سمعنا وقرأنا خلال الأيام الماضية العديد من التصريحات الصادرة عن خبراء الاقتصاد التي تشير إلى احتمال حدوث انهيار اقتصادي عالمي في عام 2026، مدفوعًا بمزيج من الديون المرتفعة، التضخم المستمر، وارتفاع كلفة الاقتراض.
تشير البيانات الحديثة إلى مجموعة من المخاطر المتراكمة التي قد تؤدي إلى أزمة مالية عالمية. وفق تقرير المعهد الدولي للتمويل، تجاوزت الديون العالمية 324 تريليون دولار في الربع الأول من 2025، بما يشكل نسبة 325% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. الأسواق الناشئة وحدها سجلت ديونًا تفوق 245% من ناتجها المحلي، ما يجعلها أكثر عرضة للصدمات، حيث إن ارتفاع الدين يزيد من كلفة خدمة الفوائد ويحد من قدرة الحكومات على التحرك عند وقوع أزمات.
كذلك يبرز أمامنا تزايد العجز المالي في الاقتصادات الكبرى. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، سجلت عجزًا حكوميًا بنسبة 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين العام العالمي إلى نحو 117% من الناتج المحلي الإجمالي في 2027 إذا استمرت الظروف المالية الراهنة، ما يضاعف المخاطر على الاستقرار المالي العالمي.
كما تجاوزت معدلات التضخم في بعض الاقتصادات الكبرى 3.5% سنويًا، بينما تظل معدلات الفائدة مرتفعة لتعويض البنوك عن المخاطر، ما يزيد من كلفة التمويل للأفراد والشركات. وارتفاع الفائدة يقلل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وهو عامل رئيسي يمكن أن يؤدي إلى ركود اقتصادي محتمل.
وتشير التوقعات العالمية إلى نمو بين 3.0 و3.3% خلال 2025-2026، مع احتمال تراجع هذه المعدلات إذا ظهرت صدمات جديدة مثل اضطرابات سلاسل الإمداد أو الأزمات الجيوسياسية. النمو المتواضع يعني ضعف القدرة على امتصاص الصدمات المالية، ويزيد من احتمالات تصحيح الأسواق بشكل حاد.
إلى جانب المؤشرات الاقتصادية السابقة، هناك مجموعة من المخاطر العالمية التي قد تضخم التهديد على الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، شهدت أسعار النفط تقلبات حادة في السنوات الأخيرة، مع متوسط سعر البرميل، ما يخلق ضغوطًا على الدول المستهلكة ويؤثر على التضخم العالمي.
والنزاعات الإقليمية وفرض العقوبات الاقتصادية على بعض الدول تسببت في خسائر مباشرة للأسواق العالمية بأكثر من 300 مليار دولار خلال العقد الأخير. كذلك التوقف المفاجئ في موانئ رئيسية أو في إنتاج سلع أساسية يمكن أن يزيد أسعار المواد الخام بنسبة 20–30% في فترة قصيرة، ما يضغط على اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
وجميع هذه المخاطر العالمية المتشابكة تعني أن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر عرضة لموجات صدمة متتالية، قد تتحول إلى تهديد أكبر من مجرد أزمة سوقية، وتشمل آثارها التضخم، الركود، وتقلبات شديدة في الأسواق المالية.
أما فيما يخص القطاع المصرفي العالمي تحديدا، والذي يمثل حلقة مركزية في الاستقرار الاقتصادي، فإنه أيضا يواجه تحديات متزايدة مثل ارتفاع الديون السيادية والتجارية، حيث تجاوزت ديون الشركات الكبرى والحكومات 324 تريليون دولار، ما يزيد من مخاطر إفلاسات متسلسلة تؤثر على البنوك الكبرى. كما بلغ متوسط القروض غير العاملة في بعض الأسواق الناشئة 20% من إجمالي القروض، ما يعرض البنوك لمخاطر خسارة كبيرة ويحد من قدرتها على الإقراض.
ما يهمنا هنا هو التطرق إلى الانعكاسات المتوقعة لهذه التطورات على اقتصاداتنا المحلية والخليجية والاستراتيجيات التي نرى ضرورة اتباعها للتحوط ضد أي أزمات محتملة. إن هذه الدول دشنت منذ سنوات عديدة برامج التنويع الاقتصادي التي نعتبرها حجر الزاوية في التحوط ضد الازمات الخارجية. إن تنويع مصادر الإيرادات بعيدًا عن النفط والغاز عبر القطاعات غير النفطية مثل الصناعة، السياحة، والخدمات المالية، من شأنه تعزيز الاقتصاد الوطني ضد صدمات أسعار الطاقة.
كما ان تعزيز الاحتياطيات السيادية والسيولة الدولية لضمان قدرة مواجهة أي تقلبات في الأسواق العالمية أو انخفاض أسعار النفط المفاجئ، مع ضبط الدين العام ومراقبة الإنفاق الحكومي لتقليل المخاطر الاقتصادية في حال حدوث ركود عالمي. كذلك مواصلة الاستثمار في مشاريع إنتاجية وبنية تحتية لدعم النمو المحلي وخلق فرص عمل مستدامة.
إن الهدف هو بناء اقتصاد مرن قادر على الصمود أمام أي تصحيح عالمي محتمل، مع القدرة على استغلال الفرص التي تنشأ أثناء التقلبات المالية.
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك