تعد قضية العنف ضد المرأة من التحديات الاجتماعية والإنسانية المستمرة التي تواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم. ومع دخولنا عصر التكنولوجيا الرقمية، برزت مظاهر جديدة من العنف، مما أضاف تحديا إضافيا إلى هذه الظاهرة.
غيّرت التكنولوجيا الرقمية جذرياً طريقة تواصل الأفراد وتفاعلهم مع العالم من حولهم، حيث يوفر الإنترنت منصات واسعة للتعبير عن الآراء وتبادل المعرفة، مما أثر إيجابياً في حياة كل أفراد المجتمع، ومكنهم من التواصل مع الآخرين لتبادل الخبرات والأفكار، كما أتاح الوصول إلى موارد تعليمية ومهنية لم تكن متاحة من قبل، مما عزز من فرص التعليم والتوظيف لكل أفراد المجتمع بما فيهن النساء.
ولكن في ظل هذا التطور وسهولة الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي واقتناء الأجهزة الذكية، أصبح العنف موجوداً في العالم الافتراضي، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي أرضا خصبة لما يعرف بالعنف في الفضاء الرقمي، الذي تعرفه الأمم المتحدة بأنه «أي عمل من أعمال العنف ضد المرأة تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئياً أو كلياً تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كالهواتف المحمولة أو الذكية أو الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني والذي يستهدف المرأة أو يؤثر فيها بشكل غير مناسب».
العنف في الفضاء الرقمي يتسع نطاقة ليتجاوز العنف التقليدي، فيشير إلى جميع أشكال الإساءة التي تتعرض لها النساء عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يشمل «رسائل التهديد، التحرش الإلكتروني، الابتزاز، نشر معلومات شخصية من دون إذن، والتنمر الإلكتروني، نشر صور أو مقاطع فيديو خاصة، وقد أشارت دراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة الصادرة في عام 2020 حول «العنف ضد المرأة في الفضاء الرقمي إلى وضع النساء في أقطار الدول العربية»، فكانت النتائج إن 60% من النساء تعرضن إلى العنف على الإنترنت وقد أبلغن عنه، وإن 49% أبلغن عن عدم شعورهن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت، ونرى أنه لا يقتصر التعرض للعنف الرقمي على حادث واحد فقط، فقد تتعرض له المرأة أكثر من مرة خلال استخدامها الإنترنت.
من خلال تجربتي كباحثة اجتماعية في مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين، لاحظت أن عددا من النساء يتعرضن للعنف الرقمي كجزء من معاناتهن مع العنف الأسري، وهذا يعدّ بُعداً إضافياً ومؤثراً في حياتهن. فهذا النوع من العنف لا يعد قضية مستقلة بل غالبًا ما يكون مرتبطًا بالعنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي، وهذا الارتباط يخلق بيئة رقمية غير آمنة للضحايا، ويزيد من صعوبة تجاوز آثار العنف.
يعد العنف في الفضاء الرقمي ظاهرة خطيرة ذات آثار نفسية وصحية واجتماعية عميقة على النساء، من أبرزها... تدهور الوضع النفسي حيث إن الضحية تشعر بالتهديد المستمر في حياتها اليومية والذي بدروه يؤدي الى تفاقم المشكلات النفسية لديها، مثل «القلق والتوتر، الخوف، مشاعر الاكتئاب، وآثار على الصحة الجسدية والعقلية، يمكن أن تتسبب التجارب السلبية المتكررة أيضاً في اضطراب العلاقات الشخصية وتدهورها. كما تؤثر في قدرة المرأة على التعبير والمشاركة في الفضاء الرقمي»، إذاً فإن العنف الرقمي ضد النساء يمكن أن يتداخل مع أشكال العنف المختلفة لخلق بيئة من الخوف وعدم الأمان. كما تظهر هذه الآثار بوضوح في تجارب النساء اللواتي يعانين من العنف الأسري.
أخيرًا، لما كان العنف الرقمي يهدد كيان الأسرة والمرأة وسلامتها الجسدية وصحتها النفسية، نوصي الجميع بأهمية حماية أنفسهم في الفضاء الرقمي، لذلك من الضروري أن توفر الأسرة مناخاً من الحوار المفتوح، يطمئن فيه أفرادها إلى إمكانية مشاركة أي تجربة مزعجة يمرون بها عبر الإنترنت دون خوف من اللوم. كما ينبغي وضع إرشادات واضحة للاستخدام الآمن للمنصات الرقمية، تشمل تنظيم أوقات الاستخدام، ومتابعة الأنشطة الإلكترونية للأبناء بما يحفظ خصوصيتهم، وتوعيتهم بخطورة مشاركة المعلومات الشخصية مع الغرباء. وعند تعرض أي فرد من الأسرة لإساءة أو تهديد عبر الفضاء الرقمي، يجب احتواؤه وطمأنته، والاحتفاظ بالأدلة، وتجنب الرد على المعتدي، ثم التواصل مع الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. إن مواجهة العنف الرقمي داخل الأسرة تعتمد على الوعي، والدعم، والتدخل السريع لضمان الحماية نفسياً واجتماعياً.
إن تعزيز الوعي والتمكين الذاتي يسهم في خلق بيئة أكثر أمانًا وصحةً للنساء، بالتالي إن الاستثمار في الوعي والتمكين الذاتي ليس مجرد خطوة نحو الأمان، بل هو أيضاً طريق نحو بناء مستقبل أفضل للنساء والأسرة والمجتمع ككل.
الباحثة الاجتماعية

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك