زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هذا حي وذاك حي
في تقديري فإن أجمل ما قيل في حب الوطن، جادت به قريحة شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب: إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون/ أيخون إنسان بلاده؟/ إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟/ الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام حتى الظلام ....
قيل في أمر الحب بين الرجل والمرأة الكثير، ولكن قليلين من حاولوا تفسير: لماذا يحب الإنسان وطنه، خاصة إذا كان حال ذلك الوطن يسبب الغم والإحباط بل والقرف أحيانا، ونحن بنو السودان شديدو التعلق بالوطن ويتحدث الواحد منا عن السودان فتحسبه يتحدث عن جنة الله على الأرض، ومع هذا فنحن ندرك أن حال بلدنا لا يسر عدوا أو حبيبا، وإننا من أمم الأرض القليلة التي تتقدم إلى الوراء بخطى حثيثة مدروسة، بعد أن ابتلى الله قادتنا بالجدل وقلة العمل، ولكن إنصافا للساسة السودانيين فإنهم يرفعون الرأس كلما ظهروا على شاشات التلفزيون، بقدراتهم الفذة على الكلام المركّز والمكثف حسن الحبك والسبك، حتى يقنعوا المشاهد بأن السودان كما ليبيا القذافي قوة عظمى، ثم تتأمل حال البلاد والعباد فتكتشف أن كل ما استمعت إليه لغو والغ في التضليل والتجهيل.
وفي بلد حاله كذلك لا بد من حدوث مضحكات مبكيات، ومن ذلك ما عثرت عليه في أرشيفي من خلال قصاصة من صحيفة سودانية تعود إلى بضع سنوات عن رجل قروي توفي إثر علة لم تمهله طويلا، وترك الجثمان في العنبر بعد غسله وتكفينه ولفه بملاءة بيضاء نسبيا، إلى حين إصدار شهادة الوفاة، وبعد استيفاء الإجراءات الرسمية، سمحت سلطات المستشفى لذوي المتوفى بنقله للدفن في قريته، وهكذا وضع الجثمان في سيارة نصف نقل مكشوفة انطلقت به إلى القرية للصلاة عليه ودفنه، وجلس بعض الأقارب حول الجثمان وهم في حزن عظيم، وكان الطريق الذي سارت عليه السيارة يشبه الطريق الذي أرغم الساسة البلاد على السير فيه، مليئا بالحفر والمطبات، فظلت الشاحنة الصغيرة تتقافز بينما مفاصلها تئن وتزنّ، مما ضايق المتوفى، فهب من سريره جالسا وهو يطنطن: شنو الحكاية يا جماعة؟ دي أول مرة في حياتي أشوف سرير مستشفى هزاز؟ في زلزال؟ ثم نظر إلى الجالسين حول سريره واكتشف أنه لا يعرف أيا منهم وتساءل: من أنتم؟ وبداهة فقد قفز جميع من كانوا في الشاحنة المندفعة (لأن سائقها كان يركز على تفادي المطبات) وسقطوا أرضا، وأصيب معظمهم بكسور مركبة وتمت إعادتهم إلى المستشفى مع الميت الذي نهض من مواته بعد أن «غيّر رأيه» لسبب بدهي وهو أنه لم يكن ميتا أصلا وكل ما في الأمر هو أنه كان في السرير الملاصق للمتوفى ويغط في نوم عميق تحت تأثير مخدر ملتحفا ملاءة بيضاء نسبيا، وتم تسليمه للجماعة باعتباره الميت الذي يخصهم، فساروا به، وأيقظته المطبات، فنجا من الدفن! يعني لو كان الطريق ممهدا ومسفلتا لكانوا قد دفنوه حيا (وبسبب حرصها على حياة المواطنين البسطاء في الأرياف فإن الحكومة لا تسفلت الطرق في المناطق الريفية). وفي بلدة صغيرة تقع جنوب الخرطوم سقط عامل بناء من على سقالة، وأصيب بكسور، فوضعه زملاؤه على سرير وساروا به صوب المستشفى حاملين السرير على أكتافهم، فرآهم بعض المارة وكعادة أهل السودان تطوعوا لحمل السرير لبعض الوقت- في السودان يتسابق الناس على حمل جثمان المتوفى كلما مرت بهم جنازة- طبعا اعتقدوا أن المحمول على الآلة الحدباء ميت، ويبدو أن العامل المصاب أحس بالألم وأراد أن يشير إلى من يحملونه بالتوقف قليلا أو السير بخطى بطيئة، فأنزل يده وربت على كتف أحد المتطوعين، وبداهة فقد أصيب الرجل بلوثة لأنه حسب أن المتوفى نهض من مواته فأفلت السرير من يده وسقط العامل أرضا فدقت عنقه فمات!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك