العدد : ١٧٣٦٦ - الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٦ - الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ضرورة تجنب تكرار الأخطاء الكارثية للدول الصناعية

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

حوادث‭ ‬وكوارث‭ ‬بيئية‭ ‬صحية‭ ‬كثيرة‭ ‬متطابقة‭ ‬في‭ ‬نوعيتها‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬كبريات‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬الغربية‭ ‬والشرقية،‭ ‬وتؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتطورة‭ ‬اتبعت‭ ‬منهجاً‭ ‬واحداً‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬في‭ ‬النمو،‭ ‬وتبنت‭ ‬سياسة‭ ‬واحدة‭ ‬متشابهة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬برامجها‭ ‬التنموية،‭ ‬وطبقت‭ ‬واستعانت‭ ‬بنمطٍ‭ ‬واحد‭ ‬للأنشطة‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وغير‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ولذلك‭ ‬حصدت‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬نتيجة‭ ‬واحدة‭ ‬متطابقة،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬اختلافها‭ ‬وتباعدها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬وهي‭ ‬تدمير‭ ‬شامل‭ ‬لكل‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة،‭ ‬ووقوع‭ ‬كوارث‭ ‬صحية‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بين‭ ‬المرض‭ ‬العضال‭ ‬والموت‭ ‬البطيء‭.‬

وهذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬فرضيات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬خاطئة‭ ‬كانت‭ ‬تسود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدمة‭. ‬الأول‭: ‬إن‭ ‬البيئة‭ ‬ومكوناتها‭ ‬من‭ ‬مسطحات‭ ‬مائية‭ ‬من‭ ‬الأنهار‭ ‬والبحار‭ ‬والمحيطات،‭ ‬والهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أوساط‭ ‬بيئية‭ ‬واسعة‭ ‬وشاسعة‭ ‬في‭ ‬مساحاتها،‭ ‬وعظيمة‭ ‬في‭ ‬امتداداتها،‭ ‬بحيث‭ ‬إنها‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬وتتكيف‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُلقى‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬من‭ ‬ملوثات‭ ‬سامة‭ ‬وخطرة‭ ‬ومسرطنة،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬البيئات‭ ‬بفضل‭ ‬حجمها‭ ‬الهائل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تمييع‭ ‬وتخفيف‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أحجامها‭. ‬ولذلك‭ ‬فتأثيراتها‭ ‬الضارة‭ ‬تنتهي‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬وتزول،‭ ‬فيقل‭ ‬تركيزها،‭ ‬وتضمحل‭ ‬مردوداتها‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬البيئة‭. ‬

والثاني‭ ‬هو‭ ‬اعتبار‭ ‬استقلالية‭ ‬الأوساط‭ ‬البيئة‭ ‬وانفصال‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أية‭ ‬روابط‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬علاقة‭ ‬وجودية‭ ‬ومصيرية‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬مكون‭ ‬بيئي‭ ‬وآخر،‭ ‬فإذا‭ ‬اشتكى‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬فإن‭ ‬سائر‭ ‬الأعضاء‭ ‬الأخرى‭ ‬لن‭ ‬تتداعى‭ ‬معها‭ ‬بالسهر‭ ‬والحمى،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬تتأثر‭ ‬بما‭ ‬يصيبها‭. ‬والمفهوم‭ ‬الخاطئ‭ ‬الثالث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬غير‭ ‬متناهية‭ ‬مهما‭ ‬فعلنا‭ ‬بها،‭ ‬وأن‭ ‬الموارد‭ ‬والثروات‭ ‬البيئية‭ ‬لا‭ ‬تنضب‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬ولا‭ ‬تضعف‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬النوعية‭ ‬والكمية‭. ‬وأما‭ ‬المفهوم‭ ‬الرابع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتقده‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬سعادة‭ ‬الإنسان‭ ‬ورفاهيته،‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬معيشته‭ ‬يتحقق‭ ‬فقط‭ ‬بالنمو‭ ‬السريع‭ ‬غير‭ ‬المنضبط‭ ‬وغير‭ ‬المقيد‭ ‬بأية‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬العامل‭ ‬البيئي،‭ ‬فلا‭ ‬ضير‭ ‬من‭ ‬تلويث‭ ‬البيئة،‭ ‬ولا‭ ‬تداعيات‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬ومجتمعه‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬مكونات‭ ‬وعناصر‭ ‬البيئة‭.‬

فهذا‭ ‬الفكر‭ ‬المعوق،‭ ‬وهذه‭ ‬الاعتقادات‭ ‬الضيقة‭ ‬وقصيرة‭ ‬الأمد‭ ‬التي‭ ‬مشت‭ ‬عليها‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬وسارت‭ ‬عليها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬برامجها‭ ‬التنموية،‭ ‬ولَّدت‭ ‬عندهم‭ ‬مشكلات‭ ‬بيئية‭ ‬خطيرة‭ ‬متطابقة‭ ‬بسبب‭ ‬تطابق‭ ‬الأفكار‭ ‬والممارسات‭.‬

وسأُقدم‭ ‬مثالاً‭ ‬واحداً‭ ‬لتطابق‭ ‬الأفكار‭ ‬والأعمال‭ ‬وتطابق‭ ‬النتائج‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وهي‭ ‬اعتبار‭ ‬بيئة‭ ‬الأنهار،‭ ‬وهذه‭ ‬المسطحات‭ ‬المائية‭ ‬مواقع‭ ‬خصبة‭ ‬وصالحة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬ملوثات‭ ‬المصانع‭ ‬وغيرها‭. ‬فالمثال‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬شيكاغو‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬أوروبا‭ ‬ونهر‭ ‬السين‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬والثالث‭ ‬من‭ ‬اليابان‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬وبالتحديد‭ ‬نهر‭ ‬جنتسو‭.‬

فمدينة‭ ‬شيكاغو‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬إيلينوي‭ ‬تتميز‭ ‬بهذا‭ ‬النهر‭ ‬الحضري‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬251‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬أي‭ ‬النهر‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬ويجري‭ ‬عبر‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬الحضرية،‭ ‬وفي‭ ‬مركزها‭ ‬الصناعي‭ ‬والتجاري‭ ‬الحيويين‭. ‬ولكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬العظيم،‭ ‬وهذه‭ ‬الثروة‭ ‬المائية‭ ‬الهائلة،‭ ‬وهذا‭ ‬المورد‭ ‬الكبير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬حُرم‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬مائة‭ ‬عام،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1926‭ ‬حتى‭ ‬21‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025،‭ ‬من‭ ‬التمتع‭ ‬بهذه‭ ‬الثروة‭ ‬الغنية،‭ ‬وتم‭ ‬حظر‭ ‬السباحة‭ ‬فيه‭ ‬كلياً،‭ ‬وانخفض‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مشهود‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬الأنهار‭. ‬فالإنسان‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬اعتبر‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬بيئة‭ ‬مائية‭ ‬خصبة‭ ‬يمكن‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مخلفاته‭ ‬السائلة،‭ ‬وشبه‭ ‬الصلبة،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬مياه‭ ‬المجاري‭ ‬المعالجة‭ ‬وشبه‭ ‬المعالجة،‭ ‬أو‭ ‬المخلفات‭ ‬الصناعية‭ ‬السائلة،‭ ‬أو‭ ‬مسالخ‭ ‬مدينة‭ ‬شيكاغو،‭ ‬حيث‭ ‬اتبع‭ ‬الإنسان‭ ‬الطريقة‭ ‬الأسهل‭ ‬والأرخص،‭ ‬والأقل‭ ‬كلفة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية‭ ‬والتشغيلية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سمح‭ ‬لنفسه‭ ‬صرف‭ ‬جميع‭ ‬المخلفات‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬هذا‭ ‬المورد‭ ‬الثري‭ ‬والغني‭ ‬بالحياة‭. ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬رمي‭ ‬أحجامٍ‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬النهر‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المزيد،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬تخفيف‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬في‭ ‬جسمه‭ ‬العليل،‭ ‬وبدنه‭ ‬الضعيف،‭ ‬فبدأت‭ ‬أعضاؤه‭ ‬تشتكي‭ ‬وتتألم‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬به،‭ ‬فتلوث‭ ‬ماء‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صالحاً‭ ‬للشرب‭ ‬والاستحمام‭ ‬وممارسة‭ ‬الرياضات‭ ‬المائية،‭ ‬كما‭ ‬أصابت‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬أعراض‭ ‬الحمى‭ ‬المزمنة‭ ‬والسخونة‭ ‬العالية،‭ ‬فبدأت‭ ‬الأسماك‭ ‬والأنواع‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬النهرية‭ ‬تموت،‭ ‬والانخفاض‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬أعدادها‭. ‬فهذا‭ ‬الحالة‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬بيئة‭ ‬النهر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬حرَّكت‭ ‬المنظمات‭ ‬والجمعيات‭ ‬المعنية‭ ‬بالبيئة‭ ‬إلى‭ ‬البدء‭ ‬سريعاً‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الإنعاش،‭ ‬والقيام‭ ‬بالإجراءات‭ ‬العلاجية‭ ‬اللازمة‭ ‬والضرورية‭ ‬لإخراج‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬الطوارئ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عاجل‭. ‬وقد‭ ‬نجح‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬العملية‭ ‬العاجلة‭ ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬وفاة‭ ‬النهر،‭ ‬ولكن‭ ‬الكلفة‭ ‬كانت‭ ‬باهظة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والبيئية،‭ ‬والصحية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬والترفيهية،‭ ‬مما‭ ‬أكد‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬وامتدت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬مستدامة‭.‬

وما‭ ‬وقع‭ ‬لنهر‭ ‬شيكاغو‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬تكرر‭ ‬نفسه‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬السين‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬الحيوي‭ ‬النابض‭ ‬للعاصمة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬باريس‭. ‬فهذا‭ ‬النهر‭ ‬التاريخي‭ ‬والثقافي‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬777‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬معالم‭ ‬باريس‭ ‬خاصة،‭ ‬وفرنسا‭ ‬عامة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬تعرض‭ ‬لتعديات‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬حرماته‭ ‬والإضرار‭ ‬بكل‭ ‬أعضاء‭ ‬جسمه،‭ ‬فنظراً‭ ‬لأنه‭ ‬يمشي‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬وحوله‭ ‬محطات‭ ‬مياه‭ ‬المجاري‭ ‬والمصانع‭ ‬والمسالخ،‭ ‬فقد‭ ‬صُرفت‭ ‬في‭ ‬بطنه‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المخلفات،‭ ‬حتى‭ ‬تشبعت‭ ‬به،‭ ‬فارتفع‭ ‬صوته‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬الشديدة،‭ ‬فمنع‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1923‭ ‬السباحة‭ ‬في‭ ‬النهر،‭ ‬وتم‭ ‬الحظر‭ ‬على‭ ‬استهلاك‭ ‬الكائنات‭ ‬الفطرية‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬النهر‭. ‬ولم‭ ‬يفتح‭ ‬النهر‭ ‬أبوابه‭ ‬للناس‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬يوليو‭ ‬2024،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬قرابة‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬إغلاقه‭ ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الألعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬الصيفية‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2024‭.‬

ومن‭ ‬قارة‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬وقارة‭ ‬أوروبا،‭ ‬ننتقل‭ ‬بكم‭ ‬إلى‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬حيث‭ ‬المشهد‭ ‬نفسه‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله‭ ‬يتكرر‭ ‬مرة‭ ‬ثالثة،‭ ‬فالأسباب‭ ‬لم‭ ‬تتغير،‭ ‬والنتائج‭ ‬والظواهر‭ ‬التي‭ ‬نتجت‭ ‬عنها‭ ‬متطابقة‭ ‬أيضاً‭. ‬وهنا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬نهر‭ ‬جينزوا‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬توياما‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬العبث‭ ‬بصحته‭ ‬وأمنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صرف‭ ‬مياه‭ ‬المناجم‭ ‬الملوثة‭ ‬بالعناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬السامة‭ ‬في‭ ‬بدن‭ ‬هذه‭ ‬النهر‭ ‬الفطري‭ ‬الطبيعي‭ ‬وهذه‭ ‬الهبة‭ ‬الربانية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬عنصر‭ ‬الكادميوم‭ ‬والرصاص‭ ‬وغيرهما‭. ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬صرف‭ ‬السموم،‭ ‬زاد‭ ‬تركيز‭ ‬الملوثات‭ ‬وتراكمت‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬لري‭ ‬أراضي‭ ‬الأرز،‭ ‬مما‭ ‬أصاب‭ ‬الشعب‭ ‬بمرضٍ‭ ‬شديد‭ ‬زلزل‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬وأُطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬إتاي‭_‬إتاي‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬مؤلم‭_‬مؤلم‮»‬‭. ‬وبعدها‭ ‬تم‭ ‬إغلاق‭ ‬أبواب‭ ‬النهر‭ ‬للسباحة،‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬ومنع‭ ‬استخدام‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭ ‬للزراعة،‭ ‬ولم‭ ‬يسترجع‭ ‬النهر‭ ‬صحته‭ ‬وعافيته‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬قرابة‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬

فهذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬الثلاثة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬من‭ ‬أمثلة‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬بيئية،‭ ‬وكوارث‭ ‬صحية‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬الكبرى‭ ‬بسبب‭ ‬ممارساتها‭ ‬غير‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتصرفاتها‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة‭ ‬والأحادية‭ ‬الجانب،‭ ‬مما‭ ‬يضطرنا‭ ‬إلى‭ ‬الوقوف‭ ‬أمامها‭ ‬للاتعاظ‭ ‬بها،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬زلاتها،‭ ‬والاعتبار‭ ‬من‭ ‬هفواتها،‭ ‬وتجنب‭ ‬تكرار‭ ‬الممارسات‭ ‬التنموية‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬وقعوا‭ ‬فيها،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فالنتيجة‭ ‬معروفة‭ ‬ومحسومة،‭ ‬وهي‭ ‬دمار‭ ‬بيئي،‭ ‬وفساد‭ ‬صحي،‭ ‬وتنمية‭ ‬غير‭ ‬مستدامة‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا