العدد : ١٧٣٦٦ - الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٦ - الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

هل هناك انهيار اقتصادي مرتقب؟

بقلم: عدنان أحمد يوسف

الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

سمعنا‭ ‬وقرأنا‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬حدوث‭ ‬انهيار‭ ‬اقتصادي‭ ‬عالمي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2026،‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬المرتفعة،‭ ‬التضخم‭ ‬المستمر،‭ ‬وارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬الاقتراض‭. ‬

تشير‭ ‬البيانات‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬المتراكمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬عالمية‭. ‬وفق‭ ‬تقرير‭ ‬المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للتمويل،‭ ‬تجاوزت‭ ‬الديون‭ ‬العالمية‭ ‬324‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬2025،‭ ‬بما‭ ‬يشكل‭ ‬نسبة‭ ‬325%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭. ‬الأسواق‭ ‬الناشئة‭ ‬وحدها‭ ‬سجلت‭ ‬ديونًا‭ ‬تفوق‭ ‬245%‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للصدمات،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الدين‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬خدمة‭ ‬الفوائد‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الحكومات‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬عند‭ ‬وقوع‭ ‬أزمات‭.‬

كذلك‭ ‬يبرز‭ ‬أمامنا‭ ‬تزايد‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬سجلت‭ ‬عجزًا‭ ‬حكوميًا‭ ‬بنسبة‭ ‬7‭.‬6%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتوقع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬117%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬2027‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬الظروف‭ ‬المالية‭ ‬الراهنة،‭ ‬ما‭ ‬يضاعف‭ ‬المخاطر‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭.‬

كما‭ ‬تجاوزت‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭ ‬3‭.‬5%‭ ‬سنويًا،‭ ‬بينما‭ ‬تظل‭ ‬معدلات‭ ‬الفائدة‭ ‬مرتفعة‭ ‬لتعويض‭ ‬البنوك‭ ‬عن‭ ‬المخاطر،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬التمويل‭ ‬للأفراد‭ ‬والشركات‭. ‬وارتفاع‭ ‬الفائدة‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬والاستثماري،‭ ‬وهو‭ ‬عامل‭ ‬رئيسي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادي‭ ‬محتمل‭.‬

وتشير‭ ‬التوقعات‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬نمو‭ ‬بين‭ ‬3‭.‬0‭ ‬و3‭.‬3%‭ ‬خلال‭ ‬2025‭-‬2026،‭ ‬مع‭ ‬احتمال‭ ‬تراجع‭ ‬هذه‭ ‬المعدلات‭ ‬إذا‭ ‬ظهرت‭ ‬صدمات‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬اضطرابات‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬أو‭ ‬الأزمات‭ ‬الجيوسياسية‭. ‬النمو‭ ‬المتواضع‭ ‬يعني‭ ‬ضعف‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬الصدمات‭ ‬المالية،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬تصحيح‭ ‬الأسواق‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬السابقة،‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تضخم‭ ‬التهديد‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬شهدت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬تقلبات‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مع‭ ‬متوسط‭ ‬سعر‭ ‬البرميل،‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬ضغوطًا‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬المستهلكة‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬التضخم‭ ‬العالمي‭. ‬

والنزاعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬خسائر‭ ‬مباشرة‭ ‬للأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭. ‬كذلك‭ ‬التوقف‭ ‬المفاجئ‭ ‬في‭ ‬موانئ‭ ‬رئيسية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬سلع‭ ‬أساسية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬بنسبة‭ ‬2030%‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬ما‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬اقتصادات‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬والنامية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

وجميع‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر‭ ‬العالمية‭ ‬المتشابكة‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لموجات‭ ‬صدمة‭ ‬متتالية،‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬أزمة‭ ‬سوقية،‭ ‬وتشمل‭ ‬آثارها‭ ‬التضخم،‭ ‬الركود،‭ ‬وتقلبات‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭.‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬العالمي‭ ‬تحديدا،‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬حلقة‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فإنه‭ ‬أيضا‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬متزايدة‭ ‬مثل‭ ‬ارتفاع‭ ‬الديون‭ ‬السيادية‭ ‬والتجارية،‭ ‬حيث‭ ‬تجاوزت‭ ‬ديون‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬والحكومات‭ ‬324‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬إفلاسات‭ ‬متسلسلة‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬الكبرى‭. ‬كما‭ ‬بلغ‭ ‬متوسط‭ ‬القروض‭ ‬غير‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأسواق‭ ‬الناشئة‭ ‬20%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬القروض،‭ ‬ما‭ ‬يعرض‭ ‬البنوك‭ ‬لمخاطر‭ ‬خسارة‭ ‬كبيرة‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإقراض‭.‬

ما‭ ‬يهمنا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬الانعكاسات‭ ‬المتوقعة‭ ‬لهذه‭ ‬التطورات‭ ‬على‭ ‬اقتصاداتنا‭ ‬المحلية‭ ‬والخليجية‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬ضرورة‭ ‬اتباعها‭ ‬للتحوط‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬أزمات‭ ‬محتملة‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬دشنت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬برامج‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التي‭ ‬نعتبرها‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬التحوط‭ ‬ضد‭ ‬الازمات‭ ‬الخارجية‭. ‬إن‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الإيرادات‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬عبر‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬مثل‭ ‬الصناعة،‭ ‬السياحة،‭ ‬والخدمات‭ ‬المالية،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تعزيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬ضد‭ ‬صدمات‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭.‬

كما‭ ‬ان‭ ‬تعزيز‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬السيادية‭ ‬والسيولة‭ ‬الدولية‭ ‬لضمان‭ ‬قدرة‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬تقلبات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬المفاجئ،‭ ‬مع‭ ‬ضبط‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬ومراقبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬لتقليل‭ ‬المخاطر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬ركود‭ ‬عالمي‭. ‬كذلك‭ ‬مواصلة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬إنتاجية‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية‭ ‬لدعم‭ ‬النمو‭ ‬المحلي‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬مستدامة‭.‬

إن‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬مرن‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬تصحيح‭ ‬عالمي‭ ‬محتمل،‭ ‬مع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬تنشأ‭ ‬أثناء‭ ‬التقلبات‭ ‬المالية‭.‬

 

رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا