يشكّل انعقاد القمة السادسة والأربعين لمجلس التعاون في البحرين محطة مفصلية تؤكد متانة المسار الخليجي ورسوخ رؤيته المشتركة للمستقبل. فالعالم يتجه نحو تكتلات اقتصادية كبرى تعتمد على الاندماج، والتحول الرقمي، وذكاء إدارة الموارد، مما يجعل التفكير في اقتصاد خليجي موحد ومستدام ضرورة استراتيجية تعزز المكانة العالمية لدول المجلس وتُسرّع مسارات التنمية فيها.
إن بناء اقتصاد رقمي خليجي موحد يعدّ الخطوة الأولى نحو هذا الهدف، عبر ربط الأسواق، وتسهيل حركة الأموال، وتوحيد المنصّات الحكومية والتجارية، مما يخلق سوقاً واحدة قادرة على استقطاب الاستثمارات النوعية ورفع كفاءة بيئة الأعمال. كما أن توحيد البنية التحتية، من موانئ وطرق ومراكز لوجستية، سيمنح دول الخليج قوة تشغيلية مشتركة تُسرّع التدفقات التجارية وتخفض التكاليف على القطاعين العام والخاص.
ومن المبادرات القادرة على تغيير المشهد الاقتصادي إطلاق صندوق سيادي خليجي مشترك، يُخصص لمواجهة الأزمات الطارئة وتنمية مدخرات الأجيال القادمة. مثل هذا الصندوق سيحوّل القوة المالية لدول المجلس إلى عامل استقرار على مستوى المنطقة، ويعزز القدرة على تمويل مشاريع استراتيجية عملاقة تتجاوز قدرات كل دولة بمفردها. ويرتبط بذلك التوجه نحو شراء أصول استراتيجية بشكل مشترك، كالذهب والمعادن النادرة، بما يعزز مراكز الدول المالية ويُحصّن اقتصاداتها من التقلبات العالمية.
ولا يقل أهمية عن ذلك التفكير في عملة رقمية خليجية موحدة تواكب تطورات النظام المالي العالمي، وتسهّل التجارة البينية، وتدعم مكانة الخليج في سلاسل المدفوعات الدولية. ومع جواز سفر خليجي موحد، تتحول المنطقة إلى فضاء اقتصادي واحد، قادر على جذب الشركات العالمية وتحويل الخليج إلى مركز استقرار وتنمية واستثمار طويل الأمد.
وفي ظل التغيرات التكنولوجية المتسارعة، تصبح الاستثمارات الخليجية المشتركة في الابتكار والتقنيات المتقدمة ضرورة لتعزيز القدرة التنافسية عالمياً. وتشمل هذه الاستثمارات الذكاء الاصطناعي، وحلول الطاقة الجديدة، والاقتصاد الرقمي، والصناعات المستقبلية. كما يشكل التعليم ركيزة رئيسية لهذا التوجه، من خلال استقطاب الجامعات العالمية، وبناء بيئات بحثية رائدة، وتطوير رأس المال البشري ليكون قادراً على قيادة الاقتصاد الخليجي الموحد.
وختاماً، فإن قوة مجلس التعاون اليوم ليست فقط في موارده المالية أو موقعه الجغرافي، بل في قدرته على تشكيل رؤية موحدة تعزز التكامل، وتبني اقتصاداً مستداماً ومتنوعاً، وتخلق مستقبلاً أكثر ازدهاراً واستقراراً للأجيال القادمة. والقمة التي استضافتها البحرين جاءت لتؤكد أن دول المجلس تمتلك الإرادة والقدرة على الانتقال من التعاون إلى التكامل، ومن المبادرات الفردية إلى المشاريع المشتركة، ومن اقتصاد اليوم إلى اقتصاد المستقبل.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك