يعرف الجميع حكاية عليّ بابا؛ فهذا الفتى استطاع بطريقة ذكية أن يسرق من الأربعين حرامي الذي فسدوا وبطروا في الديار وسرقوا من الأموال الكثير، فأخذ كل تلك الأموال أو ربما الكثير منها وأعاد توزيعها على أهالي المدن التي تمت سرقها طوال كل تلك الأعوام.
هذه الحكاية معروفة لدى الجميع، وهي التي وردت في قصص ألف ليلة وليلة، ولكن ماذا يحدث إن حكى أحد اللصوص وقطاع الطريق الحكاية من وجهة نظره هو، ترى ماذا يمكن أن يقول؟
نروي الحكاية على لسان (شايلوك)، الذي يقول: كنتُ طبيب الأميرة، وتم اتهامي بدس السم في طعام الأميرة، فماتت، «ويمكن أن أحلف اليمين أنني لم أقم بذلك»، وأثناء محاكمتي تمكن بعض أفراد عائلتي من تهريبي خارج المدينة التي كنت أسكنُ فيها.
فخرجت أمشي حتى بلغتُ كهفًا في وسط الصحراء وبين الجبال، فدخلتُ، وإذ بي أرى هناك رجلاً مسنًا يعيش في هذا الكهف، فرحب بقدومي وقدم لي الطعام والماء، ولكني لم أتمالك نفسي فقتلته، وأقسم أنني لم أقتله غدرًا وإنما كنت محتاجًا إلى هذا الكهف أكثر منه، فأنا إنسان تم طردي من مدينتي، فمن أولى بالكهف أنا أم هو؟ أنا طبعًا، فليذهب هو إلى الجحيم، فكل هؤلاء البشر لا يستحقون الحياة. تمكنت بعد ليال من إشعال النار ببعض المواد التي حملتها معي وأنا هارب من المدينة. جلست في الكهف عدة أيام أفكر في مستقبلي، وكيف يمكنني أن انتقم من تلك المدينة التي ظلمتني وظلمت تاريخي وأهلي، وتكرهني كل هذه الكراهية.
ولكن للحقيقة والتاريخ أقول: إنني وضعتُ السم في طعام الأميرة، ولكن لم يكن في نيتي قتلها، فقد تمت رشوتي من كبير التجار انتقامًا من الأمير، وأنا كنت مجرد منفذ فقط، أما المجرم الحقيقي فهو كبير التجار الذي من المفروض أن يعاقب هو، وليس أنا.
قلبي يحترق من الغضب والقهر والظلم.
يقول (شايلوك): بقيتُ في الكهف عدة أيام، وبعد أيام، إذ برجل غريب يجر خلفه حصانا ويحمل على حصانه متاعا وربما طعاما، فاختبأت حتى لا يراني، وعندما غفل الرجل، انقضضت عليه وقتلته، وأخذت متاعه وحصانه، وأقسم أنني لم أقتله لرغبتي في قتله وإنما انتقامًا من أهل المدينة، وكذلك حتى أحظى بالطعام والزاد والماء فقط.
وتمر الأيام، وإذ برجل من قطاع الطرق يدخل الكهف وبيده أكياس من الأموال والذهب، ويقول لي: كنت أراقبك منذ عدة أيام، وخاصة بعدما هربت من أهل المدينة، وعندما قتلت صاحب الكهف والرجل الآخر، درست سلوكك الإجرامي الخبيث، وسرني ما رأيت، واليوم أنا أحمل ما استطعتُ من أموال وذهب سرقتها من أهل المدينة الذي ظلموك وجئت مهاجرًا إلى هذا الكهف الذي من المفروض أن يكون مقرًا لك ولي ولأمثالنا من الشرفاء الذين يحاربون الظلم والإرهاب.
يقول شايلوك: لم أعرف ماذا أقول في البداية، ولكنها لحظات حتى استوعبتُ كلامه، فقلت له: هل هناك الكثير من أمثالنا الشرفاء في المدينة أو المدن المحيطة؟
قال الرجل: أكيد، هناك الكثير والكثير من الرجال في ذلك العالم الذي لا يرحم الضعفاء، كل الذي علينا أن ندعوهم إلى هذا الكهف، أو لنقل هذا الوطن السحري الجميل الرائع، والذي من خلاله سوف نتمكن من السيطرة على بقية المدينة المحيطة، حينئذ سيركعون بين أقدامنا ويبكون أن نعفو عن ظلمهم ومجازرهم ضدنا وضد عشيرتنا وأهلنا.
يقول شايلوك: استحسنت الفكرة، ولكن كان هناك سؤال يخطر في بالي، فقلت للرجل: ومن سيكون قائد كل هؤلاء الشرفاء الذين سيأتون للعيش في هذا الوطن؟
قال الرجل: من الطبيعي أن تكون أنت، فأنت مؤسس هذا الكهف، أسف أقصد هذا الوطن.
يقول شايلوك: وبالفعل، ومنذ هذه اللحظة بدأنا نفكر في كيفية الإغارة على المدينة الظالمة الجاحدة، وبقية المدن الأخرى القريبة، ونجمع الرجال المظلومين التي لفظتهم المدنية والحضارة والفكر النير، وبدأ عددنا يتزايد. وكنا لا نأخذ من المدن إلا النقود والذهب والفضة وكل ما هو ثمين، وكنا في بعض الأحيان نقتل الأفراد، ولكن أقسم اننا لم نكن نقتل أحدا من أجل المتعة والرغبة في القتل، وإنما للضرورة القصوى، وحتى الأطفال والنساء الذي ماتوا وتم قتلهم على يد رجالنا كانت خسائر الحروب الجانبية، وهذه الأمور تحدث دائمًا، ولكنها للضرورة فقط.
تجمعت لدينا الأموال والذهب والثروات، فقمنا بتوسعة الكهف، أو الوطن كما أطلقنا عليه، وأصبح لدينا خبراء في المتفجرات، والقتل الجماعي، والأسلحة، حتى إنه التحق بنا عدد من النساء، فحدث تزاوج بين الأفراد، وكانت تقام سهرات بريئة في الليالي المقمرة، وعشنا حياتنا كما نريد.
فأصبح لدينا وطن بالفعل، لدينا قوانينا وأنظمتنا الخاصة، وأعمالنا، وتم تقاسم الأعمال، لدرجة أنه لم أكن أخرج أنا للإغارة على المدن، فأنا الزعيم، وكان لدينا حرس للحدود، يقتلون كل من يقترب من حدود وطننا إلا من يأتي ليكون ضمن هذا الفريق الرائع الخارج على قوانين الإرهاب والظلم، ولقد عينا بعض الأفراد ليقيّموا الراغبين في الانضمام إلى هذه الدولة المارقة على الإرهاب، وكان الفحص يتكون من مجموعة من الأسئلة التي تبين مدى مقت هذا الرجل للمدينة التي كان يعيش فيها، ولماذا يريد أن يتركها، وما الجريمة التي اتهم بها وهو لم يقم بها، فهذا الرجل قتل ولي نعمته، وذلك اغتصب زوجة سيده، والثالث سرق أموال بعض التجار، وهكذا كانت مؤهلات الرجال والنساء، فهي لا تتعدى مثل هذه الجرائم التي الصقت بهم، وهم في الحقيقة شرفاء لم يقوموا بذلك إلا للضرورة القصوى بسبب أنه وقع عليهم ظلم كبير، فما كان منهم إلا أن يقوموا بهذه الأفعال حتى يستردوا حقوقهم.
واستمرت حياتنا – كما يقول شايلوك – سنوات وسنوات هادئة وجميلة ونحن ننعم بكل هذه الأموال وهذه الدولة الجميلة.
ولكن ذات يوم لحق شاب يدعى (عليّ بابا) – وهو حطاب، إنسان بسيط – بأحد رجالاتنا من غير أن يشعر، ووقف بعيدًا، ومن بعيد كان يراقبنا من غير أن نشعر به، وجلس في مكانه هناك لأيام عديدة، وهو يشاهد الرجال يخرجون للإغارة ويعودون بالذهب والأموال، وفي الليل كان يراقب حفلاتنا الرائعة التي تتم من غير حدود أخلاقية ولا قيود القيم، وفي الحقيقة كنا بعد كل إغارة نحتفل ونشرب حتى الثمالة، وفي الكثير من الليالي نفقد الوعي من لذة الحياة.
وذات ليلة كما هي العادة، شربنا وشربنا، وبدأنا نتساقط واحداً تلو الآخر، ولم يبق أحد يحرس الدولة والوطن، فقد عشنا سنوات في أمان، فلماذا نحرس؟ لا يوجد خطر.
في تلك الليلة اقترب ذلك الشخص المعروف عند بقية البشر باسم (عليّ بابا)، من مدخل الكهف، فهاله كل هذا الذهب المتناثر هنا وهناك، والأموال، وكل شيء، فذهب يبحث ويسير من غير أي خوف، فقد كان الجميع في غفلة، فأخذ حفنة من الذهب والأموال، حفنة صغيرة حتى لا يشعر به أحد، ثم خرج من الكهف وغادر.
عندما استيقظنا في الصباح لم نشعر بشيء، فقد كنا في غاية النشوة والمتعة، ولكن أحد الرجال شعر أن هناك أمرا غريبا، إلا أننا لم نرغب في سماعه، فمن يجرؤ بعد كل هذه السنوات أن يقترب من دولتنا؟
وبعد عدة أسابيع وشهور، عاد (عليّ بابا) وبدأ يترصد، من غير أن نشعر، وفي ذات ليلة بعد أن ثملنا وفقدنا الوعي تماماً، اقترب عليّ بابا من الوطن، ولكن هذه المرة كان يجر خلفه قافلة مكونة من عشرة من الأبل، أدخلها كلها الكهف، وبدأ يسرق ما استطاع من الذهب والفضة، وهرب بكل ذلك الحمل، واختفى ذلك المجرم.
وعندما استيقظنا اكتشفنا الخيانة، وذلك الجرم وتلك السرقة، فصاح الرجال والنساء: «هذه الأموال ملكنا، وحقنا التاريخي، فكيف تُسرق؟ ومن سرقها؟ نحن من ظلمتنا الحضارة، والآن تسرق أموالنا...».
واستمر الصياح والألم والبكاء.
اجتمعت بالرجال والحكماء، فقررنا أن نبحث عن السارق في المدن القريبة، وبالفعل، دخلنا المدن بطريقة هادئة ومن غير أن يعرفنا أحد، وتم البحث والتقصي، وبعد أشهر عرفنا أن السارق هو (عليّ بابا)، فقررنا قتله في منزله في الليل.
وضعنا على منزله إشارة بهدف تحديد المنزل، حتى عندما يرجع الرجال في الليل من أجل قتله يعرفون المنزل، فيغيروا عليه ويقتلونه، ولكن في الليل وعندما عاد الرجال وجدوا أن كل المنازل عليها نفس تلك العلامة التي تم وضعها على منزل علي بابا، فضيع الرجال المنزل.
حاولنا عدة محاولات، ولكن اكتشفنا أن بعد مرور الزمن أن الأهالي كانوا مستعدين لنا ولخططنا، فكلما كنا نضع خطة، كانوا يحاولون إفسادها، فلم نتمكن من قتل علي بابا، وكذلك لم نتمكن من الإغارة على تلك المدينة لأنها كانت دائمة مستعدة لنا.
وأثناء كل هذه المحاولات كان الرجال يتساقطون قتلى، أو أسرى، حتى عدنا حفنة من الرجال، وذات يوم تمت محاصرة الكهف، وتم القبض علينا، وحكم علينا كخارجين على القانون، فتمت إدانتنا وحكم علينا بالموت.
وفي الليل وأنا أنتظر الإعدام جلست أفكر، لماذا يكرهوننا كل هذه الكراهية، ماذا فعلنا؟ نحن لم نطالب إلا بحقنا الشرعي في التحرر من الإرهاب؟ تم قهرنا وقتلنا وربما سحلنا، نحن نقدم لهم الحرية والديمقراطية ونور الحضارة، ربما يتهمنا بعضهم أننا خرجنا على القانون، حسنٌ، وماذا يعني ذلك؟ نعم لقد قتلنا النساء والأطفال، ربما يتعدى عددهم بضع ملايين ولكنهم خسائر جانبية، وذلك أثناء معاركنا التي كنا نخوضها لتحرير البشرية ضد الإرهاب؟ ماذا يعني إن سرقنا الأموال والذهب وثروات الناس، لا شيء مجرد أشياء لا يستحقها غيرنا، أه من كل هذا الجحود وهذا العصيان.
غدًا سأموت وسيرفع اسم (علي بابا) كبطل قومي.
أرجو أن تكون القصة ممتعة، إذ إنها غير حقيقية، ولكن ربما تكون واقعية.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك