زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هلوسة بسبب قلة النوم
إن كان لي أن أتباهى بأمر ما فهو القدرة على الكتابة في الظلام التام، أعني إنني عادة لا أكتب شيئا إلا بعد إطفاء الأنوار وهجوع جميع من حولي. أغمض عيني وأحدد الموضوع الذي سأكتب فيه- لنقل مثلا، إنني قررت أن أكتب عن اختراع الروس للحذاء المزود بمحرك يعمل بالوقود السائل: سأكتب عن مزايا هذا الحذاء بالنسبة إلى الفقراء الذين لا يستطيعون شراء سيارات أو دراجات نارية أو هوائية. وثمة رجل يخلع حذاءه في غرفة النوم ثم يدخل في مشاجرة مع زوجته لأنها قدمت له وجبة مستعملة في الغداء، تغافله الزوجة وتلبس الحذاء أبو سريع مسلحة بعصا ثم زوووم تمر بجانبه كالصاروخ وتطخه على أم رأسه: طلقني وإلا سأخلعك! يستنجد الزوج بالشرطة، ليتم إبلاغه بأن جميع رجال الأمن مشغولون بمتابعة التحركات المريبة لقوى الخيانة والردة. وهكذا يشطح بي الخيال وينطح فلا يطرق النعاس جفوني فأبدأ في عد النعاج والخراف في السودان وبعد أن أصل إلى نحو سبعة ملايين يصيبني الجفاف فأشرب كوب ماء مثلج وأوصل معركة استجداء النوم!
ثارت ضجة في بريطانيا مؤخرا لأن استطلاعا أبان أن نحو نصف العائلات البريطانية ما عادت تقرأ قصص ما قبل النوم للأطفال، وقيل إن الحرمان من تلك القصص يسبب للأطفال اضطرابات نفسية ويضعف روابطهم بآبائهم وأمهاتهم، وبحمد الله فقد شبعت في طفولتي من قصص الأمهات والجدات وكلها عن الغول الذي انتزع عين فاطمة السمحة، والبعاتي (ميت ينهض من قبره) الذي بقر بطن زوجته لأنها تزوجت بعد وفاته، وما إلى ذلك من حكايات تشرح الصدر وتجعل العين عاجزة عن الإغماض!
الشاهد هو أنني أعاني من صعوبات جمة في استدراج النوم وفكرت جديا في نيل جنسية جمهورية جنوب السودان لأعيش في المنطقة الموبوءة بذبابة التسي تسي التي تسبب مرض النوم، وبعد لسعتين أو ثلاث أعود إلى مقر عملي لأنعم بالنوم المتواصل عشرين ساعة يوميا وبعد أن يصل الحال بي إلى درجة مَرَضية أرفع دعوى على الشركة التي أعمل بها زاعما أن أحد الزملاء عضني مما أصابني بمرض النوم، وأطالب بالتعويض عن إصابة العمل، وتفاديا للتشهير والجرجرة في المحاكم يصلون معي إلى تسوية ودية ويعطونني بضعة ملايين فأهاجر إلى كندا ثم أعود منها بعد سنوات إلى منطقة الخليج «خبيرا أجنبيا».
وقد ظللت غير عابئ كثيرا بمسألة النوم هذه إلى أن قرأت تقريرا في الاوبزيرفر اللندنية يقول إن الحرمان من ساعات كافية من النوم يضعف جهاز المناعة ويجعل المصاب بالأرق عرضة لأمراض عديدة من بينها السرطان، فما بالك إذا كان المؤرق شخصا مثلي بنيته الأساسية ضعيفة بسبب سوء التغذية في الطفولة؟ سنويا يموت في بريطانيا 45000 شخص في حوادث سيارات لأنهم كانوا يقودون سياراتهم وهم بين اليقظة والمنام، فماتوا أو تسببوا في موت غيرهم، ويقول البرفسور غريغوري ستورز من جامعة أوكسفورد إن الكثيرين لا يدركون أن نقص ساعات النوم لا يقل خطورة عن نقص التغذية، وإن أطباء بريطانيا أصدروا العام الماضي 14 مليون وصفة بعقاقير منومة، وفي مدينة ادنبره باسكتلندا مركز للنوم (سليب سنتر)- ما أروع الخواجات فلديهم اختصاصيون في كل شيء- وأثبت الباحثون في هذا المركز أن الحرمان من النوم لليلتين يؤدي إلى ارتفاع الكورتيسول، وهو ستيرويد طبيعي وهرمون يتحكم في الانفعالات، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وبالنسبة إلى المصابين بالـ«أبْنِيا» وهو اضطراب في التنفس أثناء النوم فإن ذلك يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب، واتضح أن حرمان الفئران من النوم أسبوعين وهو ما يعادل ثلاثة أشهر للآدمي، يؤدي إلى وفاتها وبما أن هناك صلة رحم وقرابة بين الإنسان العربي والفأر لأن العربي قليل الحيلة وعليه أن يحرص طوال حياته على تفادي الشراك والفخاخ، مثل الفأر تماما، فمن المؤكد أن ما ينطبق على الفار ينطبق على المواطن العربي.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك