العدد : ١٧٣٦٤ - الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٤ - الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

عزلة إسرائيل الدولية تتعمق.. الشعوب تسبق حكوماتها في إدانة الجرائم

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

مع‭ ‬حلول‭ ‬الذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬لبدء‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬تبرز‭ ‬صورة‭ ‬مأساوية‭: ‬مقتل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬10%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬القطاع،‭ ‬نزوح‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬للبقية،‭ ‬وتعرض‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الأطفال‭ ‬إلى‭ ‬جوع‭ ‬متعمَّد‭ ‬جراء‭ ‬خنق‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرف‭ ‬لإمدادات‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭.‬‭ ‬ورغم‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬الهائلة،‭ ‬تواصل‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬دعمها‭ ‬للحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بطرق‭ ‬عدة‭: ‬عبر‭ ‬الحماية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية،‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وإمداد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأسلحة‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أنها‭ ‬تُستخدم‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬أيديها‭ ‬مفاتيح‭ ‬التأثير،‭ ‬فإن‭ ‬سلوك‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬مثل‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن‭ ‬وباريس‭ ‬وبرلين‭ ‬وروما‭ ‬وبروكسل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يتزعزع‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يلفت‭ ‬الصحفي‭ ‬جيمي‭ ‬ديتمر،‭ ‬بمجلة‭ ‬بوليتيكو،‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يمضي‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططه‭ ‬لتدمير‭ ‬غزة‭ ‬كاملاً،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬الفرضية‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬بمجرد‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬نار،‭ ‬ستتجاهل‭ ‬أو‭ ‬تسامح‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتُكبت‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تغير‭ ‬فعلاً؟‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬بدأ‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الغربي‭ ‬يُظهر‭ ‬تصدعات‭ ‬في‭ ‬الولاء‭ ‬أو‭ ‬التكتّم‭ ‬بشأن‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬لاحظت‭ ‬سنام‭ ‬فاكيل،‭ ‬بالمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬‮«‬تحولًا‭ ‬جذريًا‮»‬‭ ‬في‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬‮«‬كسر‭ ‬التابوهات‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الانتقاد‭ ‬العلني‭ ‬لانتهاكات‭ ‬إسرائيل،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬التاريخي‭ ‬أو‭ ‬الأحدث‭ ‬منها‭.‬

في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تُصنَّف‭ ‬أكبر‭ ‬داعم‭ ‬سياسي‭ ‬واقتصادي‭ ‬وعسكري‭ ‬لإسرائيل‭ ‬نقلت‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬‮«‬تحول‭ ‬زلزالي‮»‬‭ ‬في‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أبرزت‭ ‬فيليشيا‭ ‬شوارتز،‭ ‬في‭ ‬بوليتيكو،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية‭ ‬الجديدة‭ ‬تتغلغل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الانقسام‭ ‬الحاد‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬والجمهوريين‭.‬

رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬تعاني‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬من‭ ‬تحدٍّ‭ ‬مركزي‭: ‬تجاهل‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬المتكرر‭ ‬لإدانات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬بشأن‭ ‬ممارسات‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مثل‭ ‬إصدار‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬مذكرات‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬نتنياهو‭ ‬ووزير‭ ‬دفاعه‭ ‬آنذاك‭ ‬يوآف‭ ‬جالانت‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬وإعلان‭ ‬لجنة‭ ‬التحقيق‭ ‬المستقلة‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025‭ ‬بأن‭ ‬الممارسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تُشكّل‭ ‬‮«‬إبادة‭ ‬جماعية‮»‬‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬التجاهل‭ ‬الرسمي،‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬الداخلي‭ ‬إلى‭ ‬الوسيلة‭ ‬الفاعلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لدفع‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬الكامل‭ ‬بجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬واتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬فعلية‭ ‬تجاهها‭.‬

تُشير‭ ‬التجربة‭ ‬الإيطالية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التأثير‭ ‬الشعبي‭ ‬ممكن،‭ ‬لكن‭ ‬التغيير‭ ‬بطيء‭ ‬جدًا‭. ‬فمع‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيطالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية‭ ‬دعمًا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬اضطرت‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الإضرابات‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬موقفها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التعديل‭ ‬جاء‭ ‬متأخرًا‭ ‬جدًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بحجم‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية،‭ ‬ولم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬سقوط‭ ‬آلاف‭ ‬الضحايا‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تجنّبهم‭ ‬لو‭ ‬اتخذت‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬موقفًا‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬عموماً،‭ ‬فتبقى‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬سياسات‭ ‬الحكومات‭ ‬ورغبات‭ ‬شعوبها‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا؛‭ ‬وطالما‭ ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬التباعد‭ ‬قائماً،‭ ‬فإن‭ ‬مسؤولية‭ ‬التواطؤ‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ستظل‭ ‬تُحمَّل‭ ‬لصناع‭ ‬القرار‭ ‬الغربيين‭. ‬إن‭ ‬الشرارة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُحدث‭ ‬تحولًا‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬لندن‭ ‬أو‭ ‬برلين‭ ‬أو‭ ‬واشنطن‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬المؤيد‭ ‬للقصاص‭ ‬والعدالة‭.‬

الدلائل‭ ‬التي‭ ‬تُظهر‭ ‬صدوع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬كثيرة‭ ‬وواضحة‭. ‬ففي‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬شركة‭ ‬إبسوس‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬البريطانيين‭ (‬53 %‭) ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬هجمات‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬‮«‬تجاوزت‭ ‬الحد‮»‬‭. ‬وغرابة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬المعروفة‭ ‬بميولها‭ ‬اليسارية،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬أيضًا‭ ‬مناصري‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬وكتلة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬بنسبة‭ ‬51 %‭. ‬وتصاعد‭ ‬مستوى‭ ‬المعارضة‭ ‬كان‭ ‬شديدًا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬مناصري‭ ‬حزب‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الليبراليين‭ (‬73 %‭) ‬وحزب‭ ‬العمال‭ (‬65 %‭).‬

وفي‭ ‬كندا،‭ ‬طرحت‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬أنجوس‭ ‬ريد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬أن‭ ‬37 %‭ ‬من‭ ‬الكنديين‭ ‬يتعاطفون‭ ‬مع‭ ‬معاناة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مقابل‭ ‬19 %‭ ‬أبدوا‭ ‬تأييدًا‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬ملحوظ‭ ‬عن‭ ‬المواقف‭ ‬التقليدية‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬القارية،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬الأشهر‭ ‬الخمسة‭ ‬الماضية‭ ‬تنظيم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬احتجاج‭ ‬ضد‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬حسب‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬بيانات‭ ‬موقع‭ ‬النزال‭ ‬المسلح‭ ‬وأحداثها‮»‬‭ - ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬تظاهرة‭ ‬يوميًا‭. ‬وفي‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬شركة‭ ‬يوغوف‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬تراجع‭ ‬صافي‭ ‬التأييد‭ ‬لإسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬سالبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ -‬48‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ -‬44‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ -‬52‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ -‬54‭ ‬في‭ ‬الدنمارك،‭ ‬و‭-‬55‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭. ‬عمومًا،‭ ‬أصبح‭ ‬لدى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬63‭ ‬و70 %‭ ‬من‭ ‬الأوروبيين‭ ‬رأي‭ ‬سلبي‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مقابل‭ ‬13‭ ‬إلى‭ ‬21 %‭ ‬فقط‭ ‬ممن‭ ‬يرونها‭ ‬إيجابية‭.‬

وفي‭ ‬ألمانيا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ (‬51‭ ‬احتجاجًا‭) ‬جرت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬2025،‭ ‬تشير‭ ‬استطلاعات‭ ‬أغسطس‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثلثي‭ ‬الألمان‭ ‬يطالبون‭ ‬حكومة‭ ‬فريدريش‭ ‬ميرتس‭ ‬بممارسة‭ ‬ضغوط‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب‭. ‬كما‭ ‬رفضت‭ ‬غالبية‭ ‬كبيرة‭ (‬62 %‭) ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬ألمانيا‭ ‬تتحمّل‭ ‬مسؤولية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬بسبب‭ ‬ماضيها‭ ‬التاريخي،‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬شعبية‭ ‬في‭ ‬فصم‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬الذنب‭ ‬التاريخي‭.‬

في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬يكشف‭ ‬تطور‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والجمهور‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬تحول‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬العزلة‭ ‬الدولية‭ ‬لإسرائيل‭. ‬وفقًا‭ ‬لاستطلاع‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬وجامعة‭ ‬سيينا‭ ‬الإيطالية،‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬المتعاطفين‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬35 %‭) ‬فاقت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬نسبة‭ ‬المؤيدين‭ ‬لإسرائيل‭ (‬34 %‭). ‬وهذا‭ ‬يمثل‭ ‬تغيرًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬عمّا‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬عندما‭ ‬أيد‭ ‬47 % ‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬20 %‭.‬

وفي‭ ‬خطوة‭ ‬إحصائية‭ ‬تدعم‭ ‬هذا‭ ‬التغير،‭ ‬أشار‭ ‬مجلس‭ ‬شيكاغو‭ ‬للشؤون‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2025‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬61 %‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬سلبيًا‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬التحديات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭. ‬وبعد‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط،‭ ‬انخفاض‭ ‬الدعم‭ ‬المحلي‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إذ‭ ‬أظهرت‭ ‬الإحصاءات‭ ‬أن‭ ‬32 %‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يدعمون‭ ‬استمرار‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬50 %‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬يؤكد‭ ‬نحو‭ ‬ستة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬أمريكيين‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬إسرائيل‭ ‬قصفها‭ ‬فورًا،‭ ‬وأن‭ ‬40 %‭ ‬يرون‭ ‬أنها‭ ‬قصفت‭ ‬المدنيين‭ ‬عمدًا،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ‭ ‬22 %‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭.‬

ولقد‭ ‬لفت‭ ‬انتباه‭ ‬الكاتب‭ ‬ليزا‭ ‬ليرير‭ ‬وروث‭ ‬إيجيلنيك‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الداخلي‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الجمهوريين‭ ‬والديمقراطيين،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تندر‭ ‬فيه‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬أنصار‭ ‬الحزبين‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أشار‭ ‬شوارتز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الناخبين‭ ‬الجمهوريين‭ ‬الذين‭ ‬تجاوزوا‭ ‬سن‭ ‬الخمسين‭ ‬ويعبرون‭ ‬عن‭ ‬آراء‭ ‬سلبية‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬50 %‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أنصار‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬لنجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬عظيمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬،‭ ‬انتقدت‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬تصرفات‭ ‬إسرائيل‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عضوة‭ ‬الكونغرس‭ ‬مارجوري‭ ‬تايلور‭ ‬غرين‭ ‬وصفت‭ ‬العنف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بإبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬وأدانت‭ ‬‮«‬الأزمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتجويع‮»‬‭ ‬المفروضين‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

لكن‭ ‬التحوّل‭ ‬الشعبي‭ ‬وحده‭ ‬ليس‭ ‬كافيًا‭ ‬لتحطيم‭ ‬جدار‭ ‬تبلد‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭. ‬ففي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬تُقابل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬بتجاهل‭ ‬أو‭ ‬صمت‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬السياسية‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ - ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬46 %‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬بشكل‭ ‬سيئ‭ ‬و49 %‭ ‬أن‭ ‬أداء‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬سيئ‭ - ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬رسمي‭ ‬من‭ ‬داونينغ‭ ‬ستريت‭ ‬تجاه‭ ‬اقتراح‭ ‬الاعتراف‭ ‬بإبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬الصمت،‭ ‬ما‭ ‬يفضح‭ ‬مدى‭ ‬التواطؤ‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬الأروقة‭ ‬الحاكمة‭.‬

في‭ ‬السياق‭ ‬المقارن،‭ ‬تُعد‭ ‬إيطاليا‭ ‬مثالًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬قد‭ ‬يغيّر‭ ‬السياسات،‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬سرعة‭ ‬كافية‭ ‬لتقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬ميلوني‭ - ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المؤيدين‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬العدوان‭ ‬اضطرت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬بعد‭ ‬إضرابات‭ ‬عامة‭ ‬واسعة،‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬ضمنيًّا‭ ‬بأن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬‮«‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬مذبحة‭ ‬بين‭ ‬المدنيين‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬دعم‭ ‬خطة‭ ‬أوروبية‭ ‬لمعاقبة‭ ‬إسرائيل‭.‬

وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأوسع،‭ ‬قدّم‭ ‬البعض‭ ‬رأيًا‭ ‬مثل‭ ‬رأي‭ ‬أغنيس‭ ‬كالامار،‭ ‬الأمينة‭ ‬العامة‭ ‬لمنظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬بأن‭ ‬تراجع‭ ‬المواقف‭ ‬جاء‭ ‬‮«‬متأخرًا‭ ‬بشكل‭ ‬مخزٍ‮»‬‭. ‬أما‭ ‬مارتن‭ ‬كونيكني،‭ ‬مدير‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فرأى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬العقوبات‭ ‬المقترحة‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬قليلة‭ ‬جدًا‭ ‬ومتأخرة‭ ‬جدًا‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬تجاهلتها‭ ‬بروكسل‭.‬

وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أثارت‭ ‬دعوة‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬السابق‭ ‬جيك‭ ‬سوليفان‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬مبيعات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تساؤلات‭ ‬عميقة‭ ‬حول‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تُتخذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬بينما‭ ‬كنت‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬بين‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬ويناير‭ ‬2025‭. ‬فزعم‭ ‬سوليفان‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الحجة‭ ‬لحجب‭ ‬الأسلحة‭ ‬أقوى‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬عام‮»‬‭ ‬يغفل‭ ‬تحذيرات‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬وقوع‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬2024،‭ ‬وتحذيرات‭ ‬خبراء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المقررة‭ ‬الخاصة‭ ‬فرانشيسكا‭ ‬ألبانيزي،‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭.‬

ولذلك،‭ ‬تقدمت‭ ‬منظمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الآن‭ ‬بطلب‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬تورّط‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬الإحباط‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بدورها‭ ‬الحقوقي‭ ‬في‭ ‬مجابهة‭ ‬انتهاكات‭ ‬إسرائيل‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬فإن‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬المتنامي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُحوّل‭ ‬المواقف،‭ ‬ويُجبر‭ ‬الحكومات‭ ‬على‭ ‬الانحياز‭ ‬إلى‭ ‬الحق‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬ينتهكونه‭. ‬طالما‭ ‬بقيت‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬وسياسات‭ ‬النخب‭ ‬قائمة،‭ ‬فإن‭ ‬عزل‭ ‬إسرائيل‭ ‬الشكلي‭ ‬سيستمر،‭ ‬وستظل‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬متورطة‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬عبر‭ ‬الصمت‭ ‬أو‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬ترجمة‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬سياسية‭ ‬فعلية‭ ‬تُفضي‭ ‬إلى‭ ‬مساءلة‭ ‬حقيقية‭ ‬وإنصاف‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا