لم تمض أيام عديدة على الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في 9 سبتمبر الجاري، وانعقاد مؤتمر القمة العربية – الإسلامية الذي التأم شمله في العاصمة القطرية، حتى اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة عملية، وشجاعة للرد على التغول الإسرائيلي من خلال توقيعها على اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك مع جمهورية باكستان الإسلامية في الرياض، تنص على أن «أي اعتداء على أحد البلدين هو اعتداء على كليهما»، وذلك في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم.
وبالنظر إلى هذه الاتفاقية، فإنها تأتي في إطار العلاقات السعودية – الباكستانية المتميزة والممتدة منذ عقود في مختلف العهود في كلا البلدين، والتي تشمل مجالات عدة من بينها التعاون العسكري الذي توج يوم الأربعاء الموافق 17 من سبتمبر الماضي بتوقيع البلدين على اتفاقية الدفاع الاستراتيجي. وتهدف هذه الاتفاقية، وفق بيان مشترك «إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء».
هذه الاتفاقية تبعث رسالة قوية لكل من يريد المساس بأمن البلدين واستقرارهما، وقد جاءت في توقيت وظروف حساسة تمر بها المنطقة؛ فمن حيث التوقيت فإنها جاءت بعد العدوان الصهيوني الغاشم على الشقيقة قطر، ومتزامنة مع الحرب الهمجية التي تشنها الأخيرة على غزة، أما من حيث الظروف فإنها أتت في مرحلة يعاني فيه العرب ضعفاً عاماً، وكان ذلك السبب المباشر في تضخم الأنا الإسرائيلية وخصوصاً لدى رئيس الوزراء نتنياهو الذي يتبنى مبدأ القوة، وفرض العضلات على جيرانه العرب من خلال القتل والتدمير المتوحش، وحرب التجويع والتهجير القسري في غزة، وقضم الأراضي في الضفة الغربية، والتوغل في الأراضي اللبنانية والسورية من دون أن يردعه أحد خاصة بعد إزاحة «حزب الله» من المشهد بعد الضربة الصهيونية التي وجهت إليه؛ وأدت إلى إضعافه ، وكانت النتيجة المباشرة هي إخراج إيران من ساحة المعركة التي كانت تنطلق من الأراضي اللبنانية والسورية عبر أذرعها العسكرية. كما أن استراتيجية القوة الإسرائيلية امتدت إلى خارج حدودها الجغرافية هذه المرة، عندما قام الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربات جوية إلى طهران، كان لها تأثير كبير في تراجع إيران وانكفائها.
في تقديري، أن كل هذه الظروف أسهمت في زيادة قناعات نتنياهو بمبدأ القوة في تحقيق طموحاته، ودفعته إلى الإفراط في استخدام القوة المسلحة في الوصول إلى مآربه، يدعمه في ذلك اليمين المتطرف في حكومته ونتيجة لذلك، فهو لا يعير أي اهتمام للقوانين والأعراف الدولية، ولا يصغي لنداءات الأمم المتحدة ودول العالم التي تطالبه بوقف الحرب في غزة، ولا يتردد في استخدام أقصى ما في ترسانته العسكرية ضد كل من يسميهم بـ (أعداء إسرائيل) مستلهماً في ذلك وصايا مرشده الروحي زئيف جابوتنسكي الذي يؤمن بالقوة في إدارة الصراع. وهو القائل في سنة 1923م «إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على دولة يهودية في فلسطين هي القوة التي تسحقهم وتذعنهم». من هنا يتضح جلياً أن نتنياهو يسير على هدى هذه المقولة بدليل أنه الآن يستخدم القوة المفرطة في حربه ضد العرب في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا لإيمانه الشديد بأن «الوسيلة الوحيدة للوصول إلى اتفاق مع» الأعداء العرب في المستقبل.
مقابل كل هذا التطرف، كان لا بد للعرب من التحرك، وأن يكون لهم فعل يضع حدا للتطرف الإسرائيلي وكبح جماحه؛ فجاء الرد سريعاً من المملكة العربية السعودية من خلال توقيعها مع باكستان على هذه الاتفاقية التي أثارت تساؤلات لدى عدد من المحللين، حيث يرى البعض منهم أن هذه الاتفاقية قد تغير موازين القوى في المنطقة، وهي بمثابة تحالف يجمع القدرات الاقتصادية السعودية بالقوة العسكرية الباكستانية، وهو الأمر الذي لا يثير قلق إسرائيل فحسب، وإنما الهند أيضاً، ويذهب آخرون إلى القول إن هذا الاتفاق ربما جاء لتعويض تراجع الحماية الأمريكية لمنطقة الخليج.
من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن هناك شعورا متزايدا بالقلق لدى عدد من الدول العربية تجاه التهديد المتزايد من إسرائيل، لذلك فإن توقيع هذا الاتفاق يضع باكستان ومظلتها النووية في قلب معادلة الأمن في الشرق الأوسط، وهي قوة عسكرية ونووية لا يستهان بها، وأثبتت جدارتها في حربها الأخيرة مع جارتها الهند.
في اعتقادي، أن ما ذهب إليه المحللون في تعليقاتهم على هذا الاتفاق ينسجم مع الوقائع على الأرض إذ لا يمكن للسعودية -وهي إحدى الدول العربية الكبرى في المنطقة- أن تغمض عينيها عن مشاهدة النيران الإسرائيلية وهي تطال هذه المرة أرضا عربية خليجية خارج حدودها الجغرافية، وهي لا تزال تحتفظ في ذاكرتها بمشهد خريطة «إسرائيل الكبرى » التي تحدث عنها نتنياهو في المقابلة التلفزيونية على إحدى القنوات الإسرائيلية والتي شملت أراضي عربية عدة. كما لا يغيب عن بالها أن الحكومة المتطرفة في إسرائيل اليوم ذاهبة في اتجاه التوسع.
ليس هذا فقط، هو ما دفع السعودية نحو تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع باكستان، وإنما قراءتها الدقيقة للمشهد ككل أيضاً، فهي رأت بأم عينيها أن الحليف الأمريكي سمح لربيبته «إسرائيل» بضرب قطر لأنه مؤمن إيماناً راسخاً بأن كل ما تفعله إنما يأتي في إطار حماية أمنها، وعليه فإنه لا يلومها على هذا التصرف ما دامت ترى أنه يصب في اتجاه (الدفاع عن النفس) لدى إسرائيل. لذلك فليس أمام السعودية التي ترتبط مع الولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية – إلا أن تحصن نفسها من الأخطار الخارجية وتتخذ خطوة استباقية للأحداث فما يدريك أن تكرر أمريكا موقفها من قطر مع أي دولة عربية أخرى فيما لو تعرضت لأي اعتداء صهيوني أمام أعين أمريكا من دون تحركها تحت حجة المبررات الآنفة الذكر.
نعم، أحسنت السعودية في اتخاذ هذه الخطوة وهي في الاتجاه الصحيح؛ لأن باكستان دولة إسلامية لها ثقلها العسكري والنووي، مقابل الثقل الاقتصادي السعودي وبذلك تكتمل عناصر المعادلة فمن جهة لدى السعودية مكانتها بين الدول العشرين بما يتفاعل مع الثقل العسكري الذي تمتلكه باكستان وهو ما يفضي إلى توفير قوة ردع قوية في مواجهة التحديات التي تعترضهما في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك