قد يتساءل بعض الناس عن أهمية التوعية من مخاطر المنصات الرقمية والألعاب الإلكترونية ورفع مستوى الوعي لدى الطلبة وأولياء الأمور حول هذه المخاطر، وتعزيز استخدام أدوات الرقابة الأبوية المتاحة في الأجهزة التي يستخدمها النشء بشكل هستيري، وهذه تُعد ضرورة ملزمة لعدة أسباب رئيسية، منها؛ الحماية النفسية والسلوكية للناشئة فالاستخدام المفرط للألعاب قد يؤدي إلى الإدمان الرقمي ويؤثر في الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب والعزلة، وبعض الألعاب تحمل محتوى عنيفا أو غير أخلاقي أو غير مناسب لقيمنا وعاداتنا الإسلامية المحافظة، مما قد ينعكس بشكل سلبي على سلوكياتهم وتنشئتهم.
الأمن الرقمي وحماية الخصوصية أحد أهم المخاطر التي يتعرض لها الناشئة، حيث إن كثيرا من المنصات تتطلب تسجيل بيانات شخصية، فيعرض الأطفال والمراهقين لمخاطر الاختراق أو الاستغلال الإلكتروني وبعضها تتطلب دفع رسوم مالية وهذه إحدى صور الاستنزاف المالي غير المقصود، حيث يقوم بعض الأطفال بعمليات شراء متكررة داخل الألعاب (In-App Purchases) دون إدراك حجم المبالغ مما يسبب خسائر مالية كبيرة للأسرة، فالطفل لا يميز بين النقود الحقيقية والعملات الافتراضية داخل اللعبة، فيُنفق بلا حدود وكثير من شركات الألعاب تصمم أنظمة دفع وإشعارات مغرية تستهدف الأطفال مباشرة لجعلهم يشترون ترقيات أو عناصر إضافية، وغالباً ما يكون استرداد المبالغ صعباً أو محدوداً، كما أن مشاركة بيانات البطاقة البنكية للوالدين على أجهزة يستخدمها الأطفال قد يزيد من خطر الاختراق أو إساءة الاستخدام، لذا من الضروري تعزيز الوعي الأسري واستخدام أدوات الرقابة لضمان حماية المال والطفل معاً،Top of FormBottom of Form أضف إلى ذلك أن بعض الألعاب تحتوي على دردشات مفتوحة قد يستغلها الغرباء بطرق سلبية أو خطيرة، ولعلي في هذه الجزئية أشيد بمقطع توعوي أعده المخرج البحريني المتميز جمعان الرويعي حول خطر هذه الدردشات على المراهقين تحديداً، وكم نحن بحاجة إلى مبادرات مجتمعية هادفة تُسهم في توعية الناشئة وأولياء أمورهم بخطر هذه المنصات الرقمية والألعاب الإلكترونية.
أما فيما يتعلق بتأثيراتها الأكاديمية والتربوية، فالإفراط في اللعب يسبب تراجعاً في المستوى الدراسي بسبب إهمال الواجبات وقلة التركيز، والسهر لأوقات متأخرة من الليل في ظل غياب الرقابة الأبوية على الأبناء مما جعل اللعبة بديلاً عن التنشئة التربوية السليمة، وهذا بدوره أضعف دور المدرسة والأسرة ويضعف دافعية الطالب إلى الإقبال على التعلم والفهم بسبب قلة النوم وتأثر العقل بالمحتوى السلبي لهذه الألعاب والمنصات الرقمية وسيطرتها على تفكير النشء بشكل خطير جداً.
وهناك الأضرار الأخرى ما يتعلق بالصحة الجسدية، فيُعد الجلوس الطويل أمام الأجهزة يسبب مشكلات لا حصر لها كالسمنة وضعف النظر وآلام الظهر والرقبة وضعف العضلات بسبب قلة الحركة، فغياب التوازن بين النشاط البدني والألعاب الإلكترونية يؤثر في النمو الصحي للأطفال.
حماية الأطفال واليافعين من هذه المخاطر في المقام الأول هي مسؤولية الأسرة، كونها اللبنة الأساسية في تنشئة الفرد التنشئة السليمة، ثم يأتي دور الشراكة المجتمعية كمؤسسات المجتمع المدني والمدرسة ودور العبادة وصنّاع القرار والمؤثرين بمختلف المجالات، وغياب التوعية يفتح المجال أمام تفاقم مشكلات مجتمعية مثل العنف والتفكك الأسري وضعف العلاقات الاجتماعية، لذلك تُعتبر التوعية ضرورة ملزمة لأنها تمثل خط الدفاع الأول لحماية العقل والسلوك والصحة والأمن الرقمي للجيل الجديد.
وقد نجحت بعض الدول في تقديم تجارب ملهمة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال: كوريا الجنوبية أطلقت برنامج «غرفة اللعب الآمن» الذي يتيح للأطفال ممارسة الألعاب تحت إشراف تربوي ونفسي، مع تخصيص أوقات محددة للعب، دولة الإمارات العربية المتحدة أطلقت حملات «الوعي الرقمي» في المدارس تقدم من خلالها ورش عمل عملية لأولياء الأمور والطلبة حول الاستخدام الآمن للألعاب والمنصات الإلكترونية ، كذلك المملكة المتحدة وفّرت منصات إلكترونية رسمية تُمكّن الأسر من الوصول إلى أدلة شاملة حول تفعيل الرقابة الأبوية، وتقديم نصائح حول إدارة الوقت وحماية الخصوصية.
هذه النماذج تُظهر أن التوعية لا تتحقق فقط عبر التحذير من المخاطر، بل أيضاً من خلال توفير البدائل الإيجابية، وإشراك الأسرة والمجتمع في بناء ثقافة رقمية آمنة ومتوازنة.
هنا لا بد لنا أن نشيد بدور لجنة مكافحة العنف والإدمان برئاسة معالي الشيخ هشام بن عبدالرحمن آل خليفة، وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة في ترسيخ قيم الانتماء الإيجابية وتوعية الطلبة بمخاطر السلوكيات السلبية ونشر الأساليب الصحيحة للوقاية من مخاطر منصات الألعاب الإلكترونية وحمايةً النشء، وذلك عبر رفع مستوى الوعي لدى الطلبة وأولياء الأمور بمخاطر الاستخدام المفرط أو غير المنضبط، وتفعيل أدوات الرقابة الأبوية المتاحة في الأجهزة والمنصات الحديثة وتطوير برامج توعوية وإرشادية تُبرز أساليب الاستخدام الآمن والمتوازن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك