العدد : ١٧٣٦٥ - الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٥ - الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن مخاطر الزواج من دون مزاج

في‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬شقيق‭ (‬وإن‭ ‬شئت‭ ‬قل‭ ‬شقي‭) ‬تواجه‭ ‬شابة‭ ‬عمرها‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬تهمة‭ ‬تسبيب‭ ‬الأذى‭ ‬الجسيم،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬بل‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ستدخل‭ ‬السجن،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تنكر‭ ‬التهمة‭ ‬الموجهة‭ ‬إليها‭ ‬وهي‭ ‬سكب‭ ‬الزيت‭ ‬المغلي‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬24‭ ‬سنة‭ ‬وهو‭ ‬نائم‭ ‬ما‭ ‬ألحق‭ ‬به‭ ‬حروقا‭ ‬شديدة،‭ ‬ستجعله‭ ‬يلزم‭ ‬سرير‭ ‬المستشفى‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر،‭ ‬فماذا‭ ‬يستنتج‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية؟‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬الحياة؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬بفتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬الحياة؟‭ ‬ولكن‭ ‬ملايين‭ ‬الناس‭ ‬يتزوجون‭ ‬يوميا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يتعرضوا‭ ‬لـ«التحمير‮»‬‭ ‬بالزيت،‭ ‬وتفشل‭ ‬ملايين‭ ‬الزيجات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القارات‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالفراق‭ ‬والطلاق‭.. ‬والأكثر‭ ‬غرابة‭ ‬فيما‭ ‬فعلته‭ ‬هذه‭ ‬الشابة‭ ‬العربية‭ ‬الأبيّة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬زواجها‭ ‬من‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬أحرقته‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬دام‭ ‬إلا‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬يوما،‭ ‬وبافتراض‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الزواج،‭ ‬فالاستنتاج‭ ‬الذي‭ ‬أرجحه‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬أرغمت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الزيجة،‭ ‬وعاشت‭ ‬قرابة‭ ‬الشهرين‭ ‬في‭ ‬نكد‭ ‬وحزن‭ ‬حتى‭ ‬أصيبت‭ ‬بفورة‭ ‬حزن‭ ‬وغضب،‭ ‬سببت‭ ‬لها‭ ‬اضطرابا‭ ‬نفسيا‭ ‬عنيفا‭ ‬وفكرت‭ ‬‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحال‭ ‬‭ ‬في‭ ‬وسيلة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الزيجة،‭ ‬واستبعدت‭ ‬الانتحار‭ ‬فكان‭ ‬ان‭ ‬قررت‭ ‬نحر‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬إيذائه‭ ‬بحيث‭ ‬يدرك‭ ‬هو‭ ‬وأهلها‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬لتلك‭ ‬الزيجة‭. ‬

وتعالوا‭ ‬في‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬أرشيفي‭ ‬لنقرأ‭ ‬تفاصيل‭ ‬واقعة‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬سنوات‭ ‬خلت،‭ ‬شهدتها‭ ‬مدينة‭ ‬القطيف‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬لنقرأ‭ ‬وقائع‭ ‬قضية‭ ‬نظر‭ ‬فيها‭ ‬القاضي‭ ‬محمد‭ ‬الجيراني،‭ ‬وهي‭ ‬بالتحديد‭ ‬طلب‭ ‬سيدة‭ ‬الطلاق‭ ‬بعد‭ ‬زواج‭ ‬دام‭ ‬أياما‭ ‬قليلة،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬دعوى‭ ‬الطلاق‭ ‬أن‭ ‬الزوج‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬ليلة‭ ‬الدخلة‭ ‬‭ ‬ترك‭ ‬عروسه‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬وقضى‭ ‬الليلة‭ ‬في‭ ‬صحبة‭ ‬طيور‭ ‬عديدة‭ ‬يقوم‭ ‬بتربيتها،‭ ‬وقالت‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭: ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تعلم‭ ‬بولعه‭ ‬بالطيور‭ ‬منذ‭ ‬مرحلة‭ ‬الخطوبة‭ ‬‮«‬بس‭ ‬مو‭ ‬لها‭ ‬الدرجة‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تتوقع‭ ‬أنها‭ ‬ستحظى‭ ‬باهتمامه‭ ‬بعد‭ ‬الزواج‭ ‬ولكنها‭ ‬شعرت‭ ‬بالمهانة‭ ‬ليلة‭ ‬الدخلة‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬لأنه‭ ‬ظل‭ ‬يعطي‭ ‬معظم‭ ‬وقته‭ ‬للطيور،‭ ‬ولما‭ ‬اشتكت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نقل‭ ‬بعض‭ ‬الطيور‭ ‬الى‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬ووزع‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬غرف‭ ‬البيت‭. ‬‮«‬والمهم‭ ‬يا‭ ‬سيدنا‭ ‬القاضي‭ ‬أنني‭ ‬أريد‭ ‬الطلاق‭ ‬لأن‭ ‬زوجي‭ ‬هذا‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬طيوره‭ ‬أعز‭ ‬على‭ ‬قلبه‭ ‬مني،‭ ‬وهذه‭ ‬إهانة‭ ‬لا‭ ‬أقبلها‮»‬،‭ ‬وعندما‭ ‬استجوب‭ ‬القاضي‭ ‬الزوج،‭ ‬لم‭ ‬ينكر‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬زوجته‭ ‬بل‭ ‬أبدى‭ ‬أسفه‭ ‬لما‭ ‬بدر‭ ‬منه،‭ ‬وتعهد‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بزوجته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طيوره،‭ ‬وأقنعت‭ ‬المحكمة‭ ‬طالبة‭ ‬الطلاق‭ ‬بمنح‭ ‬زوجها‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى‭ ‬لأنه‭ ‬مدرك‭ ‬لخطئه،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬هل‭ ‬استمرت‭ ‬الزيجة‭ ‬ام‭ ‬تفركشت‭. ‬

والشاهد‭ ‬في‭ ‬الحكاية‭ ‬الأولى‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬ينجح‭ ‬بالمزاج‭ .. ‬أعني‭ ‬القبول‭ ‬والتوافق‭ ‬فلا‭ ‬تتزوج‭ ‬عزيزي‭ ‬الرجل‭ ‬بامرأة،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تدخل‭ ‬‮«‬مزاجها‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أرغمت‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬بك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬الى‭ ‬بصل‭ ‬محمر،‭ ‬والشاهد‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬سيدة‭ ‬القطيف‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬وبمجرد‭ ‬ان‭ ‬يتزوج‭ ‬أن‭ ‬يتخلص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬‮«‬المزاج‮»‬‭ ‬يلهيه‭ ‬عن‭ ‬واجباته‭ ‬تجاه‭ ‬زوجته‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الواجبات‭ ‬مؤانستها‭ ‬وجعلها‭ ‬تحس‭ ‬بأنها‭ ‬موضع‭ ‬اهتمام‭ ‬وحنان‭ ‬وحسن‭ ‬معاملة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬الزوج‭ ‬صاحب‭ ‬المزاج‭ ‬الطيوري‭ ‬لم‭ ‬يتعمد‭ ‬جرح‭ ‬مشاعر‭ ‬زوجته،‭ ‬وفي‭ ‬أنه‭ ‬عاشق‭ ‬لتربية‭ ‬الطيور،‭ ‬وقضى‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الزواج‭ ‬وهو‭ ‬يصادق‭ ‬الطيور،‭ ‬فكانت‭ ‬عالمه‭ ‬الخاص‭ ‬وعاش‭ ‬طويلا‭ ‬مستمتعا‭ ‬بصحبة‭ ‬طيور‭ ‬جميلة‭ ‬ومغردة،‭ ‬ولم‭ ‬ينتبه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬الزواج‭ ‬هناك‭ ‬كائن‭ ‬آدمي‭ ‬صار‭ ‬يشاركه‭ ‬العيش‭ ‬ويريد‭ ‬منه‭ ‬اهتماما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالطيور‭. ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬يا‭ ‬سيدتي‭ ‬فعلت‭ ‬خيرا‭ ‬بسحب‭ ‬دعوى‭ ‬الطلاق‭ ‬فزوجك‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يعشق‭ ‬الطيور‭ ‬ذات‭ ‬الريش‭ ‬بينما‭ ‬كثيرون‭ ‬غيره‭ ‬‮«‬طيور‮»‬‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬ويطيرون‭ ‬من‭ ‬وكر‭ ‬الزوجية‭ ‬إلى‭ ‬أوكار‭ ‬أخرى‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا