العدد : ١٧٣٥٧ - الثلاثاء ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٧ - الثلاثاء ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

قلب الطاولة

مشهد‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الألعاب‭ ‬الرياضية،‭ ‬ومنها‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة،‭ ‬فنجد‭ ‬فريقا‭ ‬يبدأ‭ ‬المباراة‭ ‬مرتبكا‭ ‬ومتأخرا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأشواط،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينفض‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬غبار‭ ‬البداية‭ ‬الباهتة،‭ ‬ليعود‭ ‬بقوة‭ ‬ويقلب‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬منافسه‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬ويخرج‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الطواف‭ ‬منتصرا‭ ‬وسط‭ ‬ذهول‭ ‬الجميع،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬المنافس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬لحسم‭ ‬النتيجة‭.‬

بدورنا‭ ‬نتساءل‭: ‬ما‭ ‬سر‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬المفاجئة؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬انتعاشة‭ ‬عابرة»؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬وراءها‭ ‬أسبابا‭ ‬أكبر‭ ‬تستحق‭ ‬منا‭ ‬التوقف‭ ‬عندها‭ ‬ومناقشتها؟

في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬لا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬الجهاز‭ ‬الفني‭ ‬يقف‭ ‬مكتوف‭ ‬الأيدي‭ ‬ويرى‭ ‬فريقه‭ ‬يصرخ‭ ‬‮«‬إني‭ ‬أغرق‮»‬،‭ ‬فمهمة‭ ‬المدرب‭ ‬قراءة‭ ‬المباراة‭ ‬بدقة،‭ ‬ويمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الخطة،‭ ‬أو‭ ‬تبديل‭ ‬اللاعبين‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬المناسبة،‭ ‬وفي‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل،‭ ‬مجرد‭ ‬تعديل‭ ‬مراكز‭ ‬الاستقبال‭ ‬أو‭ ‬إدخال‭ ‬لاعب‭ ‬بديل‭ ‬صاحب‭ ‬روح‭ ‬قتالية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الروح‭ ‬للفريق‭ ‬بأكمله‭.‬

ولكن‭ ‬العامل‭ ‬الفني‭ ‬وحده‭ ‬غير‭ ‬كاف،‭ ‬فالفرق‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬الفوز‮»‬‭ ‬تجعل‭ ‬اللاعبين‭ ‬يرفضون‭ ‬الاستسلام‭ ‬للخسارة‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ظرف‭ ‬كان،‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬وراءها‭ ‬تراكم‭ ‬خبرات،‭ ‬وإيمان‭ ‬راسخ‭ ‬بأن‭ ‬النتيجة‭ ‬لا‭ ‬تحسم‭ ‬حتى‭ ‬النقطة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهنا‭ ‬تتجلى‭ ‬شخصية‭ ‬الفريق‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬اللحظات‭.‬

وكثير‭ ‬من‭ ‬الفرق‭ ‬تقع‭ ‬فريسة‭ ‬الاطمئنان‭ ‬المبكر،‭ ‬فيتراجع‭ ‬تركيزها‭ ‬وإيقاعها،‭ ‬مما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬أمام‭ ‬عودة‭ ‬المنافس،‭ ‬وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬عقلية‭ ‬‮«‬الانتصار‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬المباراة‭ ‬حسمت‭ ‬قبل‭ ‬وقتها‭.‬

وهناك‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نأخذه‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬ويتمثل‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬النفسي‭ ‬والبدني،‭ ‬فالفريق‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬مخزونا‭ ‬لياقيا‭ ‬عاليا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يضغط‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬فيما‭ ‬يتراجع‭ ‬الفريق‭ ‬الآخر‭ ‬بدنيا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القيام‭ ‬بحائط‭ ‬صد‭ ‬ناجح‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬إرسال‭ ‬ساحق‭ ‬من‭ ‬شأنهما‭ ‬أن‭ ‬يولدا‭ ‬شرارة‭ ‬تحول‭ ‬ذهني‭ ‬تعيد‭ ‬الفريق‭ ‬إلى‭ ‬المباراة‭.‬

إن‭ ‬قلب‭ ‬النتائج‭ ‬في‭ ‬المنافسة‭ ‬الرياضية‭ ‬ليس‭ ‬نتاج‭ ‬سبب‭ ‬واحد‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬فنية‭ ‬واعية،‭ ‬وروح‭ ‬قتالية‭ ‬رافضة‭ ‬للهزيمة،‭ ‬وأخطاء‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬المنافس،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عوامل‭ ‬بدنية‭ ‬ونفسية‭ ‬متشابكة،‭ ‬ليتأكد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الرياضة‭ ‬ليست‭ ‬حسابات‭ ‬جامدة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬صراع‭ ‬عقول‭ ‬وأرواح‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صراعَ‭ ‬أجسام‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا