وقت مستقطع

علي ميرزا
قلب الطاولة
مشهد يتكرر في مختلف الألعاب الرياضية، ومنها الكرة الطائرة، فنجد فريقا يبدأ المباراة مرتبكا ومتأخرا على مستوى الأشواط، لكن سرعان ما ينفض عن نفسه غبار البداية الباهتة، ليعود بقوة ويقلب الأوضاع على منافسه رأسا على عقب، ويخرج في نهاية الطواف منتصرا وسط ذهول الجميع، بما فيهم المنافس الذي كان في طريقه لحسم النتيجة.
بدورنا نتساءل: ما سر هذه التحولات المفاجئة؟ هل هي مجرد «انتعاشة عابرة»؟ أم أن وراءها أسبابا أكبر تستحق منا التوقف عندها ومناقشتها؟
في مثل هذه المواقف، لا نعتقد أن الجهاز الفني يقف مكتوف الأيدي ويرى فريقه يصرخ «إني أغرق»، فمهمة المدرب قراءة المباراة بدقة، ويمتلك الجرأة على تغيير الخطة، أو تبديل اللاعبين في اللحظة المناسبة، وفي الكرة الطائرة على سبيل التمثيل، مجرد تعديل مراكز الاستقبال أو إدخال لاعب بديل صاحب روح قتالية يمكن أن يعيد الروح للفريق بأكمله.
ولكن العامل الفني وحده غير كاف، فالفرق التي تمتلك «ثقافة الفوز» تجعل اللاعبين يرفضون الاستسلام للخسارة تحت أي ظرف كان، هذه الثقافة وراءها تراكم خبرات، وإيمان راسخ بأن النتيجة لا تحسم حتى النقطة الأخيرة، وهنا تتجلى شخصية الفريق الكبير الذي يعرف كيف يقف على قدميه في أحلك اللحظات.
وكثير من الفرق تقع فريسة الاطمئنان المبكر، فيتراجع تركيزها وإيقاعها، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام عودة المنافس، وهنا يظهر الفرق بين من يملك عقلية «الانتصار حتى النهاية»، ومن يظن أن المباراة حسمت قبل وقتها.
وهناك أمر آخر ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار، ويتمثل في الجانب النفسي والبدني، فالفريق الذي يملك مخزونا لياقيا عاليا يستطيع أن يضغط أكثر مع مرور الوقت، فيما يتراجع الفريق الآخر بدنيا، كما أن القيام بحائط صد ناجح أو تنفيذ إرسال ساحق من شأنهما أن يولدا شرارة تحول ذهني تعيد الفريق إلى المباراة.
إن قلب النتائج في المنافسة الرياضية ليس نتاج سبب واحد بل هو مزيج من قراءة فنية واعية، وروح قتالية رافضة للهزيمة، وأخطاء شخصية من المنافس، إضافة إلى عوامل بدنية ونفسية متشابكة، ليتأكد لنا أن الرياضة ليست حسابات جامدة، بل هي صراع عقول وأرواح قبل أن تكون صراعَ أجسام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك