العدد : ١٧٣٥٨ - الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٨ - الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

جزاء من استعرَّ من لونه

بحكم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬توفّر‭ ‬لي‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬كبريات‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬شبه‭ ‬منتظم،‭ ‬ثم‭ ‬وقعت‭ ‬عيني‭ ‬وبعدها‭ ‬قلبي‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬برايفيت‭ ‬آي‮»‬،‭ ‬فعشقتها‭ ‬ولا‭ ‬أزال،‭ ‬وهي‭ ‬مطبوعة‭ ‬إنجليزية،‭ ‬أجاركم‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬لسان‭ ‬محرريها‭ ‬الذين‭ ‬يتخصصون‭ ‬في‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المخملي،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬ترحم‭ ‬أهل‭ ‬الجاه‭ ‬والسلطان،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أحتفظ‭ ‬بعشرات‭ ‬الأعداد‭ ‬منها،‭ ‬لأطالعها‭ ‬كما‭ ‬اتفق‭ ‬كلما‭ ‬أحسست‭ ‬بالزهج‭ ‬والضيق،‭ ‬وأمامي‭ ‬الآن‭ ‬عدد‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬له‭ ‬تاريخا‭ ‬يتضمن‭ ‬المجلة‭ ‬حكاية‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الغانية،‭ ‬ومفادها‭ ‬أن‭ ‬الملاكم‭ ‬الغاني‭ ‬المخضرم‭ ‬بيرسي‭ ‬أوبليتي‭ ‬كومي،‭ ‬خسر‭ ‬مباراة‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬أضحوكة‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬غانا‭.. ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬انهزم،‭ ‬فقد‭ ‬انهزم‭ ‬قبله‭ ‬مرسي‭ ‬ابن‭ ‬المعلم‭ ‬زناتي‭ ‬‮«‬بالإنجليزي‮»‬‭!! ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬الهزيمة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬فضيحة،‭ ‬فخلال‭ ‬الجولة‭ ‬الثالثة‭ ‬وجه‭ ‬إليه‭ ‬خصمه‭ ‬ضربة‭ ‬سببت‭ ‬له‭ ‬جرحا‭ ‬في‭ ‬خده‭ ‬الأيمن،‭ ‬وخلال‭ ‬الاستراحة‭ ‬عجز‭ ‬مدربه‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬النزيف‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الخد،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الخصم‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬أي‭ ‬ضربة‭ ‬إلى‭ ‬كومي‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬الرابعة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بدأ‭ ‬ينزف‭ ‬من‭ ‬الأنف‭ ‬والأذن‭ ‬والحنجرة‭ ‬والمسالك‭ ‬البولية،‭ ‬ثم‭ ‬لاحظ‭ ‬الجمهور‭ ‬أمرا‭ ‬عجيبا،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬جلد‭ ‬وجه‭ ‬كومي‭ ‬يتقشر‭ ‬ويتدلى‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬عنقه‭ ‬ثم‭ ‬تدلى‭ ‬على‭ ‬صدره،‭ ‬حتى‭ ‬غطى‭ ‬الدم‭ ‬جسمه‭ ‬كله،‭ ‬وهنا‭ ‬بدأ‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬الضحك‭ ‬الهستيري‭!! ‬ستقول‭ ‬إن‭ ‬الغانيين‭ ‬ساديون‭ ‬وبلا‭ ‬رحمة‭!! ‬غلطان‭ ‬ثم‭ ‬غلطان،‭ ‬ولن‭ ‬أسمح‭ ‬لك‭ ‬بأن‭ ‬تقول‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬أهلي‭ ‬الأفارقة‭! ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬غانا‭ ‬قدمت‭ ‬للعالم‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أكفأ‭ ‬من‭ ‬شغلوا‭ ‬منصب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وهو‭ ‬كوفي‭ ‬أنان‭ (‬الذي‭ ‬جعلناه‭ ‬عنان‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬أجداده‭ ‬‭ ‬ربما‭ ‬هاجروا‭ ‬من‭ ‬الكوفة‭ ‬قبل‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬للجمهور‭ ‬الغاني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشهد‭ ‬مباراة‭ ‬الملاكمة‭ ‬سبب‭ ‬قوي‭ ‬للضحك‭ ‬والشماتة‭ ‬بالملاكم‭ ‬كومي،‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬كانوا‭ ‬يعرفون‭ ‬أنه‭ ‬يستخدم‭ ‬مراهم‭ ‬ومعاجين‭ ‬لاكتساب‭ ‬بشرة‭ ‬فاتحة،‭ ‬وقد‭ ‬حذرت‭ ‬حكومات‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬مواطنيها‭ ‬مرارا‭ ‬بأن‭ ‬عقاقير‭ ‬مثل‭ ‬الهايدروكوينون‭ ‬والسولاكوين،‭ ‬قد‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬سواد‭ ‬البشرة،‭ ‬ولكن‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬استخدامها‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬تقشير‭ ‬الجلد‭ ‬والإصابة‭ ‬بالسرطان،‭ ‬والمفرح‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الملاكم‭ ‬كومي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأطباء‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬خياطة‭ ‬الجلد‭ ‬المتقشر‭ ‬من‭ ‬وجهه،‭ ‬وإعادته‭ ‬إلى‭ ‬موضعه،‭ ‬لأنه،‭ ‬أي‭ ‬الجلد،‭ ‬صار‭ ‬هشا‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬غرزة‭ ‬الإبرة،‭ ‬وهذه‭ ‬عاقبة‭ ‬من‭ ‬يسعون‭ ‬للتبرؤ‭ ‬من‭ ‬ألوانهم‭ ‬الطبيعية‭!‬

وأستطيع‭ ‬أن‭ ‬أفهم‭ ‬أن‭ ‬أوروبيا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬سواد‭ ‬البشرة‭ ‬أو‭ ‬سمرتها‭ ‬عيبا‭ ‬ونقيصة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بأن‭ ‬السود‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬بال‭ ‬إنسان‭ ‬خلقه‭ ‬الله‭ ‬أسمر‭ ‬أو‭ ‬أسود،‭ ‬يحس‭ ‬بالدونية‭ ‬بسبب‭ ‬لون‭ ‬بشرته،‭ ‬ولو‭ ‬وضعوا‭ ‬أموال‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬في‭ ‬يميني،‭ ‬ومنحوني‭ ‬أنف‭ ‬توم‭ ‬كروز،‭ ‬وشعر‭ ‬ليونادرو‭ ‬دي‭ ‬كابريو،‭ ‬وعقدوا‭ ‬قراني‭ ‬بالجملة‭ ‬على‭ ‬كاثرين‭ ‬زيتا‭ ‬جونز‭ ‬وباميلا‭ ‬اندرسون‭ ‬وكلوديا‭ ‬شيفر،‭ ‬وزفوني‭ ‬إليهن‭ ‬بسيارة‭ ‬شيفر‭ ‬مقابض‭ ‬أبوابها‭ ‬من‭ ‬الذهب،‭ ‬مع‭ ‬التعهد‭ ‬بنقل‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬إلى‭ ‬جوانتنامو‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬لتكون‭ ‬تحت‭ ‬حراسة‭ ‬مشاة‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬حتى‭ ‬تتعهد‭ ‬بإدانة‭ ‬الإرهاب‭ ‬المنزلي‭ ‬كتابة‭ ‬وبالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬وبعدم‭ ‬إلحاق‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬بي،‭ ‬نظير‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬السمار‭ ‬الجعفري‭ ‬لما‭ ‬رضيت‭. ‬شوف‭ ‬كوندوليسا‭ ‬رايس‭ ‬وزيرة‭ ‬خارجية‭ ‬أمريكا‭ ‬السابقة‭: ‬سمار‭ ‬زي‭ ‬الفل‭ ‬أو‭ ‬الفلفل‭ ‬و‭-‬عيني‭ ‬باردة‭ ‬‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬الدنيا‭ ‬وتقعد‭ ‬بكلمة‭ ‬منها‭. ‬وكان‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬يعشقها‭ ‬وفبرك‭ ‬فيديو‭ ‬كليب‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬تشارك‭ ‬بالرقص‭ ‬معه،‭ ‬ولماذا‭ ‬نمشي‭ ‬بعيدا‭ ‬والأمريكان‭ ‬الذي‭ ‬اخترعوا‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬وقننوه‭ ‬تلفتوا‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬رئيس‭ ‬محترم‭ ‬يصلح‭ ‬الخرابيط‭ ‬واللخبطات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش،‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬لزعامة‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬الأسمريكا‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭. ‬وعندك‭ ‬عارضة‭ ‬الأزياء‭ ‬نيومي‭ (‬ناعومي‭) ‬كامبل‭ ‬التي‭ ‬إذا‭ ‬تمخطت‭ ‬في‭ ‬منديل‭ ‬ورقي،‭ ‬وألقت‭ ‬به‭ ‬أرضا‭ ‬تهافت‭ ‬عليه‭ ‬الصحفيون‭ ‬البيض‭ ‬ليحتفظوا‭ ‬به‭ ‬كتذكار‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا