تضع مملكة البحرين بقيادتها الحكيمة المواطن في قلب التنمية وغايتها الأولى، مستندة في جميع مشاريعها إلى رؤية واضحة بأن جودة الخدمة الحكومية هي المعيار الحقيقي لثقة المواطن بالدولة. ومن هذا المنطلق جاء برنامج عمل الحكومة لأعوام 2023–2026 ليؤكد أن رفع كفاءة الأداء الحكومي وتبسيط الإجراءات وتسريعها يمثل التزاماً وطنياً متجدداً يترجم عملياً في مختلف القطاعات.
شهدت البحرين خلال السنوات الماضية تحولاً رقمياً واسعاً أتاح للمواطنين والمقيمين إنجاز أغلب معاملاتهم إلكترونياً بجهود هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية بالتعاون مع الجهات التنفيذية، ما أسهم في تحسين جودة الخدمات وتقليل الجهد والوقت على المتعاملين. ومع استمرار هذا التطور، تبرز الحاجة إلى مرحلة جديدة أكثر استباقية في التعامل مع التحديات، مرحلة تعتمد على التنبؤ بالمشكلة قبل وقوعها بدلا من انتظارها بعد ظهورها.
ويبرز هنا دور نظام تواصل الوطني كأحد الأدوات الوطنية التي يمكن البناء عليها لتطبيق هذا النهج. فالنظام، الذي يشكل حلقة وصل مباشرة بين المواطن والجهات الحكومية، أثبت فاعليته في استقبال الشكاوى والملاحظات والمقترحات وتعزيز التواصل والشفافية. إلا أن القيمة المضافة الحقيقية يمكن أن تتحقق إذا تم تطوير النظام ليعمل وفق منهجية مبكرة (Early Proactive Approach)تستند إلى التحليل الذكي للبيانات وتحويل الملاحظات المتكررة إلى مؤشرات تساعد على تحسين الإجراءات بشكل مستدام.
وبحسب المؤشرات التي يوفرها النظام من عدد الطلبات المغلقة أو المتسلمة، يمكن للنظام أن يصبح أداة ترصد طبيعة التحديات المتكررة وتحدد الجهات التي تحتاج إلى تبسيط أو تطوير. هذه الخطوة ستمنح صانع القرار القدرة على التحرك المبكر لتصحيح المسار ومعالجة التعقيدات قبل أن تتراكم أو تتسع.
وقد طبقت في عدد من الدول أنظمة مشابهة، مثل منصة Traffy Fondue في تايلاند التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتصنيف بلاغات المواطنين وتحويلها إلى الجهات المختصة، وتجارب دولية أخرى اعتمدت منهجية الإنصات الاستباقي (Proactive Listening) التي توظف تحليل البيانات لاكتشاف التحديات في الخدمات العامة قبل تفاقمها. وتمثل هذه النماذج اتجاهاً عالمياً متنامياً نحو تحويل صوت المواطن إلى أداة تطوير وسياسة عامة تستبق الحاجة إلى الشكوى.
ولتحقيق هذا التوجه، يمكن تزويد النظام بوحدة تحليل ذكية تستخدم تقنيات التحليل البياني والذكاء الاصطناعي لتصنيف الملاحظات والشكاوى حسب نوعها وأثرها. هذه الوحدة لا تمارس دوراً رقابياً، بل تقوم بدور تشخيصي تفاعلي يساعد صانع القرار على رؤية الاتجاهات بوضوح، وتمكّن الجهات من معالجة الأسباب الجوهرية للمشكلات في وقت مبكر. ومع تراكم الخبرة والبيانات ستشكل هذه الوحدة قاعدة معرفية توجه مسار التطوير الحكومي بدقة وموضوعية.
ويتكامل نظام تواصل الوطني مع أدوات أخرى مثل برنامج تقييم مراكز الخدمة الحكومية (تقييم) الذي يقيس تجربة المتعاملين ميدانياً، والبوابة الوطنية للخدمات الإلكترونية (bahrain.bh) التي تختصر رحلة الخدمة للمواطن، ومنصة البيانات المفتوحة التي توفر المعلومات اللازمة للتحليل. ويكمن تميز نظام تواصل الوطني في قدرته على الربط بين هذه المبادرات جميعها من خلال محور واحد هو صوت المواطن، وتحويله من بلاغ أو ملاحظة إلى عنصر فاعل في صنع القرار والتطوير المؤسسي.
إن تبسيط الإجراءات وتسريعها لا يتحقق بالقرارات فقط، بل بفهم التحديات في عمقها وتحليلها بواقعية. وعندما تتمكن مملكة البحرين من استثمار بياناتها وتحليل ملاحظات مواطنيها بذكاء، فإنها ترسخ نموذجا إداريا حديثا يقوم على الاستباق والابتكار، ويجعل من صوت المواطن المؤشر الأهم لقياس جودة الأداء الحكومي.
{ مهتمة بالحوكمة وتطوير الأداء المؤسسي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك