زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الرجل الذي فقد جنسه
كنت قبل أسابيع قليلة في كندا ورأيت فيها نماذج مشرفة لمهاجرين عرب ومسلمين، وحّدت بينهم مأساة غزة وصاروا كتلة انتخابية يحسب لها ألف حساب. ومن تجربة العيش والزيارات العابرة لعديد من الدول الغربية، كنت سيء الظن بمعظم المهاجرين العرب فيها، وتحضرني على الدوام حكاية سام هاشمي الذي هاجر من العراق إلى بريطانيا في السبعينيات، وتفرنج وتبرطن بدرجة أنه غيَّر اسمه إلى تشارلس كين، بعد أن نجح في مجال التجارة والاستثمار، وانتمى إلى المجتمع المخملي، وصار ينتقل من بارتي إلى أخرى، والبارتي هي ما يسميه عامة الناس غير المتحضرين «حفلة»، وبشاربه المفتول وتقاطيعه الوسيمة ونقوده الكثيرة لم يكن واردا أن يتزوج عراقية غلبانة أو حتى أرستقراطية، بل لم يكن واردا أن يتزوج بريطانية أي كلام، بل تزوج بملكة جمال اسمها ترودي، ورزق منها بطفلين، وكما يحدث في حالات الزواج المصلحي القائم على اعتبارات المظهر والمال فقد انتهت العلاقة بالطلاق، وأحس هاشمي بالرغبة في الانتقام من طليقته ترودي التي طُعنته في رجولته ولجأ إلى طبيب ليجري له جراحة تكسبه أنوثة كاملة، وحلق هاشمي شاربه العراقي وصار يتناول جرعات كبيرة من هرمونات الأنوثة، وخلال ستة أشهر كانت الهرمونات قد فعلت مفعولها وصار هاشمي/ كين يعيش كامرأة، ثم قرر أن يسير إلى آخر المشوار وخضع لجراحة تم فيها استئصال أعضاء الذكورة وزرع نهدين من السيليكون، وصار يلتقط لنفسه الصور وهو شبه عار كامرأة ذات غنج، وكلفه ذلك نحو خمسة وخمسين ألف دولار أمريكي، ولكنه أصبح مثل بعض المطربين العرب المعاصرين الذين يصعب تصنيفهم كرجال أو كنساء، ورغم أنه اتخذ لنفسه اسما نسائيا، هو سامنثا، وارتاد الحانات والأندية الليلية بحثا عن بوي فريند، يقتنع به كأنثى، إلا أنه فشل في ذلك وأصيب بالإحباط!! ماذا يفعل الإنسان في وضع كهذا: فقد الأعضاء التي كانت تجعل منه رجلا، وصار له نهدان بارزان بفضل الجراحة التجميلية، وصار جسمه ناعما بعد أن نتف شعر جسمه بالحلاوة في بادئ الأمر ثم بالليزر لاحقا!!
وقع هاشمي الذي هو سامنثا في حيص بيص فالانتماء إلى جنس النساء لم يعد عليه بأي «مكاسب»، واكتشف أن نساء المجتمع المخملي الذي اندمج فيه لإثبات أنوثته مجتمع سطحي وتافه، فرغم أنوثته المكتسبة فقد كان هذا الرجل الأنثى ذا تفكير عملي وناجحا في جمع المال بدرجة أنه أوشك على شراء نادي شفيلد يونايتد لكرة القدم!
ثم قرر هاشمي/ سامنثا أن يعود رجلا، فكان لابد من سلسلة من العمليات الجراحية للتخلص من النهدين الاصطناعيين، وإعادة تجميع أعضاء ذكورة جديدة له، وكان له ما أراد ولكن صورته بعد أن ارتد من الأنوثة إلى الرجولة تشير إلى أنه رجل نُص كُم أو خنثى مشكل، فقد احتفظ وجهه بالملامح النسائية ولم يعد هناك أثر لشارب أو ذقن بعد أن استأصل الليزر بصيلات الشعر تماما وقضى عليها!! والشاهد في هذه الحكاية أن هاشمي هذا يمثل نموذجا كلاسيكيا للشخص الذي يفقد ظله وهويته وثقافته مجاراة للثقافة الغربية التي انتمى إليها بالعافية، فالبعض يكتفي بتقليد الغربيين في قشور المسائل مثل اللبس والشراب والرقص واستخدام عبارات مثل: جيسس كرايست (يا يسوع المسيح) بدلا من «يا رحمن يا رحيم»، ولكن من يتنازل عن الجزء يتنازل حتما عن الكل، وهاشمي تخلى عن اسمه وثقافته وانتهى به الأمر وقد تخلى عن رجولته. صحيح أنه استردها ولكنه يبقى في نظر الجميع كائنا بلا هوية ولا انتماء! والسؤال الذي يحيرني هو كيف كان طفلاه يناديانه بعد أن صار امرأة تدعى سامنثا؟ بابا؟ ما يصير؟ حتى الأطفال يعرفون أن المرأة لا تكون بابا! ربما «مابا»!! وهكذا أضاع العراقي المتبرطن حتى انتماءه إلى عياله فلا هو أبوهم ولا هو خالتهم ولا هو ماما. بل مجرد مسخ أو دمية من الصلصال يعاد تشكيلها من حين إلى آخر!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك