العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

حكاية علي بابا من منظور الأربعين حرامي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬حكاية‭ ‬عليّ‭ ‬بابا؛‭ ‬فهذا‭ ‬الفتى‭ ‬استطاع‭ ‬بطريقة‭ ‬ذكية‭ ‬أن‭ ‬يسرق‭ ‬من‭ ‬الأربعين‭ ‬حرامي‭ ‬الذي‭ ‬فسدوا‭ ‬وبطروا‭ ‬في‭ ‬الديار‭ ‬وسرقوا‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬الكثير،‭ ‬فأخذ‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬وأعاد‭ ‬توزيعها‭ ‬على‭ ‬أهالي‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬سرقها‭ ‬طوال‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأعوام‭.‬

هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬معروفة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬إن‭ ‬حكى‭ ‬أحد‭ ‬اللصوص‭ ‬وقطاع‭ ‬الطريق‭ ‬الحكاية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬هو،‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقول؟

نروي‭ ‬الحكاية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ (‬شايلوك‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬كنتُ‭ ‬طبيب‭ ‬الأميرة،‭ ‬وتم‭ ‬اتهامي‭ ‬بدس‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬طعام‭ ‬الأميرة،‭ ‬فماتت،‭ ‬‮«‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬أحلف‭ ‬اليمين‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أقم‭ ‬بذلك‮»‬،‭ ‬وأثناء‭ ‬محاكمتي‭ ‬تمكن‭ ‬بعض‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬من‭ ‬تهريبي‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أسكنُ‭ ‬فيها‭.‬

فخرجت‭ ‬أمشي‭ ‬حتى‭ ‬بلغتُ‭ ‬كهفًا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الصحراء‭ ‬وبين‭ ‬الجبال،‭ ‬فدخلتُ،‭ ‬وإذ‭ ‬بي‭ ‬أرى‭ ‬هناك‭ ‬رجلاً‭ ‬مسنًا‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكهف،‭ ‬فرحب‭ ‬بقدومي‭ ‬وقدم‭ ‬لي‭ ‬الطعام‭ ‬والماء،‭ ‬ولكني‭ ‬لم‭ ‬أتمالك‭ ‬نفسي‭ ‬فقتلته،‭ ‬وأقسم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أقتله‭ ‬غدرًا‭ ‬وإنما‭ ‬كنت‭ ‬محتاجًا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬أكثر‭ ‬منه،‭ ‬فأنا‭ ‬إنسان‭ ‬تم‭ ‬طردي‭ ‬من‭ ‬مدينتي،‭ ‬فمن‭ ‬أولى‭ ‬بالكهف‭ ‬أنا‭ ‬أم‭ ‬هو؟‭ ‬أنا‭ ‬طبعًا،‭ ‬فليذهب‭ ‬هو‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم،‭ ‬فكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬يستحقون‭ ‬الحياة‭. ‬تمكنت‭ ‬بعد‭ ‬ليال‭ ‬من‭ ‬إشعال‭ ‬النار‭ ‬ببعض‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬حملتها‭ ‬معي‭ ‬وأنا‭ ‬هارب‭ ‬من‭ ‬المدينة‭. ‬جلست‭ ‬في‭ ‬الكهف‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬مستقبلي،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬انتقم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬ظلمتني‭ ‬وظلمت‭ ‬تاريخي‭ ‬وأهلي،‭ ‬وتكرهني‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكراهية‭. ‬

ولكن‭ ‬للحقيقة‭ ‬والتاريخ‭ ‬أقول‭: ‬إنني‭ ‬وضعتُ‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬طعام‭ ‬الأميرة،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬نيتي‭ ‬قتلها،‭ ‬فقد‭ ‬تمت‭ ‬رشوتي‭ ‬من‭ ‬كبير‭ ‬التجار‭ ‬انتقامًا‭ ‬من‭ ‬الأمير،‭ ‬وأنا‭ ‬كنت‭ ‬مجرد‭ ‬منفذ‭ ‬فقط،‭ ‬أما‭ ‬المجرم‭ ‬الحقيقي‭ ‬فهو‭ ‬كبير‭ ‬التجار‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬هو،‭ ‬وليس‭ ‬أنا‭.‬

قلبي‭ ‬يحترق‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والقهر‭ ‬والظلم‭.‬

يقول‭ (‬شايلوك‭): ‬بقيتُ‭ ‬في‭ ‬الكهف‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬وبعد‭ ‬أيام،‭ ‬إذ‭ ‬برجل‭ ‬غريب‭ ‬يجر‭ ‬خلفه‭ ‬حصانا‭ ‬ويحمل‭ ‬على‭ ‬حصانه‭ ‬متاعا‭ ‬وربما‭ ‬طعاما،‭ ‬فاختبأت‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يراني،‭ ‬وعندما‭ ‬غفل‭ ‬الرجل،‭ ‬انقضضت‭ ‬عليه‭ ‬وقتلته،‭ ‬وأخذت‭ ‬متاعه‭ ‬وحصانه،‭ ‬وأقسم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أقتله‭ ‬لرغبتي‭ ‬في‭ ‬قتله‭ ‬وإنما‭ ‬انتقامًا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدينة،‭ ‬وكذلك‭ ‬حتى‭ ‬أحظى‭ ‬بالطعام‭ ‬والزاد‭ ‬والماء‭ ‬فقط‭.‬

وتمر‭ ‬الأيام،‭ ‬وإذ‭ ‬برجل‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬الطرق‭ ‬يدخل‭ ‬الكهف‭ ‬وبيده‭ ‬أكياس‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬والذهب،‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭: ‬كنت‭ ‬أراقبك‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعدما‭ ‬هربت‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدينة،‭ ‬وعندما‭ ‬قتلت‭ ‬صاحب‭ ‬الكهف‭ ‬والرجل‭ ‬الآخر،‭ ‬درست‭ ‬سلوكك‭ ‬الإجرامي‭ ‬الخبيث،‭ ‬وسرني‭ ‬ما‭ ‬رأيت،‭ ‬واليوم‭ ‬أنا‭ ‬أحمل‭ ‬ما‭ ‬استطعتُ‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬وذهب‭ ‬سرقتها‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬الذي‭ ‬ظلموك‭ ‬وجئت‭ ‬مهاجرًا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقرًا‭ ‬لك‭ ‬ولي‭ ‬ولأمثالنا‭ ‬من‭ ‬الشرفاء‭ ‬الذين‭ ‬يحاربون‭ ‬الظلم‭ ‬والإرهاب‭.‬

يقول‭ ‬شايلوك‭: ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ولكنها‭ ‬لحظات‭ ‬حتى‭ ‬استوعبتُ‭ ‬كلامه،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أمثالنا‭ ‬الشرفاء‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬المدن‭ ‬المحيطة؟

قال‭ ‬الرجل‭: ‬أكيد،‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬الضعفاء،‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندعوهم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الكهف،‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬السحري‭ ‬الجميل‭ ‬الرائع،‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬سوف‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬المدينة‭ ‬المحيطة،‭ ‬حينئذ‭ ‬سيركعون‭ ‬بين‭ ‬أقدامنا‭ ‬ويبكون‭ ‬أن‭ ‬نعفو‭ ‬عن‭ ‬ظلمهم‭ ‬ومجازرهم‭ ‬ضدنا‭ ‬وضد‭ ‬عشيرتنا‭ ‬وأهلنا‭.‬

يقول‭ ‬شايلوك‭: ‬استحسنت‭ ‬الفكرة،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬سؤال‭ ‬يخطر‭ ‬في‭ ‬بالي،‭ ‬فقلت‭ ‬للرجل‭: ‬ومن‭ ‬سيكون‭ ‬قائد‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشرفاء‭ ‬الذين‭ ‬سيأتون‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن؟

قال‭ ‬الرجل‭: ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أنت،‭ ‬فأنت‭ ‬مؤسس‭ ‬هذا‭ ‬الكهف،‭ ‬أسف‭ ‬أقصد‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭.‬

يقول‭ ‬شايلوك‭: ‬وبالفعل،‭ ‬ومنذ‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬بدأنا‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬الإغارة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬الظالمة‭ ‬الجاحدة،‭ ‬وبقية‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى‭ ‬القريبة،‭ ‬ونجمع‭ ‬الرجال‭ ‬المظلومين‭ ‬التي‭ ‬لفظتهم‭ ‬المدنية‭ ‬والحضارة‭ ‬والفكر‭ ‬النير،‭ ‬وبدأ‭ ‬عددنا‭ ‬يتزايد‭. ‬وكنا‭ ‬لا‭ ‬نأخذ‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬إلا‭ ‬النقود‭ ‬والذهب‭ ‬والفضة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثمين،‭ ‬وكنا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬نقتل‭ ‬الأفراد،‭ ‬ولكن‭ ‬أقسم‭ ‬اننا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نقتل‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المتعة‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬القتل،‭ ‬وإنما‭ ‬للضرورة‭ ‬القصوى،‭ ‬وحتى‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬الذي‭ ‬ماتوا‭ ‬وتم‭ ‬قتلهم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬رجالنا‭ ‬كانت‭ ‬خسائر‭ ‬الحروب‭ ‬الجانبية،‭ ‬وهذه‭ ‬الأمور‭ ‬تحدث‭ ‬دائمًا،‭ ‬ولكنها‭ ‬للضرورة‭ ‬فقط‭.‬

تجمعت‭ ‬لدينا‭ ‬الأموال‭ ‬والذهب‭ ‬والثروات،‭ ‬فقمنا‭ ‬بتوسعة‭ ‬الكهف،‭ ‬أو‭ ‬الوطن‭ ‬كما‭ ‬أطلقنا‭ ‬عليه،‭ ‬وأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬المتفجرات،‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي،‭ ‬والأسلحة،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬التحق‭ ‬بنا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬فحدث‭ ‬تزاوج‭ ‬بين‭ ‬الأفراد،‭ ‬وكانت‭ ‬تقام‭ ‬سهرات‭ ‬بريئة‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ ‬المقمرة،‭ ‬وعشنا‭ ‬حياتنا‭ ‬كما‭ ‬نريد‭.‬

فأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬وطن‭ ‬بالفعل،‭ ‬لدينا‭ ‬قوانينا‭ ‬وأنظمتنا‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأعمالنا،‭ ‬وتم‭ ‬تقاسم‭ ‬الأعمال،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أخرج‭ ‬أنا‭ ‬للإغارة‭ ‬على‭ ‬المدن،‭ ‬فأنا‭ ‬الزعيم،‭ ‬وكان‭ ‬لدينا‭ ‬حرس‭ ‬للحدود،‭ ‬يقتلون‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬وطننا‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يأتي‭ ‬ليكون‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬الرائع‭ ‬الخارج‭ ‬على‭ ‬قوانين‭ ‬الإرهاب‭ ‬والظلم،‭ ‬ولقد‭ ‬عينا‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬ليقيّموا‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬المارقة‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وكان‭ ‬الفحص‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬مدى‭ ‬مقت‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬للمدينة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬فيها،‭ ‬ولماذا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتركها،‭ ‬وما‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬اتهم‭ ‬بها‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬بها،‭ ‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬قتل‭ ‬ولي‭ ‬نعمته،‭ ‬وذلك‭ ‬اغتصب‭ ‬زوجة‭ ‬سيده،‭ ‬والثالث‭ ‬سرق‭ ‬أموال‭ ‬بعض‭ ‬التجار،‭ ‬وهكذا‭ ‬كانت‭ ‬مؤهلات‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬الصقت‭ ‬بهم،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬شرفاء‭ ‬لم‭ ‬يقوموا‭ ‬بذلك‭ ‬إلا‭ ‬للضرورة‭ ‬القصوى‭ ‬بسبب‭ ‬أنه‭ ‬وقع‭ ‬عليهم‭ ‬ظلم‭ ‬كبير،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بهذه‭ ‬الأفعال‭ ‬حتى‭ ‬يستردوا‭ ‬حقوقهم‭.‬

واستمرت‭ ‬حياتنا‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬شايلوك‭ ‬‭ ‬سنوات‭ ‬وسنوات‭ ‬هادئة‭ ‬وجميلة‭ ‬ونحن‭ ‬ننعم‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬وهذه‭ ‬الدولة‭ ‬الجميلة‭.‬

ولكن‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬لحق‭ ‬شاب‭ ‬يدعى‭ (‬عليّ‭ ‬بابا‭) ‬‭ ‬وهو‭ ‬حطاب،‭ ‬إنسان‭ ‬بسيط‭ ‬‭ ‬بأحد‭ ‬رجالاتنا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يشعر،‭ ‬ووقف‭ ‬بعيدًا،‭ ‬ومن‭ ‬بعيد‭ ‬كان‭ ‬يراقبنا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬به،‭ ‬وجلس‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬هناك‭ ‬لأيام‭ ‬عديدة،‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬الرجال‭ ‬يخرجون‭ ‬للإغارة‭ ‬ويعودون‭ ‬بالذهب‭ ‬والأموال،‭ ‬وفي‭ ‬الليل‭ ‬كان‭ ‬يراقب‭ ‬حفلاتنا‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬حدود‭ ‬أخلاقية‭ ‬ولا‭ ‬قيود‭ ‬القيم،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬كنا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬إغارة‭ ‬نحتفل‭ ‬ونشرب‭ ‬حتى‭ ‬الثمالة،‭ ‬وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الليالي‭ ‬نفقد‭ ‬الوعي‭ ‬من‭ ‬لذة‭ ‬الحياة‭.‬

وذات‭ ‬ليلة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬العادة،‭ ‬شربنا‭ ‬وشربنا،‭ ‬وبدأنا‭ ‬نتساقط‭ ‬واحداً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬أحد‭ ‬يحرس‭ ‬الدولة‭ ‬والوطن،‭ ‬فقد‭ ‬عشنا‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬أمان،‭ ‬فلماذا‭ ‬نحرس؟‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬خطر‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬اقترب‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬المعروف‭ ‬عند‭ ‬بقية‭ ‬البشر‭ ‬باسم‭ (‬عليّ‭ ‬بابا‭)‬،‭ ‬من‭ ‬مدخل‭ ‬الكهف،‭ ‬فهاله‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الذهب‭ ‬المتناثر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬والأموال،‭ ‬وكل‭ ‬شيء،‭ ‬فذهب‭ ‬يبحث‭ ‬ويسير‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أي‭ ‬خوف،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬غفلة،‭ ‬فأخذ‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والأموال،‭ ‬حفنة‭ ‬صغيرة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬أحد،‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الكهف‭ ‬وغادر‭.‬

عندما‭ ‬استيقظنا‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬لم‭ ‬نشعر‭ ‬بشيء،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬النشوة‭ ‬والمتعة،‭ ‬ولكن‭ ‬أحد‭ ‬الرجال‭ ‬شعر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمرا‭ ‬غريبا،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬سماعه،‭ ‬فمن‭ ‬يجرؤ‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬أن‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬دولتنا؟

وبعد‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬وشهور،‭ ‬عاد‭ (‬عليّ‭ ‬بابا‭) ‬وبدأ‭ ‬يترصد،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نشعر،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثملنا‭ ‬وفقدنا‭ ‬الوعي‭ ‬تماماً،‭ ‬اقترب‭ ‬عليّ‭ ‬بابا‭ ‬من‭ ‬الوطن،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كان‭ ‬يجر‭ ‬خلفه‭ ‬قافلة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬الأبل،‭ ‬أدخلها‭ ‬كلها‭ ‬الكهف،‭ ‬وبدأ‭ ‬يسرق‭ ‬ما‭ ‬استطاع‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والفضة،‭ ‬وهرب‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬الحمل،‭ ‬واختفى‭ ‬ذلك‭ ‬المجرم‭.‬

وعندما‭ ‬استيقظنا‭ ‬اكتشفنا‭ ‬الخيانة،‭ ‬وذلك‭ ‬الجرم‭ ‬وتلك‭ ‬السرقة،‭ ‬فصاح‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬ملكنا،‭ ‬وحقنا‭ ‬التاريخي،‭ ‬فكيف‭ ‬تُسرق؟‭ ‬ومن‭ ‬سرقها؟‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬ظلمتنا‭ ‬الحضارة،‭ ‬والآن‭ ‬تسرق‭ ‬أموالنا‭...‬‮»‬‭.‬

واستمر‭ ‬الصياح‭ ‬والألم‭ ‬والبكاء‭. ‬

اجتمعت‭ ‬بالرجال‭ ‬والحكماء،‭ ‬فقررنا‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬السارق‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬القريبة،‭ ‬وبالفعل،‭ ‬دخلنا‭ ‬المدن‭ ‬بطريقة‭ ‬هادئة‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يعرفنا‭ ‬أحد،‭ ‬وتم‭ ‬البحث‭ ‬والتقصي،‭ ‬وبعد‭ ‬أشهر‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬السارق‭ ‬هو‭ (‬عليّ‭ ‬بابا‭)‬،‭ ‬فقررنا‭ ‬قتله‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬الليل‭.‬

وضعنا‭ ‬على‭ ‬منزله‭ ‬إشارة‭ ‬بهدف‭ ‬تحديد‭ ‬المنزل،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يرجع‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قتله‭ ‬يعرفون‭ ‬المنزل،‭ ‬فيغيروا‭ ‬عليه‭ ‬ويقتلونه،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬وعندما‭ ‬عاد‭ ‬الرجال‭ ‬وجدوا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬المنازل‭ ‬عليها‭ ‬نفس‭ ‬تلك‭ ‬العلامة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬على‭ ‬منزل‭ ‬علي‭ ‬بابا،‭ ‬فضيع‭ ‬الرجال‭ ‬المنزل‭.‬

حاولنا‭ ‬عدة‭ ‬محاولات،‭ ‬ولكن‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬أن‭ ‬الأهالي‭ ‬كانوا‭ ‬مستعدين‭ ‬لنا‭ ‬ولخططنا،‭ ‬فكلما‭ ‬كنا‭ ‬نضع‭ ‬خطة،‭ ‬كانوا‭ ‬يحاولون‭ ‬إفسادها،‭ ‬فلم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬علي‭ ‬بابا،‭ ‬وكذلك‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬الإغارة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬دائمة‭ ‬مستعدة‭ ‬لنا‭.‬

وأثناء‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬كان‭ ‬الرجال‭ ‬يتساقطون‭ ‬قتلى،‭ ‬أو‭ ‬أسرى،‭ ‬حتى‭ ‬عدنا‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬تمت‭ ‬محاصرة‭ ‬الكهف،‭ ‬وتم‭ ‬القبض‭ ‬علينا،‭ ‬وحكم‭ ‬علينا‭ ‬كخارجين‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬فتمت‭ ‬إدانتنا‭ ‬وحكم‭ ‬علينا‭ ‬بالموت‭.‬

وفي‭ ‬الليل‭ ‬وأنا‭ ‬أنتظر‭ ‬الإعدام‭ ‬جلست‭ ‬أفكر،‭ ‬لماذا‭ ‬يكرهوننا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكراهية،‭ ‬ماذا‭ ‬فعلنا؟‭ ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬نطالب‭ ‬إلا‭ ‬بحقنا‭ ‬الشرعي‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الإرهاب؟‭ ‬تم‭ ‬قهرنا‭ ‬وقتلنا‭ ‬وربما‭ ‬سحلنا،‭ ‬نحن‭ ‬نقدم‭ ‬لهم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬ونور‭ ‬الحضارة،‭ ‬ربما‭ ‬يتهمنا‭ ‬بعضهم‭ ‬أننا‭ ‬خرجنا‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬حسنٌ،‭ ‬وماذا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك؟‭ ‬نعم‭ ‬لقد‭ ‬قتلنا‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬ربما‭ ‬يتعدى‭ ‬عددهم‭ ‬بضع‭ ‬ملايين‭ ‬ولكنهم‭ ‬خسائر‭ ‬جانبية،‭ ‬وذلك‭ ‬أثناء‭ ‬معاركنا‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نخوضها‭ ‬لتحرير‭ ‬البشرية‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب؟‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬إن‭ ‬سرقنا‭ ‬الأموال‭ ‬والذهب‭ ‬وثروات‭ ‬الناس،‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬مجرد‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬يستحقها‭ ‬غيرنا،‭ ‬أه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجحود‭ ‬وهذا‭ ‬العصيان‭.‬

غدًا‭ ‬سأموت‭ ‬وسيرفع‭ ‬اسم‭ (‬علي‭ ‬بابا‭) ‬كبطل‭ ‬قومي‭.‬

أرجو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القصة‭ ‬ممتعة،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬غير‭ ‬حقيقية،‭ ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬واقعية‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا