العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

خطاب وزير الحرب الأمريكي.. تجاهل للقانون الدولي وانتهاك لحقوق الإنسان

مركز‭ ‬الخليج‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬

السبت ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

تتجه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العودة‭ ‬القوية‭ ‬لدونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬عسكرية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬مع‭ ‬تعيين‭ ‬وزير‭ ‬حرب‭ ‬يُجاهر‭ ‬بازدرائه‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ويدعو‭ ‬بلا‭ ‬مواربة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬ضد‭ ‬الخصوم‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭.‬

بدأ‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بتشكيل‭ ‬إدارته‭ ‬الجمهورية‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬فوزه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬لعام‭ ‬2024،‭ ‬وسط‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوجّس‭ ‬والنفور‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬كبار‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حيث‭ ‬وصفه‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬المشتركة‭ ‬السابق،‭ ‬مارك‭ ‬ميلي،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬فاشي‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬التوتر‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬اختيار‭ ‬شخصية‭ ‬تتولى‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬الأعلى‭ ‬تمويلًا‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ورغم‭ ‬التوقعات‭ ‬بأن‭ ‬يختار‭ ‬ترامب‭ ‬شخصية‭ ‬موالية‭ ‬لشعاره‭ ‬السياسي‭ ‬‮«‬لنجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬عظيمة‭ ‬مجددًا‮»‬،‭ ‬جاء‭ ‬ترشيح‭ ‬بيت‭ ‬هيجسيث‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬افتقاده‭ ‬لأي‭ ‬خبرة‭ ‬سياسية‭ ‬سابقة،‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬ضابطًا‭ ‬سابقًا‭ ‬ومعلقًا‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬‮«‬فوكس‭ ‬نيوز‮»‬‭.‬

منذ‭ ‬توليه‭ ‬المنصب‭ ‬في‭ ‬يناير،‭ ‬أظهر‭ ‬هيجسيث،‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬45‭ ‬عامًا،‭ ‬ولاءه‭ ‬الكامل‭ ‬لترامب‭ ‬وسياسته‭ ‬في‭ ‬إقصاء‭ ‬المعارضين‭ ‬داخل‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬تغيير‭ ‬اسمها‭ ‬رسميًا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وزارة‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭. ‬وكما‭ ‬أشار‭ ‬بيتر‭ ‬فيفر،‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بجامعة‭ ‬ديوك،‭ ‬وهايدي‭ ‬أوربن‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬جورج‭ ‬تاون،‭ ‬فإن‭ ‬الأشهر‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية‭ ‬لترامب‭ ‬شهدت‭ ‬إقالات‭ ‬مفاجئة‭ ‬طالت‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬المشتركة،‭ ‬ورئيسة‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية،‭ ‬وقائدة‭ ‬خفر‭ ‬السواحل،‭ ‬ونائب‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬ومدير‭ ‬وكالة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كبار‭ ‬المستشارين‭ ‬القانونيين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬فروع‭ ‬الجيش‭.‬

وتوقع‭ ‬كثيرون‭ ‬تصعيد‭ ‬هذه‭ ‬الإقالات‭ ‬أواخر‭ ‬سبتمبر،‭ ‬عندما‭ ‬دعا‭ ‬هيجسيث‭ ‬نحو‭ ‬800‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الجنرالات‭ ‬والأدميرالات‭ ‬إلى‭ ‬اجتماع‭ ‬خارج‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة،‭ ‬دون‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬واضح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬مارك‭ ‬إف‭. ‬كانسيان،‭ ‬مستشار‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬اجتماع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العدد‭ ‬والإخطار‭ ‬القصير‭ ‬والغياب‭ ‬التام‭ ‬للشفافية‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬التكهنات‭ ‬بحدوث‭ ‬‮«‬تطهير‭ ‬داخلي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإعداد‭ ‬لتحركات‭ ‬عسكرية‭ ‬كبرى‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أفاد‭ ‬روبرت‭ ‬تيت‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لهيجسيث‭ ‬أمام‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬عرّف‭ ‬‮«‬العدو‭ ‬الرئيسي‭ ‬لأمريكا‮»‬‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬الوعي‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يروج‭ ‬له‮»‬،‭ ‬منتقدًا‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬انشغالًا‭ ‬مفرطًا‭ ‬داخل‭ ‬الجيش‭ ‬بقضايا‭ ‬المساواة‭ ‬العرقية‭ ‬والجنسانية،‭ ‬ودافع‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المعايير‭ ‬الذكورية‭ ‬الصارمة،‭ ‬والحلاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬والانضباط‭ ‬في‭ ‬المظهر‮»‬‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬قوبل‭ ‬بصمت‭ ‬من‭ ‬الحضور،‭ ‬فقد‭ ‬سخرت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نانسي‭ ‬يوسف‭ ‬وميسي‭ ‬رايان‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬أتلانتيك‮»‬‭ ‬من‭ ‬هيجسيث‭ ‬وترامب،‭ ‬مشيرتين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاجتماع‭ ‬استخدم‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬معايير‭ ‬لياقة‭ ‬بدنية‭ ‬جديدة،‭ ‬وأن‭ ‬ترامب‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬المدن‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬كمناطق‭ ‬تدريب‮»‬‭ ‬لاختبار‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬للاستخدام‭ ‬المستقبلي‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يعكس‭ ‬التزامًا‭ ‬واضحًا‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬وهيجسيث‭ ‬بإقصاء‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية،‭ ‬لتمرير‭ ‬أجندته‭ ‬السياسية‭ ‬العدوانية،‭ ‬داخليًا‭ ‬وخارجيًا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬بعواقب‭ ‬دولية‭ ‬خطيرة‭.‬

وفي‭ ‬خطابه‭ ‬بقاعدة‭ ‬‮«‬كوانتيكو‮»‬‭ ‬لمشاة‭ ‬البحرية‭ ‬شمال‭ ‬فرجينيا،‭ ‬انتقد‭ ‬هيجسيث‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بتحول‭ ‬‮«‬وزارة‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وزارة‭ ‬مستيقظة‮»‬،‭ ‬وعبّر‭ ‬عن‭ ‬فخره‭ ‬بتنحية‭ ‬‮«‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والصوابية‭ ‬السياسية،‭ ‬والعفن‭ ‬الأيديولوجي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬البنتاجون‭. ‬واتهم‭ ‬بعض‭ ‬المفاهيم‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬التنمر‮»‬‭ ‬و«القيادة‭ ‬السامة‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬تُستخدم‭ ‬كسلاح‭ ‬ضد‭ ‬الجيش،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬رفضه‭ ‬لسياسات‭ ‬المساواة،‭ ‬ومشدّدًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬فقط‭ ‬بـ«معايير‭ ‬الذكورة‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وزير‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬اشتكى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القوات‭ ‬البدينة‭ ‬مُتعبة‭ ‬للنظر‮»‬،‭ ‬وأمر‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬بضرورة‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬‮«‬الجنرالات‭ ‬والأدميرالات‭ ‬البدينين‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يعلّق‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬البدنية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُطبّق‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬تُعرف‭ ‬محاولاته‭ ‬المستمرة‭ ‬لإخفاء‭ ‬حالته‭ ‬الصحية‭ ‬النفسية‭ ‬والبدنية‭ ‬الحقيقية‭.‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬بيت‭ ‬هيجسيث‭ ‬لكبار‭ ‬الجنرالات‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لم‭ ‬تتطرق‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بالتصرف‭ ‬وفقًا‭ ‬لأعلى‭ ‬معايير‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬مستغربًا،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هيجسيث‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬الالتزام‭ ‬باتفاقيات‭ ‬جنيف،‭ ‬ودعا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المسلحة‭ ‬بطريقة‭ ‬‮«‬قاسية‮»‬‭ ‬و«لا‭ ‬هوادة‭ ‬فيها‮»‬‭ ‬و«قاتلة‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬خطابه‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر،‭ ‬تحدث‭ ‬هيجسيث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬تحرير‭ ‬محاربي‭ ‬أمريكا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الجنود‭ ‬يقتلون‭ ‬الناس‭ ‬ويدمرون‭ ‬الأشياء‭ ‬لكسب‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‮»‬‭. ‬وهذه‭ ‬الدعوة‭ ‬المفتوحة‭ ‬للعنف‭ ‬المفرط‭ ‬والتدمير‭ ‬المنفلت‭ ‬تنذر‭ ‬بإمكانية‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬احتمالية‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬الاستقرار‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يُفترض‭ ‬نشرها‭ ‬لضبط‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬الأخيرة‭ ‬للسلام،‭ ‬التي‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬بندًا‭.‬

لكن‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للقلق‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هيجسيث،‭ ‬حيث‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬سيكونون‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يتعرض‭ ‬لعنف‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭. ‬فبعد‭ ‬نشره‭ ‬للحرس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬أمريكية،‭ ‬شدد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬تواجه‭ ‬‮«‬عدوًا‭ ‬داخليًا‮»‬،‭ ‬مدعيًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاضطرابات‭ ‬المدنية‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬احتواؤها‭ ‬إلا‭ ‬بتدخل‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬خطابي‭ ‬ترامب‭ ‬وهيجسيث‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سبتمبر‭ ‬إلا‭ ‬كمقدمة‭ ‬لتصعيد‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬داخل‭ ‬البنتاجون،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أقره‭ ‬هيجسيث‭ ‬صراحة‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬سيتم‭ ‬إجراء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التغييرات‭ ‬القيادية‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬إقالة‭ ‬15‭ ‬ضابطًا‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الثمانية‭ ‬الماضية‭.‬

وبينما‭ ‬أشار‭ ‬الباحثان‭ ‬فيفر‭ ‬وأوربن‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬قد‭ ‬يفضلون‭ ‬الاستقالة‭ ‬بصمت،‭ ‬فإنهم‭ ‬رجحوا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أن‭ ‬تَقدُّم‭ ‬استقالات‭ ‬علنية‭ ‬كاحتجاج‭ ‬سيكون‭ ‬احتمالها‭ ‬ضئيلاً‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السيناريوهات‭ ‬سيخدم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬برنامج‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصريحات‭ ‬هيجسيث‭ ‬التي‭ ‬أكد‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كلما‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬المناسبين‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع،‭ ‬تمكنّا‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬السياسات‭ ‬الصحيحة‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬كشفته‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬عن‭ ‬عزم‭ ‬ترامب‭ ‬إجراء‭ ‬مقابلات‭ ‬شخصية‭ ‬مباشرة‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬تعيين‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬العليا،‭ ‬أثار‭ ‬أوربن‭ ‬تساؤلات‭ ‬خطيرة‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬اختيار‭ ‬القادة‭ ‬الجدد‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬‮«‬الولاء‭ ‬الشخصي‭ ‬والانتماء‭ ‬الحزبي‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الكفاءة‭. ‬وقد‭ ‬حذّر‭ ‬أوربن،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فيفر،‭ ‬من‭ ‬ميل‭ ‬بعض‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬التصرف‭ ‬بدافع‭ ‬‮«‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬المهني‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يتجاوز‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬مناصبهم‭ ‬بأي‭ ‬ثمن،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬المبادئ‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الذي‭ ‬يتجاهل‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬فإن‭ ‬الصمت‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬خطاب‭ ‬هيجسيث‭ ‬قد‭ ‬يُفسر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬القبول‭ ‬الضمني‭ ‬بتحول‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نحو‭ ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أعداء‭ ‬ترامب،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬حقيقيين‭ ‬أو‭ ‬مفترضين،‭ ‬محليين‭ ‬أو‭ ‬خارجيين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أقرب‭ ‬مستشاريه‭ ‬وحلفائه‭ ‬الدوليين،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭. ‬

وبهذا،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬مُنحت‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬والمضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬تجاهلها‭ ‬لمبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬تقويض‭ ‬مصالح‭ ‬شركائها‭ ‬الدوليين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الحلفاء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬انشغلت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بالسخرية‭ ‬من‭ ‬تعليقات‭ ‬هيجسيث‭ ‬حول‭ ‬اللياقة‭ ‬البدنية‭ ‬للضباط‭ ‬والجنود،‭ ‬فإن‭ ‬العواقب‭ ‬الأخطر‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بأعلى‭ ‬ميزانية‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ (‬تُقدّر‭ ‬بنحو‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭)‬،‭ ‬سيُدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شخصيات‭ ‬مختارة‭ ‬بعناية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ولائها‭ ‬لترامب،‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أجندة‭ ‬عدوانية‭ ‬تتجاهل‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

بينما‭ ‬تنشغل‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬الشكلية،‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأقوى‭ ‬عالميًا‭ ‬تُعاد‭ ‬صياغتها‭ ‬لخدمة‭ ‬مشروع‭ ‬سلطوي‭ ‬عابر‭ ‬للحدود،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬تبعاته‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬والنظام‭ ‬العالمي‭ ‬بأكمله‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا