ‬المنظم‭ ‬والممنهج‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحق‭ ‬التراث‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمت‭ ‬للثقافة‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬إسرائيل‭ ‬دمرت‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬والمكتبات‭ ‬والمساجد‭ ‬والكنائس‭ ‬ومواقع‭ ‬التراث‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬التاريخية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬هذه‭ ‬قضية‭ ‬كبرى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬اهتمامات‭ ‬اليونسكو،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتصدر‭ ‬أعمال‭ ‬المنظمة‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وحفظه‭ ‬وإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إحياؤه‭ ‬مما‭ ‬دمرته‭ ‬إسرائيل‭.‬

عموما‭ ‬نتمنى‭ ‬التوفيق‭ ‬للقيادة‭ ‬العربية‭ ‬لليونسكو‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الرئاسة‭ ‬العربية‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا