زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
قضية مفتعلة
أتى على صحف الخليج العربي حين من الدهر، كانت تصوِّر فيه عاملات المنازل الآسيويات وكأنهن سبب ثقب الأوزون وضياع فلسطين، وفشل منتخبات كرة القدم في المضامير الدولية، وبموازاة ذلك، كانت قراءة تلك الصحف تجعلك تتخيل أن أم القضايا في المنطقة هي ما يسمى بقضية العنوسة، فكل صاحب قلم هاو أو محترف يدلي بدلوه فيها، حتى لتحسب أن نساء الخليج غير صالحات للزواج، بدليل أن الكل يجمعون على بوارهن، ثم تقرأ الإحصاءات فتجد مثلا أن هناك مليونين ونصف المليون فتاة في منتصف العشرينات في المملكة العربية السعودية يصنفن على أنهن عوانس، وهكذا وبجرة قلم يتم إصدار حكم بالإعدام المعنوي على مئات الآلاف من الفتيات في ريعان الشباب، لأنهن تجاوزن العشرين دون أن يتزوجن، فإلصاق لقب عانس حتى على من هي في الثلاثينات من العمر فيه قسوة بالغة في مجتمعات تعتبر العنوسة عيبا، وتعتبر المرأة المطلقة موضع شبهات رغم أن معظم حالات الطلاق تكون بسبب تعنت البعل، وتعتبر الأرملة، حتى لو كانت في أول العشرينات امرأة سكند هاند، بل يعتبرها البعض «نحسا وشؤما».
وواقع الأمر هو أن الكثير من الفتيات تجاوزن العشرين بلا زواج لأنهن طالبات علم، ولكن الشباب من الرجال يحولون هذا الأمر أيضا إلى قضية اسمها «الزواج بالجامعيات»، ويطرحون عبر الصحف كلاما سخيفا يصور البنت الجامعية، على أنها كائن نبت بلا أصالة أو جذور، وكأن رسالة الجامعة هي إعداد فتيات لا يعرفن شيئا عن مقتضيات الحياة الزوجية! ويخيل إلي أن مرد ذلك هو ولعنا نحن رجالا ونساء بالألقاب، فمن يدخل منا الجامعة يحسب أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل، ومن ينال دكتوراه في صنع الكبسة بالفيمتو لا يرد التحية ما لم تناديه بـ«يا دكتور»، وعلى عهد المبروك حسني دارت في البرلمان المصري رحى معركة شرسة بعد أن طالب العسكريون المتقاعدون من النواب ألا يناديهم أحد بأسمائهم «حاف»، يعني لازم «سعادة اللواء» وكان منطقهم: اشمعنى الحاصلون على الدكتوراه؟ وفي العالم العربي فكل من يستطيع استخدام المنقلة والمثلث والمسطرة، يسمي نفسه مهندسا.
المهم أن ما هو حادث هو أن الفتاة الجامعية أصحبت بعبعا في نظر الرجال غير الجامعيين أو الجامعيين الذين لا يريدون زوجات في نفس مستواهم التعليمي ليمارسوا عليهن الاستعلاء. ولعلي كتبت عشرات المرات نقلا عن إحدى الصحف السعودية قبل بضع سنوات عن صاحبنا الحائز الدكتوراه في الرياضيات وأصيب بانهيار عصبي عندما اكتشف أن زوجته لا تعرف نظرية فيثاغورس وطلقها. والله مشكلة: يعني إذا كانت الزوجة ذات تعليم نص كُم يتم تفنيشها، وإذا كانت جامعية اعتبروها متفلسفة (انظر كيف نسيء الظن بالفلسفة ونرمي المتحذلقين والمتنطعين بالتفلسف!)،.. وعادة ما يتم إلقاء الكرة في ملعب الآباء والأمهات، بزعم أنهم يغالون في المهور، ولا أحسب أن أبا أو أما يضع تسعيرة معينة لتزويج ابنته إذا وجد لها الزوج المناسب، فمعظم أهلنا يطلبون ما يسمى بالستر، بل إن الكثيرين مستعدون لتزويج بناتهم بسعر التكلفة، ولكن واقع الأمر هو أن تفشي الاستهلاك التفاخري يجعلنا رجالا ونساء نحرص على البهرجة في الأفراح والأتراح.
كتبت قبل سنوات في عمودي «زاوية منفرجة» في صحيفة عكاظ السعودية عن قسوة توصيف فئة من الشابات بالعوانس، وفي رسالة بعث بها إلي قارئ تعقيبا على ذلك المقال، جاء أن طرح البنزين الخالي من الرصاص في السعودية فاقم قضية العنوسة لأن هذا النوع من البنزين غالي الثمن ولأن إطعام السيارة يأتي أولا، ثم ضرب مثلا بالموظف متوسط الحال وكيف أنه يتعين عليه تكبد نفقات المعيشة والهاتف والكهرباء والإضافات الضرورية لتكشيخ السيارة!! فقلت له: هذا بيت الداء يا صديقي صاحب الرسالة: موظف تعبان، ويريد كل ما عند الموظف الشبعان، ثم يتباكى على غلاء المهور، وارتفاع كلفة شهر العسل: ما للموظف الغلبان والعسل، لماذا لا يكتفي بشهر مربى أو حتى تمر؟
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك