المعلم القائد ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو صانع للتغيير، ومهندس للبيئة التعليمية، وملهم للأجيال القادمة، لذلك فإن تمكين المعلمين من ممارسة القيادة التربوية، وتوفير الدعم والتدريب اللازم لهم، يمثل خطوة استراتيجية نحو تحسين جودة التعليم وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجال التربوي.
بهذه الكلمات بدأت ورقتي العلمية في منتدى نهضة معلم في واحدة من الدول الشقيقة، ربما السبب الحقيقي من وراء اختياري لهذا الموضوع هو عرفان لبعض المعلمين الذين كان لهم تأثير مباشر في مسيرتنا العلمية والعملية، فهم دائمًا وأبدًا يستحقون الإشادة والثناء.
في اعتقادنا أن المعلم القائد هو ذلك التربوي الذي يجمع بين مهاراتي التدريس والقيادة، ويؤثر في زملائه وطلابه وربما حتى في إدارة المدرسة، بهدف تحسين ممارسات التعليم والتعلم. وفقًا لتعريف (York-Barr & Duke, 2004) فإن القيادة التعليمية هي «عملية يؤثر فيها المعلمون، فرديًا أو جماعيًا، في الآخرين لتحسين جودة التعليم وزيادة تحصيل الطلاب». وهذا المفهوم يضع المعلم في موقع استراتيجي داخل المؤسسة التعليمية، حيث يصبح عنصرًا فاعلًا في صياغة السياسات التربوية وتنفيذها.
وفي ظل هذه التحولات المتسارعة في الأنظمة التعليمية، لم يعد دور المعلم مقتصرًا على التلقين ونقل المعرفة، بل أصبح محورًا قياديًّا في العملية التربوية، يسهم في بناء بيئة تعليمية محفزة، وتشكيل جيل قيادي قادر على مواجهة تحديات المستقبل. من هنا، برز مفهوم (المعلم القائد) كأحد المفاتيح الجوهرية في تحسين جودة التعليم.
ومع تزايد نظريّات القيادة التربويّة وأنماطها، بدأت تعلو أصوات تطالب بتعزيز دور المعلّمين القيادي في المدارس والمؤسّسات التعليمية في الدول الغربيّة، مع العلم أنّ هذا المفهوم ظهر في الأدبيّات البحثيّة منذ ثمانينيّات القرن الماضي. ومن خلال (Sawalhi, 2019) أمكن تعرّيف القيادة التربويّة على أنّها عمليّة توظيف المعارف والمهارات والمواهب والطاقات لكلّ الأطراف المعنيّة بتطوير الإنسان وبنائه، والتأثير الإيجابيّ لتحقيق الأهداف التعليميّة التربويّة المشترَكة، سواء أكانوا عاملين في نظام مدرسيّ أم أيّ مؤسّسات تعليميّة تربويّة أم من خلال التعليم الافتراضيّ.
فالمعلّم القائد أو المعلّم ذو الممارسات القياديّة إذن؛ هو المعلّم الذي يستطيع ممارسة بعض الأدوار القياديّة، ولديه مهارات تؤهّله لأداء بعض المهامّ. ولا يعني ذلك أنّه يجب أن يكتسب المهارات القياديّة والمعارف كلّها، فهناك من يبدع بالأنشطة، ولكنّه لا يستطيع تدريب غيره على استراتيجيّات التعليم، أو لا يستطيع قيادة فرق مراجعة الأداء المدرسيّة مثلًا.
كثيرًا ما نلاحظ أنّ بعض المعلّمين لديهم قدرة على القيادة في مجتمع دون آخر، أو في مهمّة دون باقي المهامّ أو مع فريق معيّن وليس مع أيّ فريق، وقد يبرع في مهمّة، وحين يُكلّف بأمر آخر لا يستطيع أداءه. ومع الأسف فقد لا تلتفت كثير من الإدارات لما برع فيه المعلّم أصلًا، وقد كان بالإمكان العمل على تطوير موهبته ونقاط قوته، ومع هذا فإنّ الكثير من المعلّمين يكتشفون مهاراتهم وقدراتهم عند تكليفهم بمهمّة للمرّة الأولى، لم يكونوا قد اختبروها بعد أو خطرت لهم ببال.
خصائص المعلم الإداري القائد
لكي يمارس المعلم دوره القيادي بفعالية، يجب أن يتحلى بمجموعة من الخصائص التي تميّزه عن غيره، منها:
* القدرة على التخطيط والتنظيم داخل الصف والمدرسة.
* مهارات التواصل الفعّال مع الطلاب والزملاء والإدارة.
* اتخاذ القرارات التربوية المبنية على بيانات وتحليل.
* التحفيز وبناء فرق العمل داخل البيئة التعليمية، وتعزيز الدافعية لدى الطلاب والمعلمين.
* التكيف مع التغيرات التربوية والتقنية.
* الرؤية التربوية المستقبلية الواضحة، وامتلاك تصور مستقبلي للتعليم وأهدافه، والقدرة على استشراف التحديات التعليمية ووضع خطط استراتيجية للتعامل معها.
* المرونة والتكيف، وخاصة التعامل مع التغيرات التربوية بسلاسة.
* اتخاذ القرار وحل المشكلات، أي قيادة المواقف التربوية بحكمة.
* الذكاء العاطفي، وفهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بطريقة إيجابية، مما يعزز العلاقات الإنسانية داخل المدرسة.
إن تمكنَ المعلم الإداري القائد أن يمتلك هذه الخصائص فإنه يصبح نموذجًا يُحتذى به في البيئة التعليمية.
كيف يكون المعلم قائدًا تربويًّا؟
في الحقيقة لا توجد طريقة مثالية أو نموذجية لتحقيق هذا الهدف، فكل باحث وكل عالم يجد أن طريقته هي المثلى، وأن ما يقدمه يجب أن يتم تنفيذه حتى يتطور التعليم والمعلم والعملية التعليمية، ولكن في الحقيقة فإن المعلم يواجه كثيراً من التحديات التي ربما تقلل من عزيمته هو، وبالتالي تؤثر في قدراته، إلا أننا سنحاول أن نتغلب على كل هذه التحديات حتى نسهم بطريقة أو بأخرى في دعم المؤسسات التعليمية وأن يستمر المعلم في أداء مهامه ويطور قدراته، ويمكن أن نقول إن المعلم يمكن أن يتبع بعضا من هذه الطريق والأساليب حتى يصبح معلمًا قائدًا تربويًا، منها:
أولاً: زيادة وقت التعليم إلى الحد الأمثل، ويتم ذلك بأن يقوم المعلم بالتخطيط قبل دخوله الصف، وتلك الخطة تشمل؛ ما الموضوعات والأنشطة الصفية وغير الصفية التي سوف يقوم بها خلال تلك الفترة الزمنية، فجميعنا يعرف أن التخطيط المسبق يوفر فرصة جيدة لعدم حدوث الشغب في الصف بين الطلاب، ويوفر أفضل الفرص لجميع الطلاب بالمشاركة، بالإضافة إلى ذلك فإن التحضير والتخطيط المسبق يحمي المعلم من نسيان بعض النقاط المهمة في درسه، ويعطي فرصة جيدة للشُعب المختلفة من نفس الصف؛ فهناك شُعب قوية وربما هناك شُعب ضعيفة، لذلك فإنه لا بد من التخطيط لكل شعبه.
وكذلك فإن على المعلم أو مساعد المعلم أن يجعل المواد والأجهزة والمعدات مرتبة وجاهزة قبيل الدرس. والبدء في الوقت المحدد، وإن تمكن – وهذا أفضل– أن يضع قواعد لدخول حجرة الدراسة والبدء في الدرس وأن يطبقها ويلتزم بها.
وعلى المعلم أن يضع إجراءات المهام الروتينية والانتقالات وأن يطبقها، مثل تسليم الأعمال، والحصول على المعدات وإعادتها إلى مكانها وما إلى ذلك، بهدف أن يقوم الطلبة بأعمالهم دون توجيه.
وربما نستطيع أن نضع تحت فكرة التخطيط هذه الجزئية، أن يحافظ على وجود نمط تعليمي تفاعلي، وأن يطرح الأسئلة على جميع الطلبة، وأن يتحرك بكثرة ويستخدم التنويع، وأن ينقل الحماس للطلبة ليساعدهم على الاندماج النشط.
ثانيًا: المرونة والقدرة على التكيف وفق الظروف المختلفة، وخاصة في السنة الدراسية الأولى، فإن على المعلم ضبط نفسه أولاً، وبالتحديد عند اجتماعه مع طلابه في المرة الأولى، فلا يكون واقعيًا جدًا ولا خياليًّا جدًا، وألا يكثر من الممنوعات منذ الحصة الأولى.
ثم يبدأ بتعريف الطلبة على بعض الأهداف والمقاصد بوضوح، حتى يعرف الطلبة على؛ ماذا يريد وكيف يريد تحقيق ماذا يريد، وأن يراقب سلوك الطلبة اللفظي وغير اللفظي مثلاً، التعبيرات الوجهية التي تدل على الحيرة أو الإحباط، والعجز عن الإجابة على الأسئلة، أو إتمام المهام، وأسئلة الطلبة وتعليقاتهم التي تدل على نقص في الفهم، بهدف أن يحدد مستوى كلامه وملاءمة ما يقول للفئة التي يقوم بتعليمهم.
عليه أن يحاول أن يحدد بعض الأفكار والخطط البديلة، فإن لم تسر الخطة التعليمية الأولى فلا مانع من استخدام خطة بديلة، وأثناء ذلك فإن على المعلم أن يراقب فاعليته كما فعل من قبل.
ومن واجب المعلم الإداري القائد أن يعرف خصائص الطلاب النمائية ومراحل العمر التي يمرون بها لكي ينوع الأنشطة، فالنشاط المناسب لكل صف، ولكل فئة عمرية، يحد من السلوك المشاغب ويقرب الطلاب ويحببهم بالمعلم.
ثالثًا: التسلح بالمعرفة والاطلاع، فإن ذلك يقود الصف إلى قيادة فاعلة، ربما هنا يمكننا أن نسأل: هل المعلم الذي يعرف المادة الدراسية، أو من يتقنها، لديه القدرة بالضرورة على مساعدة الطلبة على التعلم؟ ليست من السهولة الإجابة عن هذا السؤال وإنما يمكننا القول إن المعلم الذي يتقن المادة التعليمية فإنه يمكنه أن يلقن المادة العلمية للطلبة، ولكن – كما أشرنا سابقًا– فإن هذا ليس نهاية المطاف، فالمعلم القائد يجب أن يكون مطلعا وقارئا ونهما في القارئة الخارجية، فإن كان متخصصًا في العلوم مثلاً فإنه يجب الاطلاع على بقية العلوم الأخرى، كاللغة العربية والرياضيات وعلم النفس وعلم السلوك والقيادة والإدارة وما إلى ذلك، فإن هذا يسهم بصورة في صقل قدراته أولاً وبالتالي الطلبة.
إن للمادة الدراسية دورا مهما في فاعلية التعليم، فالمدرس الفعال هو المدرس الذي يقود المادة ويديرها بخبرة وإتقان، ولكن سيطرته العلمية والمعرفية تعني القوة المعرفية التي ينضبط بها الطلبة.
قال الباحث (أورد بيرلاينر) إن «النتيجة مفادها في هذا المجال أن هناك علاقة إيجابية بين معرفة المعلم وإلمامه بالمادة الدراسية، وتحصيل الطلبة الصفية، فالمعرفة الأكاديمية أحد مقومات ضبط تحصيل الطلبة. وأما معرفة المعلم فإنها تنعكس على سلوك المتعلم الصفي الجاد وغير الجاد يمكن أن يسهم في تزويده بالتغذية الراجعة لتحقيق الإدارة الصفية الفاعلة».
رابعًا: على المعلم أن يُشعر طلابه بالمسؤولية عن تصرفاتهم غير المقبولة، سواء كانت تصرفات فردية أو جماعية وبذلك يشعرهم بذواتهم وقيمتهم كبشر مهمين في المجتمع المدرسي والأسري والخارجي.
خامسًا: على المعلم أن يكون يقظًا دائمًا في غرفة الصف، وكأن له عشر عيون لا عينين فقط، فإن كتب على السبورة عليه أن يلتفت بين فترة وأخرى إلى الطلاب محدثًا لهم عما يكتب.
سادسًا: على المعلم أن يكون قدوة للطلبة، قدوة في سلوكياته، وفي ملابسه، وفي ألفاظه وعليه أن يختار كلماته بأكبر قدر من الإمكان. فالقائد والقيادة تعني ببساطة؛ فن التأثير في الآخرين، فهو القدوة والمثال الذي يقلده الطلبة في كل شيء.
هذه بعض المعلومات التي وردت في الورقة، فالمعلم الإداري القائد يمكن أن يُعد من العناصر الحيوية الفاعلة النشطة في العملية التعليمية، وإدارة التعلم الصفي. والمعلم مجموعة من الأنظمة النشطة المتحركة ذات التأثير الكبير في البيئة النفسية والطبيعية، والزمانية والمكانية، إذ إن سلوك الطلبة في الصف عادة هو نتاج لحركة النموذجية في كل ما يعرض من أداء ظاهر يدركه الطلبة ويتابعونه للانضباط وفق تعليماته ورضاه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك