العدد : ١٧٣٥٦ - الاثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٦ - الاثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

بلاش تلفزيون

أنظر‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬إلى‭ ‬جهاز‭ ‬عجيب‭ ‬يجثم‭ ‬فوق‭ ‬طاولة‭ ‬في‭ ‬بيتنا،‭ ‬وعلى‭ ‬واجهته‭ ‬دوائر‭ ‬صغيرة،‭ ‬وأتساءل‭: ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬يا‭ ‬ربي؟‭ ‬ثم‭ ‬أدرك‭ ‬أنه‭ ‬الهاتف‭ ‬الأرضي،‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الشيخوخة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وصار‭ ‬عزيز‭ ‬قوم‭ ‬ذل،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يستخدمه‭ ‬أحد‭ ‬طوال‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬سنة؟‭ ‬ولكن‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬استرد‭ ‬ذلك‭ ‬الهاتف‭ ‬عافيته‭ ‬ورن،‭ ‬فنهضت‭ ‬فزعا‭ ‬جزعا،‭ ‬ورفعت‭ ‬السماعة‭ ‬فإذا‭ ‬بصديق‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬سفر‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬رقم‭ ‬هاتفي‭ ‬الجوال‭. ‬وسبب‭ ‬الفزع‭ ‬والجزع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬يتواصلون‭ ‬معي‭ ‬هاتفيا‭ ‬يعرفون‭ ‬أنني‭ ‬أرفض‭ ‬الزيارات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاتصالات‭ ‬الهاتفية‭ ‬بعد‭ ‬التاسعة‭ ‬مساء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬سماع‭ ‬صوت‭ ‬شخص‭ ‬أعرفه‭ ‬ويعرفني‭ ‬جيدا‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬أقلقني،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬بلهفة‭: ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬لي‭ ‬انك‭ ‬مت‭ ‬إثر‭ ‬علة‭ ‬أمهلتك‭ ‬طويلا،‭ ‬او‭ ‬في‭ ‬العناية‭ ‬الفائقة‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬اثر‭ ‬حادث‭ ‬اليم‭! ‬قال‭: ‬الشر‭ ‬بره‭ ‬وبعيد،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أريد‭ ‬منك‭ ‬ان‭ ‬تفتح‭ ‬قناة‭ ‬كذا‭ ‬الفضائية،‭ ‬لترى‭ ‬البرنامج‭ ‬المقدم‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭!! ‬وددت‭ ‬لو‭ ‬أستطيع‭ ‬لف‭ ‬حبل‭ ‬التلفون‭ ‬حول‭ ‬عنقه‭ ‬وأوصله‭ ‬الى‭ ‬العناية‭ ‬الفائقة‭ ‬لتكتب‭ ‬الصحف‭ ‬انه‭ ‬مات‭ ‬خنقا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غامضة‭!! ‬المهم‭ ‬انني‭ ‬شتمته‭ ‬بالعربية‭ ‬والنوبية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬والبلجيكية،‭ ‬فازداد‭ ‬إصرارا‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬أتابع‭ ‬البرنامج،‭ ‬مضيفا‭ ‬انه‭ ‬يستحسن‭ ‬ان‭ ‬افعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهر‭ ‬زوجتي‭!! ‬هنا‭ ‬أدركت‭ ‬ان‭ ‬مشاهدة‭ ‬ذلك‭ ‬البرنامج‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬الخيانة‭ ‬الزوجية،‭ ‬فأيقظت‭ ‬ام‭ ‬العيال‭ ‬وسردت‭ ‬لها‭ ‬أمر‭ ‬المكالمة،‭ ‬فاقترحت‭ ‬ان‭ ‬القي‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬فلربما‭ ‬كان‭ ‬متعلقا‭ ‬بأمر‭ ‬مهم،‭ ‬يتعلق‭ ‬بعملي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬والله‭ ‬لو‭ ‬عجنوا‭ ‬كافة‭ ‬القنوات‭ ‬العربية‭ ‬وخبزوها‭ ‬لما‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬ناتج‭ ‬ذلك‭ ‬امرا‭ ‬جديرا‭ ‬بالاهتمام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الساعة‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬لأن‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬شيئا‭ ‬ذا‭ ‬بال‭ ‬بعد‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء‭!! ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فتحت‭ ‬التلفزيون‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬القناة‭ ‬ووجدت‭ ‬راقصة‭ ‬معروفة‭ ‬تتوسط‭ ‬الشاشة‭ ‬مرتدية‭ ‬ما‭ ‬قل‭ ‬ودل‭ (‬لن‭ ‬أذكر‭ ‬اسم‭ ‬القناة‭ ‬او‭ ‬البرنامج‭ ‬ليس‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الملاحقة‭ ‬القضائية‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬‮«‬القوادة‮»‬‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬تلخص‭ ‬رأيي‭ ‬فيما‭ ‬شاهدته‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬معها‭ ‬واحدة‭ ‬أكثر‭ ‬ابتذالا‭ ‬قالوا‭ ‬انها‭ ‬صحفية،‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬املك‭ ‬صحيفة‭ ‬تصدر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬دورات‭ ‬المياه‭ ‬المستعمل‭ ‬لما‭ ‬سمحت‭ ‬لها‭ ‬بالكتابة‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬توافقونني‭ ‬الرأي‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تقرأوا‭ ‬لاحقا‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬أقوالها‭ ‬الماسورة‭ (‬وهي‭ ‬غير‭ ‬المأثورة‭)!! ‬ما‭ ‬استفزني‭ ‬وحملني‭ ‬على‭ ‬تقطيع‭ ‬هدومي‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الراقصة‭ ‬والغانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬معها‭ ‬بدأتا‭ ‬الحديث‭ ‬بتحية‭ ‬‮«‬المجاهدين‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬والمرأة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لصمودها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفاجر‭. ‬ونعاهد‭ ‬أمتنا‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬النضال‭ ‬حتى‭ ‬تقوم‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭. ‬وسنكرس‭ ‬كل‭ ‬إمكاناتنا‭ ‬لنصرة‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‮»‬‭ ‬صحت‭ ‬فيهما‭: ‬يا‭ ‬بنات‭ ‬قراد‭ ‬الكلب‭ ‬لا‭ ‬تلوثا‭ ‬اسم‭ ‬فلسطين‭ ‬بشفتيكما‭ ‬الوسختين‭ ‬وعززا‭ ‬صمودكما‭ ‬أمام‭ ‬النقوط‭ ‬التي‭ ‬يحشرها‭ ‬صناديد‭ ‬علب‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬صدريكما‭ ‬اللذين‭ ‬تعتاشان‭ ‬من‭ ‬هزهما‭!! ‬ثم‭ ‬دخلوا‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ (‬إذا‭ ‬جاز‭ ‬أن‭ ‬نسمي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حركات‭ ‬الرقص‭ ‬الشرقي‭ ‬‮«‬موضوعا‮»‬‭)‬،‭ ‬وجاء‭ ‬واحد‭ ‬يدل‭ ‬اسمه‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬رجل‭ ‬ليحدثنا‭ ‬عن‭ ‬أفانين‭ ‬الرقص،‭ ‬يعني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬الرجولة‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬او‭ ‬الصوت‭. ‬فقط‭ ‬الاسم‭ ‬كان‭ ‬رجاليا،‭ ‬وتحدث‭ ‬هذا‭ ‬الـ«نُص‭ ‬كُم‮»‬‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الاهتزاز‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المواقف،‭ ‬هنا‭ ‬قاطعته‭ ‬الصحفية‭ ‬المزعومة‭ ‬قائلة‭: ‬الاهتزاز‭ ‬دا‭ ‬تخصصي‭.. ‬أنا‭ ‬برتعش‭ ‬بدون‭ ‬موسيقى‭. ‬ثم‭ ‬ارتعشت‭ ‬وأثبتت‭ ‬لنا‭ ‬انها‭ ‬فاجر‭ ‬بجدارة‭!! ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬أحس‭ ‬بأن‭ ‬زوجتي‭ ‬تحسن‭ ‬بي‭ ‬الظن‭ ‬وأنا‭ ‬أمام‭ ‬غواني‭ ‬التلفزيون،‭ ‬فقد‭ ‬أمسكت‭ ‬يدي‭ ‬برفق‭ ‬قائلة‭: ‬ليس‭ ‬ثمة‭ ‬داع‭ ‬لرفع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬عندك‭ ‬بسبب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحقيرات‭. ‬ومن‭ ‬بكرة‭ ‬بلاش‭ ‬تلفزيون‭ ‬خالص‭.‬

فعلا‭ ‬بلاش‭ ‬تلفزيون‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تسمح‭ ‬بتسلل‭ ‬كائنات‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬إلى‭ ‬بيوتنا‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا