العدد : ١٧٣٥٤ - السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٤ - السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

ترامب وكل هذه المغالطات

يبدو‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬وحين‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬مواقفه‭ ‬وسياساته‭ ‬وآرائه‭ ‬كمن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬خاص‭ ‬به‭ ‬اشبه‭ ‬بالعالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالواقع‭.‬

ترامب‭ ‬حين‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬مواقفه‭ ‬وآرائه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭ ‬يدافع‭ ‬عنها‭ ‬بحماس‭ ‬شديد‭ ‬ويرددها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حقائق‭ ‬دامغة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬غريب‭ ‬للحقائق‭ ‬وعلى‭ ‬مغالطات‭ ‬فجة‭.‬

من‭ ‬الممكن‭ ‬التجاوز‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتصريح‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬عابر‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬قضيه‭ ‬ما‭ ‬او‭ ‬إزاء‭ ‬تطور‭ ‬ما‭. ‬لكن‭ ‬الغريب‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬القاه‭ ‬امام‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬باسم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬انطوى‭ ‬وبشكل‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الغرابة‭ ‬على‭ ‬مغالطات‭ ‬فجة‭ ‬وتجاهل‭ ‬تام‭ ‬لحقائق‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬كله‭.‬

ولنا‭ ‬ان‭ ‬نتأمل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭.‬

ترامب‭ ‬انتقد‭ ‬بعنف‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واعتبر‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬‮«‬مكافأة‭ ‬على‭ ‬فظائع‭ ‬حماس‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬هجوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‮»‬‭. ‬وقال‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬باعترافها‭ ‬بفلسطين‭ ‬‮«‬تشجع‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬وتقدم‭ ‬مكافآت‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭ ‬لإرهابيي‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬اعمالهم‭ ‬الوحشية‮»‬‭.‬

أولا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ترامب‭ ‬اهانة‭ ‬لكل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬باستثناء‭ ‬دول‭ ‬قليلة،‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تعترف‭ ‬بالفعل‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وان‭ ‬يأتي‭ ‬ترامب‭ ‬ويتهم‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬هذه‭ ‬بدعم‭ ‬وتشجيع‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬هو‭ ‬إرهابا‭ ‬يعتبر‭ ‬إهانة‭ ‬كبرى‭.‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ان‭ ‬ترامب‭ ‬ببساطة‭ ‬شديدة‭ ‬يتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬كبرى‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬يتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬ان‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬امر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بحماس‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬ولا‭ ‬بأي‭ ‬تطورات‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭. ‬انه‭ ‬حق‭ ‬فلسطيني‭ ‬تاريخي‭ ‬شرعي‭ ‬وثابت‭ ‬بموجب‭ ‬كل‭ ‬قرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬اقرته‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

وترامب‭ ‬الذي‭ ‬خصص‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬خطابه‭ ‬للتنديد‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بفلسطين‭ ‬وبما‭ ‬اعتبره‭ ‬اعمالا‭ ‬وحشية‭ ‬لحماس،‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والابادة‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وافزعت‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬كأن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬امر‭ ‬تافه‭ ‬عابر‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عنده‭. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بدولة‭ ‬عظمى‭ ‬تقول‭ ‬انها‭ ‬تقود‭ ‬العالم‭.‬

وترامب‭ ‬خصص‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬خطابه‭ ‬للسخرية‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وتسفيه‭ ‬دورها‭ ‬والتحقير‭ ‬منه‭. ‬قال‭ ‬ان‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تمتلك‭ ‬إمكانيات‭ ‬هائلة‭ ‬لكن‭ ‬اداءها‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬المطلوب،‭ ‬وانها‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬كلمات‭ ‬فارغة‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬الحروب‮»‬‭.‬

الكل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بالفعل‭ ‬بالدور‭ ‬المفترض‭ ‬لحفظ‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬الجوهري‭ ‬الذي‭ ‬تجاهله‭ ‬ترامب‭ ‬انه‭ ‬هو‭ ‬شخصيا‭ ‬بالذات‭ ‬وبلده‭ ‬أمريكا‭ ‬السبب‭ ‬الأكبر‭ ‬لعجز‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬وشلها‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬بدورها‭.‬

يكفي‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬عجز‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬وفي‭ ‬غزة‭. ‬السبب‭ ‬الوحيد‭ ‬تقريبا‭ ‬لهذا‭ ‬العجز‭ ‬هو‭ ‬ترامب‭ ‬وادارته‭. ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬استخدم‭ ‬ترامب‭ ‬الفيتو‭ ‬لمنع‭ ‬صدور‭ ‬اي‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬واي‭ ‬انتقاد‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وتنديد‭ ‬بجرائمها‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬ترامب‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.. ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬معاقبة‭ ‬أي‭ ‬منظمة‭ ‬دولية‭ ‬تابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬ادانة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬والابادة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬او‭ ‬تدعو‭ ‬لمعاقبتهم‭ ‬او‭ ‬الى‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭. ‬نعرف‭ ‬جميعا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬وقضاتها‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

وغير‭ ‬هذا،‭ ‬وبأوامر‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬ترامب،‭ ‬أعلنت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولية‭ ‬كبرى‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬عالميا‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬واتفاق‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ،‭ ‬واليونسكو‭ ‬ومجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب‭ ‬لم‭ ‬تسدد‭ ‬حصتها‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬البالغة‭ ‬22‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الميزانية،‭ ‬بل‭ ‬استرجعت‭ ‬نحو‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

بأي‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬اذن‭ ‬يهاجم‭ ‬ترامب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ويتطاول‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬دورها؟‭.‬

امر‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬استفزني‭ ‬شخصيا‭ ‬كعربي‭ ‬مسلم‭. ‬اعني‭ ‬هجومه‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬شنه‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬لندن‭ ‬صادق‭ ‬خان‭. ‬معروف‭ ‬بالطبع‭ ‬ان‭ ‬سبب‭ ‬هجومه‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬عمدة‭ ‬لندن‭ ‬ينتقد‭ ‬ترامب‭ ‬وسياساته‭. ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬ان‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ليست‭ ‬ساحة‭ ‬أصلا‭ ‬لتصفية‭ ‬حسابات‭ ‬شخص‭.‬

الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استفزني‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬ترامب‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬خطرا‭ ‬شديدا‭ ‬يمثله‭ ‬خان‭ ‬قال‭ ‬انه‭ ‬سوف‭ ‬يطبق‭ ‬قريبا‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬لندن‭. ‬دعك‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ترامب‭ ‬يعني‭ ‬تسفيها‭ ‬للشريعة‭ ‬الاسلامية‭ ‬واعتبار‭ ‬انها‭ ‬تمثل‭ ‬خطرا‭ ‬شديدا‭.‬

ما‭ ‬لك‭ ‬انت‭ ‬والشريعة‭ ‬الإسلامية؟‭.. ‬هذا‭ ‬ديننا‭ ‬وهذه‭ ‬عقيدتنا‭ ‬عليك‭ ‬ان‭ ‬تحترمها‭ ‬كما‭ ‬نحترم‭ ‬نحن‭ ‬دينكم‭ ‬وعقائدكم‭.‬

ما‭ ‬ذكرته‭ ‬هو‭ ‬بعض‭ ‬فقط‭ ‬مما‭ ‬تضمنه‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬مغالطات‭.‬

العجيب‭ ‬جدا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬المغالطات‭ ‬والتي‭ ‬انطوى‭ ‬عليها‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب،‭ ‬فإنه‭ ‬قدم‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬انه‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬سلام‮»‬‭ ‬وانه‭ ‬يستحق‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭!!.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا