لقد بدأت حماس بلا شك هذه الحرب بهجومها الدامي في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص وأسر 250 آخرين. وبناء عليه فقد كان لإسرائيل، كأي دولة أخرى، الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حماس.
لكن في الحقيقة لم تكتفِ إسرائيل خلال العامين الماضيين بالدفاع عن نفسها ضد حماس، بل إنها راحت تشن حربًا شاملة على الشعب الفلسطيني بأكمله، وقد خلص العديد من الخبراء القانونيين الآن إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة.
خلصت الجمعية الدولية لباحثي الإبادة الجماعية إلى أن «سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة تتفق مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية»، كما توصلت منظمتا حقوق الإنسان الإسرائيليتان، بتسيلم وأطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل، إلى الاستنتاج نفسه، وكذلك منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
وبالأمس القريب، أكدت لجنة خبراء مستقلة عيّنتها منظمة الأمم المتحدة ذات الاستنتاج، كما خلص هؤلاء الخبراء إلى أنه «من الواضح أن هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال أفعال تفي بالمعايير المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية».
ومن أصل 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، قتلت إسرائيل حتى الآن نحو 65 ألف شخص فيما أصاب نحو 164 ألفًا آخرين ومن المرجح أن يكون العدد الإجمالي أعلى بكثير، حيث دُفنت آلاف الجثث تحت الأنقاض.
وتشير قاعدة بيانات عسكرية إسرائيلية سرية مسربة إلى أن 83% من القتلى هم من السكان الفلسطينيين المدنيين. فقد قُتل أكثر من 18 ألف طفل، منهم 12 ألف طفل في الثانية عشرة من العمر أو أقل من ذلك بكثير.
ومنذ ما يقرب من عامين، فرضت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتطرفة قيوداً مشددة على كمية المساعدات الإنسانية المسموح بدخولها إلى قطاع غزة، ووضعت كل العقبات الممكنة أمام منظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى التي تحاول توفير الإمدادات المنقذة للحياة.
ويشمل ذلك ضرب حصار شامل دام أحد عشر أسبوعًا، لم تسمح فيه إسرائيل بدخول أي طعام أو ماء أو وقود أو إمدادات طبية إلى قطاع غزة. وكنتيجة مباشرة لهذه السياسات الإسرائيلية، تُعاني غزة الآن من مجاعة من صنع الإنسان، حيث يواجه مئات الآلاف من الناس خطر الموت جوعًا، وقد مات أكثر من 400 شخص، بينهم 145 طفلًا، جوعًا حتى الموت، ومع كل يوم يمر تسجل وفيات جديدة بسبب الجوع.
لكن الأمر لا يقتصر على الخسائر البشرية فحسب، فقد دمّرت إسرائيل البنية التحتية لقطاع غزة بشكل ممنهج. تُظهر صور الأقمار الصناعية أن القصف الإسرائيلي دمّر 70% من جميع مباني القطاع، وتُقدّر الأمم المتحدة أن 92% من الوحدات السكنية قد تضررت أو دُمرت. وفي هذه اللحظة بالذات، تُدمّر إسرائيل ما تبقى من مدينة غزة.
دُمِّرت معظم المستشفيات، وقُتل ما يقرب من 1600 عامل رعاية صحية، كما تعطلت حوالي 90% من مرافق المياه والصرف الصحي، وقُصفت مئات المدارس، وكذلك جميع جامعات غزة الاثنتي عشرة، وانقطعت الكهرباء منذ 23 شهرًا.
وهذا ما نعرفه فقط من عمال الإغاثة والصحفيين المحليين – الذين قُتل المئات منهم - حيث تمنع إسرائيل وسائل الإعلام الأجنبية من دخول قطاع غزة. وفي الواقع، فقد قتلت إسرائيل صحفيين في غزة أكثر مما قُتلوا في أي صراع سابق. ونتيجة استهداف الصحفيين فإننا على الأرجح لا نعرف الكثير عن حجم الفظائع.
والآن، وبدعم كامل من إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، تواصل حكومة نتنياهو المتطرفة علناً سياسة التطهير العرقي ليس في قطاع غزة فقط بل وفي الضفة الغربية أيضا التي ضاق عليها الخناق.
وبعد أن جعل الإسرائيليون الحياة غير صالحة للعيش من خلال القصف والتجويع، فإنهم يدفعون باتجاه الهجرة «الطوعية» للفلسطينيين إلى البلدان المجاورة لإفساح المجال لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الملتوية حول «ريفييرا الشرق الأوسط».
تُعرَّف الإبادة الجماعية بأنها أفعال تُرتكب «بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًا أو جزئيًا»، وتشمل هذه الأفعال قتل أفراد من الجماعة أو «فرض ظروف معيشية متعمدة عليها بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا»، ويعتمد السؤال القانوني على القصد أو النية.
لقد أوضح القادة الإسرائيليون نياتهم بوضوح. ففي بداية تفجر هذا الصراع، قال وزير الدفاع: «نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف بناءً على ذلك».
كما تعهد وزير المالية بتدمير غزة بالكامل فيما أعلن وزير آخر: «ستصبح غزة بأكملها يهودية... نحن نقضي على هذا الشر»، بينما قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ: «إنها أمة بأكملها مسؤولة» فيما دعا وزير آخر إلى «محو غزة بأكملها من على وجه الأرض».
قال نائب إسرائيلي آخر: «يجب تدمير قطاع غزة، ويجب أن يكون هناك حكم واحد على كل من هناك: الموت. علينا محو قطاع غزة من على الخريطة. لا يوجد أبرياء هناك».
ودعا عضو آخر في الكنيست إلى «محو غزة بأكملها من على وجه الأرض». ومؤخرًا، قال وزير في مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي رفيع المستوى: «يجب أن تكون مدينة غزة نفسها تمامًا مثل رفح، التي حوّلناها إلى مدينة خراب».
فالقصد إذا واضح، والنية مبيتة والاستنتاج لا مفر منه: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة.
أنا أُدرك أن الكثيرين قد يختلفون مع هذا الاستنتاج الذي عبرت عنه لكن الحقيقة هي أنه سواء سمّيتم ذلك إبادة جماعية أو تطهيرًا عرقيًا أو فظائع جماعية أو جرائم حرب، فإن الطريق التي رسمتها إسرائيل باتت جلية وواضحة.
علينا نحن كأمريكيين أن ننهي تواطؤنا في هذه المجازر التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني. ولذلك، فقد عملت مع عدد من زملائي في مجلس الشيوخ لإجبارهم على التصويت على سبعة قرارات رفض مشتركة لوقف مبيعات الأسلحة الهجومية لإسرائيل. يجب على الولايات المتحدة الأمريكية ألا تستمر في إرسال مليارات الدولارات والأسلحة إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تمارس الإبادة الجماعية.
إن الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة ترتقي إلى الإبادة الجماعية. وبعد أن اعتبرنا أن ما يحدق هو حرب إبادة جماعية، يتعين علينا الآن أن نستخدم كل ما لدينا من نفوذ للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وزيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية التي تيسرها منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ الخطوات الأولية لتوفير دولة خاصة بالفلسطينيين.
لكن هذه القضية تتجاوز إسرائيل وفلسطين.
في جميع أنحاء العالم، تقف الديمقراطية في موقف دفاعي، وتتزايد الكراهية والعنصرية والانقسام. لذللك فالتحدي الذي نواجهه الآن هو منع العالم من الانزلاق إلى الهمجية، حيث يمكن ارتكاب جرائم مروعة ضد الإنسانية دون عقاب.
يجب أن نقول الآن إنه مع احتمال نشوب الحروب، إلا أن هناك معايير أساسية يجب الالتزام بها. لا يمكن التسامح مع تجويع الأطفال، ولا يجب أن يصبح تدمير المدن هو القاعدة، والعقاب الجماعي مرفوض تمامًا.
إن مصطلح الإبادة الجماعية بحد ذاته يُذكرنا بما قد يحدث إذا فشلنا. وقد انبثقت هذه الكلمة من محرقة الهولوكوست – مقتل ستة ملايين يهودي – وهي واحدة من أحلك فصول التاريخ البشري.
لا تخطئوا. إذا لم تُحاسب نتنياهو ورفاقه من مجرمي الحرب، فسيفعل الديماغوجيون الآخرون الشيء نفسه. التاريخ يُطالب العالم بأن يتّحد بصوت واحد ليقول: كفى. لا مزيد من الإبادة الجماعية.
{ عضو مجلس الشيوخ الأمريكي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك