العدد : ١٧٣٦٤ - الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٤ - الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

أوهام الشرع حول الصفقة مع إسرائيل

بقلم: محمد ياغي

الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬تصريحات‭ ‬له‭ ‬لصحيفة‭ ‬تركية،‭ ‬يقول‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬قريبون‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوساطة‭ ‬أمريكية‮»‬‭ ‬ويضيف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬سورية‭ ‬تُجيد‭ ‬القتال،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬أمامها‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬أمني‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬‮»‬‭ ‬ويضيف‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬أو‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التطبيع‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬المقابلة‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬فعاليات‭ ‬مؤتمر‭ ‬‮«‬كونكورديا‮»‬‭ ‬السنوي‭ ‬للأمن‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬مع‭ ‬الجنرال‭ ‬ديفيد‭ ‬بتريوس‭ (‬المدير‭ ‬السابق‭ ‬لوكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬انعقد‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬اجتماعات‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وشيك‭ ‬ويشبه‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬الذي‭ ‬وُقِع‭ ‬عام‭ ‬1974‮»‬‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاتفاقات‭ ‬السابقة‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جيدة‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬خرقها‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬مستعد‭ ‬لعقد‭ ‬‮«‬اتفاق‭ ‬مختلف‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لضمان‭ ‬حاجاتها‭ ‬الأمنية،‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬السوري‭ ‬والإسرائيلي‮»‬‭.‬

بداية،‭ ‬ليس‭ ‬صحيحاً‭ ‬بالمطلق‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬ينوي‭ ‬الشرع‭ ‬توقيعه‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬يشبه‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬وُقِعَ‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬ظروفه‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬بنوده‭.‬

عندما‭ ‬وقعت‭ ‬سورية‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬1974‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬خاضتها‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لاحقاً‭ ‬لحرب‭ ‬أكتوبر‭- ‬تشرين‭ ‬1973‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاق‭. ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬حاولت‭ ‬سورية‭ ‬إجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬وكانت‭ ‬هنالك‭ ‬اشتباكات‭ ‬جوية‭ ‬شبه‭ ‬يومية‭ ‬فوق‭ ‬الجولان‭ ‬ومن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬دمشق‭. ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬لم‭ ‬تُجبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الجولان،‭ ‬لكنها‭ ‬منعتها‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬أراض‭ ‬سورية‭ ‬جديدة،‭ ‬وأبقتها‭ ‬تحت‭ ‬الضغط‭ ‬العسكري‭ ‬مدة‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر،‭ ‬ولولا‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لما‭ ‬أمكن‭ ‬أصلاً‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬الشرع‭ ‬لم‭ ‬تُطلق‭ ‬رصاصة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتتويج‭ ‬ذلك‭ ‬باتفاق‭ ‬أمني‭ ‬معها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإننا‭ ‬نتساءل،‭ ‬بأي‭ ‬أدوات‭ ‬سيتمكن‭ ‬الرئيس‭ ‬الشرع‭ ‬من‭ ‬إجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬هل‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬أمريكا‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك؟‭ ‬أوَ‭ ‬لم‭ ‬تقصف‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الدولة‭ ‬الأكثر‭ ‬قرباً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬دولة‭ ‬قَطر،‭ ‬والموجود‭ ‬بها‭ ‬أكبر‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟‭ ‬أمريكا‭ ‬ليست‭ ‬جهة‭ ‬مُحايدة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬للوثوق‭ ‬بها‭ ‬وهي‭ ‬تعلن‭ ‬يومياً‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬تُخفيه،‭ ‬والشرع‭ ‬يَعلم‭ ‬ذلك‭ ‬جيداً‭.‬

على‭ ‬ماذا‭ ‬يُراهن‭ ‬إذاً؟

قطعاً‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬التنازلات‭ ‬التي‭ ‬سيقدمها‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬أمني‭ ‬معها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سنراه‭ ‬في‭ ‬بنود‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭.‬

اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬تضمن‭ ‬وجود‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬الأندوف‮»‬‭ ‬الأممية‭ ‬عرْضها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬10‭ ‬كم،‭ ‬وفي‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مائتي‭ ‬متر‭. ‬وهو‭ ‬ينص‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬منطقة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬بعمق‭ ‬10‭ ‬كم‭ ‬شرق‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬الأندوف‮»‬‭ ‬وغربها،‭ ‬أي‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬بُنِي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رقم‭ ‬242‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الجولان‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬سورية‭ ‬مُحتلة‭.‬

لكن‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬مُسرب‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الشرع‭ ‬توقيعه،‭ ‬والذي‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬يشبه‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات،‭ ‬فإن‭ ‬تفاصيله‭ ‬لا‭ ‬تشير‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬بأن‭ ‬هنالك‭ ‬تشابهاً‭ ‬بين‭ ‬الاتفاقين‭.‬

الشرع‭ ‬سيوقع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬أمني‭ ‬يتضمن‭ ‬تقسيم‭ ‬الجنوب‭ ‬السوري‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬ألف،‭ ‬وباء،‭ ‬وجيم‭. ‬المنطقة‭ ‬ألف،‭ ‬وعلى‭ ‬عمق‭ ‬2‭ ‬كم‭ ‬سيتم‭ ‬إلحاقها‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العازلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحتلها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭. ‬المنطقة‭ ‬باء‭ ‬هي‭ ‬منطقة‭ ‬منزوعة‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬السوري‭ ‬الثقيل‭ ‬وهي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العازلة‭ ‬وحتى‭ ‬حدود‭ ‬محافظة‭ ‬دمشق‭. ‬المنطقة‭ ‬جيم،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬مساحتها‭ ‬بالضبط،‭ ‬يُمنع‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬سورية‭ ‬استخدام‭ ‬الطيران‭ ‬الحربي‭.‬

وفيما‭ ‬هو‭ ‬مُسرّب‭ ‬من‭ ‬الاتفاق،‭ ‬يُحظَر‭ ‬على‭ ‬سورية‭ ‬امتلاك‭ ‬أسلحة‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تُهدد‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭. ‬وعليها‭ ‬الموافقة‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬مرتفعات‭ ‬جبل‭ ‬الشيخ‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وعلى‭ ‬‮«‬تل‭ ‬الحارة‮»‬‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬درعا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬بممر‭ ‬جوي‭ ‬يمكن‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬استخدامه‭ ‬إن‭ ‬شاءت‭ ‬استهداف‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭.‬

‭ ‬أخيراً،‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الجولان‭ ‬السوري‭ ‬المُحتل‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬بعيد‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بعضه‭ ‬صحيح،‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬الحديث‭ ‬عنه،‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬باتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬السابق،‭ ‬ولا‭ ‬يُشبهه،‭ ‬وهو‭ ‬استسلام‭ ‬كامل‭ ‬للشروط‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

هذه‭ ‬التنازلات‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬تقديمها‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يراهن‭ ‬عليها‭ ‬الشرع‭ ‬لإقناع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعدم‭ ‬التعرض‭ ‬لنظامه‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬وهو‭ ‬بالطبع‭ ‬يأمل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التنازلات‭ ‬بإقناع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بِعدم‭ ‬دعم‭ ‬الحركات‭ ‬الانفصالية‭ ‬الكردية‭ ‬والدرزية‭ ‬في‭ ‬سورية‭.‬

نعم‭ ‬السوريون‭ ‬تعبوا‭ ‬من‭ ‬الحرب؛‭ ‬والفلسطينيون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬تعبوا‭ ‬أيضاً،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬مُجبر‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬وطنه‭ ‬وأرضه‭ ‬وكرامته‭. ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬حرباً‭ ‬اختيارية‭ ‬ولكنها‭ ‬حرب‭ ‬مفروضة‭ ‬عليهم‭ ‬الهزيمة‭ ‬فيها‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تشريدهم‭ ‬وضياع‭ ‬أرضهم‭ ‬وكرامتهم‭ ‬ومستقبلهم‭.‬

‭ ‬‮ ‬{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا