في تصريحات له لصحيفة تركية، يقول الرئيس السوري أحمد الشرع: «نحن قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية» ويضيف أن «سورية تُجيد القتال، لكنها لم تعد ترغب في الحرب» وأن «ليس أمامها خيار سوى التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل.» ويضيف «هذا لا يعني بأي حال تطبيع العلاقات أو الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع».
وفي المقابلة التي أجراها في نيويورك، على هامش فعاليات مؤتمر «كونكورديا» السنوي للأمن والديمقراطية، مع الجنرال ديفيد بتريوس (المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية)، والذي انعقد بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس السوري إن «الاتفاق الأمني مع إسرائيل وشيك ويشبه اتفاق فصل القوات الذي وُقِع عام 1974» مضيفاً أن «الاتفاقات السابقة بين الأنظمة العربية وإسرائيل لم تكن جيدة وقد تم خرقها»، لكنه مستعد لعقد «اتفاق مختلف مع إسرائيل لضمان حاجاتها الأمنية، والتعايش بين الشعبين السوري والإسرائيلي».
بداية، ليس صحيحاً بالمطلق أن الاتفاق الأمني الذي ينوي الشرع توقيعه مع دولة الاحتلال يشبه اتفاق فصل القوات السابق الذي وُقِعَ مع نظام الأسد لا في ظروفه ولا في بنوده.
عندما وقعت سورية اتفاق فصل القوات في مايو 1974 كان ذلك بعد حرب استنزاف خاضتها مع دولة الاحتلال لاحقاً لحرب أكتوبر- تشرين 1973 واستمرت حتى توقيع الاتفاق. خلال هذه الحرب، حاولت سورية إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها وكانت هنالك اشتباكات جوية شبه يومية فوق الجولان ومن الغرب من دمشق. حرب الاستنزاف لم تُجبر إسرائيل على الانسحاب من الجولان، لكنها منعتها من احتلال أراض سورية جديدة، وأبقتها تحت الضغط العسكري مدة سبعة أشهر، ولولا هذه الحرب لما أمكن أصلاً الوصول إلى اتفاق فصل القوات.
في المقابل، هيئة تحرير الشام تحت قيادة الشرع لم تُطلق رصاصة واحدة على إسرائيل لتتويج ذلك باتفاق أمني معها، وبالتالي فإننا نتساءل، بأي أدوات سيتمكن الرئيس الشرع من إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي السورية الجديدة التي احتلتها إسرائيل؟ هل يراهن على أمريكا لتحقيق ذلك؟ أوَ لم تقصف دولة الاحتلال الدولة الأكثر قرباً للولايات المتحدة في المنطقة، دولة قَطر، والموجود بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط؟ أمريكا ليست جهة مُحايدة في الصراع مع إسرائيل للوثوق بها وهي تعلن يومياً ذلك ولا تُخفيه، والشرع يَعلم ذلك جيداً.
على ماذا يُراهن إذاً؟
قطعاً ليس على الولايات المتحدة، ولكن على التنازلات التي سيقدمها لدولة الاحتلال في أي اتفاق أمني معها، وهو ما سنراه في بنود هذا الاتفاق.
اتفاق فصل القوات عام 1974 تضمن وجود منطقة عازلة تسيطر عليها قوات «الأندوف» الأممية عرْضها في بعض المناطق 10 كم، وفي مناطق أخرى يصل إلى مائتي متر. وهو ينص أيضا على وجود منطقة خالية من الأسلحة الثقيلة بعمق 10 كم شرق منطقة «الأندوف» وغربها، أي أيضاً في المنطقة التي تسيطر عليها دولة الاحتلال. والأهم من كل ذلك، أن اتفاق فصل القوات بُنِي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يؤكد أن الجولان هي أرض سورية مُحتلة.
لكن فيما هو مُسرب عن الاتفاق الأمني الذي يريد الشرع توقيعه، والذي يقول إنه يشبه اتفاق فصل القوات، فإن تفاصيله لا تشير بأي حال بأن هنالك تشابهاً بين الاتفاقين.
الشرع سيوقع على اتفاق أمني يتضمن تقسيم الجنوب السوري إلى منطقة ألف، وباء، وجيم. المنطقة ألف، وعلى عمق 2 كم سيتم إلحاقها بالمنطقة العازلة التي كانت موجودة قبل أن تحتلها إسرائيل في ديسمبر من العام الماضي. المنطقة باء هي منطقة منزوعة من السلاح السوري الثقيل وهي تمتد من المنطقة العازلة وحتى حدود محافظة دمشق. المنطقة جيم، ولا نعرف مساحتها بالضبط، يُمنع فيها على سورية استخدام الطيران الحربي.
وفيما هو مُسرّب من الاتفاق، يُحظَر على سورية امتلاك أسلحة إستراتيجية تُهدد أمن إسرائيل. وعليها الموافقة أيضاً على بقاء مرتفعات جبل الشيخ تحت السيطرة الإسرائيلية وعلى «تل الحارة» في ريف درعا، بالإضافة إلى السماح لها بممر جوي يمكن لدولة الاحتلال استخدامه إن شاءت استهداف دولة أخرى مثل إيران.
أخيراً، لن يتم الإشارة إلى الجولان السوري المُحتل في الاتفاق الأمني لا من قريب ولا من بعيد. إذا كان كل ذلك أو حتى بعضه صحيح، فإن الاتفاق الأمني الذي يتم الحديث عنه، لا علاقة له باتفاق فصل القوات السابق، ولا يُشبهه، وهو استسلام كامل للشروط الإسرائيلية.
هذه التنازلات التي سيتم تقديمها لدولة الاحتلال في الاتفاق الأمني هي ما يراهن عليها الشرع لإقناع إسرائيل بعدم التعرض لنظامه في دمشق، وهو بالطبع يأمل أن تقوم الولايات المتحدة بعد كل هذه التنازلات بإقناع إسرائيل بِعدم دعم الحركات الانفصالية الكردية والدرزية في سورية.
نعم السوريون تعبوا من الحرب؛ والفلسطينيون واللبنانيون تعبوا أيضاً، لكن الجميع مُجبر على الدفاع عن وطنه وأرضه وكرامته. هذه ليست حرباً اختيارية ولكنها حرب مفروضة عليهم الهزيمة فيها تؤدي إلى تشريدهم وضياع أرضهم وكرامتهم ومستقبلهم.
{ كاتب من فلسطين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك