العدد : ١٧٤٢٥ - الأحد ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢٥ - الأحد ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

سحابة رأي:
التكنولوجيا تحيي الموتى!

بقلم: إسراء القصاب

الأحد ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

تتفق‭ ‬جميع‭ ‬الأنفس‭ ‬السوية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الفراق‭ ‬مؤلم،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬للتملص‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬الموجع،‭ ‬لاسيما‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬أبديا‭ ‬لا‭ ‬لقاء‭ ‬محتمل‭ ‬فيه،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬لإمكانية‭ ‬حديث‭ ‬ولو‭ ‬مختصر‭ ‬قد‭ ‬يجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أطرافه،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ‬بلفظ‭ ‬أقسى‭ ‬قلنا‭ (‬الموت‭) ‬أو‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬الفناء‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬البقاء،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬يعجز‭ ‬عنده‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬بشري‭.‬

وفي‭ ‬محاولة‭ ‬ليست‭ ‬بالضئيلة،‭ ‬ضمن‭ ‬محاولات‭ ‬المخترعين‭ ‬الجزيلة‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬التكنولوجيا؛‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬مبتكرة‭ ‬للمشكلات‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬البشرية،‭ ‬أو‭ ‬للمنغصات‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬تبنى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المطورين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬لابتكار‭ ‬وسيلة‭ ‬تعيد‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الأحياء‭ ‬والأموات‭!‬

فهل‭ ‬يمكن‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬إحياء‭ ‬الموتى‭!‬؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬انه‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬ممكن،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬ابتكار‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬فائق‭ ‬الدهشة‭ ‬وخارق‭ ‬العادة‭ ‬تحقيقه‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي؛‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬تحت‭ ‬ضوء‭ ‬فرضية‭ ‬واحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التواصل‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المحاكاة‭ ‬وبشكل‭ ‬افتراضي‭. ‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬طور‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الرقمية‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬التطبيقات‭ ‬باستخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬منها‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬نسخ‭ ‬رقمية‭ ‬تفاعلية‭ ‬للمتوفين‭ ‬تستخدم‭ ‬صورهم،‭ ‬وأصواتهم،‭ ‬وطرق‭ ‬تفاعلهم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ومنها‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬محادثات‭ ‬نصية‭ ‬توليديّة‭ ‬تعيد‭ ‬إحياء‭ ‬شخصية‭ ‬المتوفى‭ ‬رقميًا،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬المتوفى‭ ‬وأحبائه‭.‬

والجدير‭ ‬ذكره‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬لم‭ ‬يمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام،‭ ‬بل‭ ‬تحول‭ ‬الى‭ ‬اتجاه‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬يُعرف‭ ‬بمسمى‭ ‬‮«‬الرحيل‭ ‬الرقمي‮»‬‭ ‬إبان‭ ‬ما‭ ‬أثاره‭ ‬من‭ ‬جدلٍ‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأوساط،‭ ‬ما‭ ‬أجج‭ ‬الآراء‭ ‬حوله،‭ ‬وحول‭ ‬طرق‭ ‬استخدامه،‭ ‬والآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬ومعارض‭.‬

إذ‭ ‬يرى‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬سبيل‭ ‬لتحول‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬أداة‭ ‬إنتاجية‭ ‬بحتة؛‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬لملامسة‭ ‬المشاعر‭ ‬البشرية‭ ‬العميقة،‭ ‬فيما‭ ‬يرى‭ ‬المشرع‭ ‬القانوني،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬قد‭ ‬يحمل‭ ‬مخاطر قانونية‭ ‬مهمة؛‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬الهوية‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬التعرض‭ ‬للابتزاز‭ ‬والاستغلال الإلكتروني‭.‬

بينما‭ ‬يرى‭ ‬الأخصائيون‭ ‬النفسيون،‭ ‬أن‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬قد‭ ‬يؤول‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬حقيقة‭ ‬الموت،‭ ‬فيما‭ ‬أشارت‭ ‬فئة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تثير‭ ‬لدى‭ ‬ذوي‭ ‬المتوفى‭ ‬‮«‬النوستالجيا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الحنين‭ ‬الإيجابي‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يخلق‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬والسرور،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬أيضًا‭ ‬قد‭ ‬تخلق‭ ‬شعورا‭ ‬معاكسا،‭ ‬يؤجج‭ ‬الألم‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الحزن‭ ‬والعزلة؛‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يفاقم‭ ‬أمراضا‭ ‬جسدية‭ ‬ونفسية‭ ‬جدية،‭ ‬كالاكتئاب،‭ ‬والوسواس،‭ ‬ومتلازمة‭ ‬القلب‭ ‬المكسور‭ ‬وغيرها،‭ ‬ورأى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الابتكار‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬بلسم‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬أوجاع‭ ‬الفقد‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬شرعية،‭ ‬أبدى‭ ‬بعض‭ ‬المفتين‭ ‬مخاوفهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬مشاكل‭ ‬اجتماعية،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬مثل‭ ‬الميراث‭ ‬والالتزامات‭ ‬المالية،‭ ‬بينما‭ ‬عارض‭ ‬طيف‭ ‬آخر‭ ‬الفكرة‭ ‬تمامًا‭ ‬محرمًا‭ ‬إياها،‭ ‬فيما‭ ‬رأى‭ ‬طيف‭ ‬آخر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬من‭ ‬الفكرة؛‭ ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬واضحة‭ ‬وصريحة‭ ‬لا‭ ‬تخالف‭ ‬الشرع‭ ‬والقانون،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬معاملة‭ ‬هذه‭ ‬المحاكاة‭ ‬معاملة‭ ‬تسجيلات‭ ‬الفيديو‭ ‬وما‭ ‬شابه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كافة‭ ‬الأطياف‭ ‬اتفقت‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬نهاية‭ ‬حتمية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬اختراع‭ ‬تكنولوجي‭ ‬تجاوزها،‭ ‬وأن‭ ‬الشرع‭ ‬لا‭ ‬يعتد‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬ضوابطه‭ ‬بأي‭ ‬محاكاة‭ ‬للموتى‭.‬‮ ‬

الأكيد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار‭ ‬سيظل‭ ‬يشكل‭ ‬تباينا‭ ‬بالآراء؛‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يخلفه‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬أخلاقية‭ ‬ودينية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬ولربما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مصادرة‭ ‬الحقوق‭ ‬الفردية‭ ‬في‭ ‬الرغبة‭ ‬باستخدامه‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬ضوابط‭ ‬صارمة‭ ‬وواضحة‭ ‬لترشيد‭ ‬استخدامه،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬استغلاله‭ ‬كأداة‭ ‬للتربح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العاطفة‭ ‬والمشاعر‭ ‬بالمقام‭ ‬الأول،‭ ‬وألا‭ ‬يتعدى‭ ‬فكرة‭ ‬المحاكاة‭ ‬الحقيقة‭ ‬بشكل‭ ‬يخلق‭ ‬لدى‭ ‬المستخدم‭ ‬واقعا‭ ‬زائفا،‭ ‬ينجر‭ ‬الى‭ ‬فكرة‭ ‬التجسيد‭ ‬أو‭ ‬التمثيل‭ ‬الشخصي،‭ ‬أو‭ ‬تبني‭ ‬جوهر‭ ‬الشخصية‭ ‬وافتراض‭ ‬حيثياتها،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المحاكاة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬مشاعة‭ ‬للاستخدام‭ ‬العام؛‭ ‬إنما‭ ‬مقصورة‭ ‬بأقارب‭ ‬المتوفى‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وذلك‭ ‬للموازنة‭ ‬بين‭ ‬التمتع‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬للصالح‭ ‬العام،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬هدر،‭ ‬وتوخي‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬سلبيات‭ ‬محتملة‭ ‬قد‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا