العدد : ١٧٣٦٥ - الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٥ - الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هلوسة بسبب قلة النوم

إن‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أتباهى‭ ‬بأمر‭ ‬ما‭ ‬فهو‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬التام،‭ ‬أعني‭ ‬إنني‭ ‬عادة‭ ‬لا‭ ‬أكتب‭ ‬شيئا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬إطفاء‭ ‬الأنوار‭ ‬وهجوع‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬حولي‭. ‬أغمض‭ ‬عيني‭ ‬وأحدد‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬سأكتب‭ ‬فيه‭- ‬لنقل‭ ‬مثلا،‭ ‬إنني‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬اختراع‭ ‬الروس‭ ‬للحذاء‭ ‬المزود‭ ‬بمحرك‭ ‬يعمل‭ ‬بالوقود‭ ‬السائل‭: ‬سأكتب‭ ‬عن‭ ‬مزايا‭ ‬هذا‭ ‬الحذاء‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفقراء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬شراء‭ ‬سيارات‭ ‬أو‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬أو‭ ‬هوائية‭. ‬وثمة‭ ‬رجل‭ ‬يخلع‭ ‬حذاءه‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬ثم‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬مشاجرة‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬لأنها‭ ‬قدمت‭ ‬له‭ ‬وجبة‭ ‬مستعملة‭ ‬في‭ ‬الغداء،‭ ‬تغافله‭ ‬الزوجة‭ ‬وتلبس‭ ‬الحذاء‭ ‬أبو‭ ‬سريع‭ ‬مسلحة‭ ‬بعصا‭ ‬ثم‭ ‬زوووم‭ ‬تمر‭ ‬بجانبه‭ ‬كالصاروخ‭ ‬وتطخه‭ ‬على‭ ‬أم‭ ‬رأسه‭: ‬طلقني‭ ‬وإلا‭ ‬سأخلعك‭! ‬يستنجد‭ ‬الزوج‭ ‬بالشرطة،‭ ‬ليتم‭ ‬إبلاغه‭ ‬بأن‭ ‬جميع‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬مشغولون‭ ‬بمتابعة‭ ‬التحركات‭ ‬المريبة‭ ‬لقوى‭ ‬الخيانة‭ ‬والردة‭. ‬وهكذا‭ ‬يشطح‭ ‬بي‭ ‬الخيال‭ ‬وينطح‭ ‬فلا‭ ‬يطرق‭ ‬النعاس‭ ‬جفوني‭ ‬فأبدأ‭ ‬في‭ ‬عد‭ ‬النعاج‭ ‬والخراف‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬سبعة‭ ‬ملايين‭ ‬يصيبني‭ ‬الجفاف‭ ‬فأشرب‭ ‬كوب‭ ‬ماء‭ ‬مثلج‭ ‬وأوصل‭ ‬معركة‭ ‬استجداء‭ ‬النوم‭! ‬

ثارت‭ ‬ضجة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬مؤخرا‭ ‬لأن‭ ‬استطلاعا‭ ‬أبان‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬العائلات‭ ‬البريطانية‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬تقرأ‭ ‬قصص‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النوم‭ ‬للأطفال،‭ ‬وقيل‭ ‬إن‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القصص‭ ‬يسبب‭ ‬للأطفال‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬ويضعف‭ ‬روابطهم‭ ‬بآبائهم‭ ‬وأمهاتهم،‭ ‬وبحمد‭ ‬الله‭ ‬فقد‭ ‬شبعت‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬الأمهات‭ ‬والجدات‭ ‬وكلها‭ ‬عن‭ ‬الغول‭ ‬الذي‭ ‬انتزع‭ ‬عين‭ ‬فاطمة‭ ‬السمحة،‭ ‬والبعاتي‭ (‬ميت‭ ‬ينهض‭ ‬من‭ ‬قبره‭) ‬الذي‭ ‬بقر‭ ‬بطن‭ ‬زوجته‭ ‬لأنها‭ ‬تزوجت‭ ‬بعد‭ ‬وفاته،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬تشرح‭ ‬الصدر‭ ‬وتجعل‭ ‬العين‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬الإغماض‭!‬

الشاهد‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬جمة‭ ‬في‭ ‬استدراج‭ ‬النوم‭ ‬وفكرت‭ ‬جديا‭ ‬في‭ ‬نيل‭ ‬جنسية‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬لأعيش‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الموبوءة‭ ‬بذبابة‭ ‬التسي‭ ‬تسي‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬مرض‭ ‬النوم،‭ ‬وبعد‭ ‬لسعتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬عملي‭ ‬لأنعم‭ ‬بالنوم‭ ‬المتواصل‭ ‬عشرين‭ ‬ساعة‭ ‬يوميا‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الحال‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬مَرَضية‭ ‬أرفع‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬أعمل‭ ‬بها‭ ‬زاعما‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الزملاء‭ ‬عضني‭ ‬مما‭ ‬أصابني‭ ‬بمرض‭ ‬النوم،‭ ‬وأطالب‭ ‬بالتعويض‭ ‬عن‭ ‬إصابة‭ ‬العمل،‭ ‬وتفاديا‭ ‬للتشهير‭ ‬والجرجرة‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬يصلون‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬ودية‭ ‬ويعطونني‭ ‬بضعة‭ ‬ملايين‭ ‬فأهاجر‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭ ‬ثم‭ ‬أعود‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬‮«‬خبيرا‭ ‬أجنبيا‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬ظللت‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬كثيرا‭ ‬بمسألة‭ ‬النوم‭ ‬هذه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬تقريرا‭ ‬في‭ ‬الاوبزيرفر‭ ‬اللندنية‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬ساعات‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬يضعف‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭ ‬ويجعل‭ ‬المصاب‭ ‬بالأرق‭ ‬عرضة‭ ‬لأمراض‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬السرطان،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المؤرق‭ ‬شخصا‭ ‬مثلي‭ ‬بنيته‭ ‬الأساسية‭ ‬ضعيفة‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬في‭ ‬الطفولة؟‭ ‬سنويا‭ ‬يموت‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬45000‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬حوادث‭ ‬سيارات‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يقودون‭ ‬سياراتهم‭ ‬وهم‭ ‬بين‭ ‬اليقظة‭ ‬والمنام،‭ ‬فماتوا‭ ‬أو‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬موت‭ ‬غيرهم،‭ ‬ويقول‭ ‬البرفسور‭ ‬غريغوري‭ ‬ستورز‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أوكسفورد‭ ‬إن‭ ‬الكثيرين‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬نقص‭ ‬ساعات‭ ‬النوم‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬نقص‭ ‬التغذية،‭ ‬وإن‭ ‬أطباء‭ ‬بريطانيا‭ ‬أصدروا‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬14‭ ‬مليون‭ ‬وصفة‭ ‬بعقاقير‭ ‬منومة،‭ ‬وفي‭ ‬مدينة‭ ‬ادنبره‭ ‬باسكتلندا‭ ‬مركز‭ ‬للنوم‭ (‬سليب‭ ‬سنتر‭)- ‬ما‭ ‬أروع‭ ‬الخواجات‭ ‬فلديهم‭ ‬اختصاصيون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭- ‬وأثبت‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬أن‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬لليلتين‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الكورتيسول،‭ ‬وهو‭ ‬ستيرويد‭ ‬طبيعي‭ ‬وهرمون‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬الانفعالات،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المصابين‭ ‬بالـ«أبْنِيا‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬التنفس‭ ‬أثناء‭ ‬النوم‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬القلب،‭ ‬واتضح‭ ‬أن‭ ‬حرمان‭ ‬الفئران‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬أسبوعين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬للآدمي،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬وفاتها‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صلة‭ ‬رحم‭ ‬وقرابة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬والفأر‭ ‬لأن‭ ‬العربي‭ ‬قليل‭ ‬الحيلة‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬تفادي‭ ‬الشراك‭ ‬والفخاخ،‭ ‬مثل‭ ‬الفأر‭ ‬تماما،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الفار‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا