العدد : ١٧٣٥٨ - الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٨ - الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

قضية مفتعلة

أتى‭ ‬على‭ ‬صحف‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬كانت‭ ‬تصوِّر‭ ‬فيه‭ ‬عاملات‭ ‬المنازل‭ ‬الآسيويات‭ ‬وكأنهن‭ ‬سبب‭ ‬ثقب‭ ‬الأوزون‭ ‬وضياع‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفشل‭ ‬منتخبات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬المضامير‭ ‬الدولية،‭ ‬وبموازاة‭ ‬ذلك،‭ ‬كانت‭ ‬قراءة‭ ‬تلك‭ ‬الصحف‭ ‬تجعلك‭ ‬تتخيل‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بقضية‭ ‬العنوسة،‭ ‬فكل‭ ‬صاحب‭ ‬قلم‭ ‬هاو‭ ‬أو‭ ‬محترف‭ ‬يدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬لتحسب‭ ‬أن‭ ‬نساء‭ ‬الخليج‭ ‬غير‭ ‬صالحات‭ ‬للزواج،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬يجمعون‭ ‬على‭ ‬بوارهن،‭ ‬ثم‭ ‬تقرأ‭ ‬الإحصاءات‭ ‬فتجد‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مليونين‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العشرينات‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬يصنفن‭ ‬على‭ ‬أنهن‭ ‬عوانس،‭ ‬وهكذا‭ ‬وبجرة‭ ‬قلم‭ ‬يتم‭ ‬إصدار‭ ‬حكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬المعنوي‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬الشباب،‭ ‬لأنهن‭ ‬تجاوزن‭ ‬العشرين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتزوجن،‭ ‬فإلصاق‭ ‬لقب‭ ‬عانس‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الثلاثينات‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬فيه‭ ‬قسوة‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬تعتبر‭ ‬العنوسة‭ ‬عيبا،‭ ‬وتعتبر‭ ‬المرأة‭ ‬المطلقة‭ ‬موضع‭ ‬شبهات‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬تكون‭ ‬بسبب‭ ‬تعنت‭ ‬البعل،‭ ‬وتعتبر‭ ‬الأرملة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬العشرينات‭ ‬امرأة‭ ‬سكند‭ ‬هاند،‭ ‬بل‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬نحسا‭ ‬وشؤما‮»‬‭.‬

وواقع‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬تجاوزن‭ ‬العشرين‭ ‬بلا‭ ‬زواج‭ ‬لأنهن‭ ‬طالبات‭ ‬علم،‭ ‬ولكن‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬يحولون‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬الزواج‭ ‬بالجامعيات‮»‬،‭ ‬ويطرحون‭ ‬عبر‭ ‬الصحف‭ ‬كلاما‭ ‬سخيفا‭ ‬يصور‭ ‬البنت‭ ‬الجامعية،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كائن‭ ‬نبت‭ ‬بلا‭ ‬أصالة‭ ‬أو‭ ‬جذور،‭ ‬وكأن‭ ‬رسالة‭ ‬الجامعة‭ ‬هي‭ ‬إعداد‭ ‬فتيات‭ ‬لا‭ ‬يعرفن‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬مقتضيات‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭! ‬ويخيل‭ ‬إلي‭ ‬أن‭ ‬مرد‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ولعنا‭ ‬نحن‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء‭ ‬بالألقاب،‭ ‬فمن‭ ‬يدخل‭ ‬منا‭ ‬الجامعة‭ ‬يحسب‭ ‬أنه‭ ‬أتى‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬تستطعه‭ ‬الأوائل،‭ ‬ومن‭ ‬ينال‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الكبسة‭ ‬بالفيمتو‭ ‬لا‭ ‬يرد‭ ‬التحية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تناديه‭ ‬بـ‮«‬يا‭ ‬دكتور‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬عهد‭ ‬المبروك‭ ‬حسني‭ ‬دارت‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬المصري‭ ‬رحى‭ ‬معركة‭ ‬شرسة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طالب‭ ‬العسكريون‭ ‬المتقاعدون‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬ألا‭ ‬يناديهم‭ ‬أحد‭ ‬بأسمائهم‭ ‬‮«‬حاف‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬لازم‭ ‬‮«‬سعادة‭ ‬اللواء‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬منطقهم‭: ‬اشمعنى‭ ‬الحاصلون‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه؟‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬استخدام‭ ‬المنقلة‭ ‬والمثلث‭ ‬والمسطرة،‭ ‬يسمي‭ ‬نفسه‭ ‬مهندسا‭.‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حادث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الفتاة‭ ‬الجامعية‭ ‬أصحبت‭ ‬بعبعا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الرجال‭ ‬غير‭ ‬الجامعيين‭ ‬أو‭ ‬الجامعيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬زوجات‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬مستواهم‭ ‬التعليمي‭ ‬ليمارسوا‭ ‬عليهن‭ ‬الاستعلاء‭. ‬ولعلي‭ ‬كتبت‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬السعودية‭ ‬قبل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬صاحبنا‭ ‬الحائز‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬وأصيب‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي‭ ‬عندما‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬نظرية‭ ‬فيثاغورس‭ ‬وطلقها‭. ‬والله‭ ‬مشكلة‭: ‬يعني‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬ذات‭ ‬تعليم‭ ‬نص‭ ‬كُم‭ ‬يتم‭ ‬تفنيشها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬جامعية‭ ‬اعتبروها‭ ‬متفلسفة‭ (‬انظر‭ ‬كيف‭ ‬نسيء‭ ‬الظن‭ ‬بالفلسفة‭ ‬ونرمي‭ ‬المتحذلقين‭ ‬والمتنطعين‭ ‬بالتفلسف‭!)‬،‭.. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إلقاء‭ ‬الكرة‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬بزعم‭ ‬أنهم‭ ‬يغالون‭ ‬في‭ ‬المهور،‭ ‬ولا‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬أو‭ ‬أما‭ ‬يضع‭ ‬تسعيرة‭ ‬معينة‭ ‬لتزويج‭ ‬ابنته‭ ‬إذا‭ ‬وجد‭ ‬لها‭ ‬الزوج‭ ‬المناسب،‭ ‬فمعظم‭ ‬أهلنا‭ ‬يطلبون‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالستر،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الكثيرين‭ ‬مستعدون‭ ‬لتزويج‭ ‬بناتهم‭ ‬بسعر‭ ‬التكلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تفشي‭ ‬الاستهلاك‭ ‬التفاخري‭ ‬يجعلنا‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬البهرجة‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬والأتراح‭.‬

كتبت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬عمودي‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬منفرجة‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬عكاظ‭ ‬السعودية‭ ‬عن‭ ‬قسوة‭ ‬توصيف‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الشابات‭ ‬بالعوانس،‭ ‬وفي‭ ‬رسالة‭ ‬بعث‭ ‬بها‭ ‬إلي‭ ‬قارئ‭ ‬تعقيبا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المقال،‭ ‬جاء‭ ‬أن‭ ‬طرح‭ ‬البنزين‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬فاقم‭ ‬قضية‭ ‬العنوسة‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البنزين‭ ‬غالي‭ ‬الثمن‭ ‬ولأن‭ ‬إطعام‭ ‬السيارة‭ ‬يأتي‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬ضرب‭ ‬مثلا‭ ‬بالموظف‭ ‬متوسط‭ ‬الحال‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬تكبد‭ ‬نفقات‭ ‬المعيشة‭ ‬والهاتف‭ ‬والكهرباء‭ ‬والإضافات‭ ‬الضرورية‭ ‬لتكشيخ‭ ‬السيارة‭!! ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬هذا‭ ‬بيت‭ ‬الداء‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬صاحب‭ ‬الرسالة‭: ‬موظف‭ ‬تعبان،‭ ‬ويريد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬الموظف‭ ‬الشبعان،‭ ‬ثم‭ ‬يتباكى‭ ‬على‭ ‬غلاء‭ ‬المهور،‭ ‬وارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭: ‬ما‭ ‬للموظف‭ ‬الغلبان‭ ‬والعسل،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بشهر‭ ‬مربى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تمر؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا