على الرغم من أن حزب الإصلاح البريطاني تأسّس رسميًّا عام 2018 وكان يُعرف حينها باسم «حزب بريكست» وتحت قيادة نايجل فاراج، المهندس الرئيسي لاستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وسُجّل حتى عام 2021 كشركة ناشئة برئاسة فاراج وليس كحزب سياسي تقليدي، فقد نجح مؤخرًا في تعزيز مكانته عبر انضمام شخصيات بارزة إليه، أبرزها انشقاق النائب داني كروجر، عضو البرلمان ووزير العمل في حكومة الظل آنذاك، من حزب المحافظين.
وبعد أن حقق الحزب نتائج قوية في الانتخابات المحلية في وقتٍ سابق من العام الحالي، كتب السير جون كيرتس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستراثكلايد، أن فاراج - الذي كان يُنظر إليه في السابق كشخصية سياسية هامشية - «يبدو الآن في طريقه لأن يصبح رئيس وزراء المملكة المتحدة المقبل».
ومع صعود قادة شعبويين إلى السلطة في دول عدة حول العالم، خصوصًا في الولايات المتحدة، أصبحت التساؤلات حول السياسات الحقيقية لحزب الإصلاح ونياته في حال تولّى الحكم أمرًا لا مفرّ منه. وفي هذا السياق طرحت أوليفيا أوسوليفان، مديرة برنامج «المملكة المتحدة في العالم» في المعهد الملكي للشؤون الدولية، سؤالًا جوهريًا: «هل لدى الحزب تصور واضح بشأن السياسة الخارجية؟»
ويظهر من الوقائع أن تركيز حزب الإصلاح منصبّ أساسًا على ملف الهجرة إلى بريطانيا؛ من خلال السعي إلى عقد اتفاقيات مع دول مختلفة لإعادة أو استقبال طالبي اللجوء. ويعارض الحزب أي تعاون وثيق مع دول الاتحاد الأوروبي، مفضّلًا تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة. كما تبنّى مواقف باهتة تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ ما يقرب من عامين، في حين ضاعف فاراج من دعمه لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة منذ أكتوبر 2023، واصفًا إياها مؤخرًا بأنها «حليف كبير» لبريطانيا، وفي الوقت نفسه هاجم خطة كير ستارمر المعلنة للاعتراف بدولة فلسطين في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكما توضح أوسوليفان، فإن حزب الإصلاح منذ إعادة تسميته عام 2021، انتقل من تركيزه الأولي على علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي إلى إطلاق منصة سياسية يمينية شعبوية أكثر شمولًا؛ بحيث صار يسعى إلى تقديم نفسه كحزب حكومة محتمل.
رغم أن الحزب لا يشغل سوى خمسة مقاعد في مجلس العموم البريطاني، مقابل 399 لحزب العمال، و119 للمحافظين، و72 للديمقراطيين الليبراليين، و20 عضوًا مستقلًا، فقد حقّق قفزة سياسية كبيرة في انتخابات المجالس المحلية في مايو 2025، حيث فاز مرشحو الإصلاح بـ 677 مقعدًا من أصل 1600، على حساب الأحزاب التقليدية.
وبحسب تحليل أجراه كولن رالنغز ومايكل ثراشر من جامعة بليموث، لو جرت انتخابات المجالس المحلية في كامل أنحاء المملكة المتحدة، لكان حزب الإصلاح سيحقّق أغلبية المقاعد، إذ يُقدّر أنه حصل على نحو 32% من إجمالي الأصوات الوطنية. للمقارنة، فاز حزب العمال بقيادة ستارمر بنسبة 33.7% من الأصوات في انتخابات عام 2024، مما منحه أغلبية برلمانية بـ 290 مقعدًا.
إلى جانب الأداء الانتخابي، استفاد حزب الإصلاح من فضائح عصفت بحزب العمال، ومن بينها استقالة أنجيلا راينور، نائبة رئيس الوزراء، بعد اكتشاف أنها دفعت ضرائب أقل من المستحق على عقار كانت قد اشترته. كذلك استثمر الحزب الغضب المتنامي بين الناخبين البريطانيين جرّاء فشل الحكومة في الحد من زيادة بنسبة 46% في عدد الأشخاص الذين يعبرون القنال الإنجليزي من فرنسا في محاولة طلب اللجوء إلى المملكة المتحدة أو الدخول بشكل غير قانوني.
في أحدث استطلاع رأي أجرتها شركة «إبسوس» لأبحاث السوق، أشارت النتائج إلى أن 34% من المستطلعين ينوون التصويت لصالح حزب الإصلاح، متفوقًا على حزب العمال (25%)، والمحافظين (15%)، والديمقراطيين الليبراليين (11%). وعلى الرغم من أن فاراج يواجه معدل عدم رضا شخصي يصل إلى 49% مقابل 34% من الراضين، فإن ذلك لا يزال أفضل من معدلات عدم الرضا عن ستارمر (73%) وكيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين (60%).
وفي تحليل مشترك لدان بلوم وأندرو ماكدونالد في صحيفة «بوليتيكو»، ذُكر أن جزءًا كبيرًا من التقدم الساحق لحزب الإصلاح في استطلاعات الرأي يُمكن تفسيره بـ«الكاريزما الشخصية لفاراج»، مما يجعل الأعضاء الآخرين يواجهون تحديًا واقعيًا للخروج من ظلّه.
أما فيما يخص مواقف الحزب السياسية الخارجية، فحتى الآن تصريحات وأفعال فاراج هي المؤشر الملموس الوحيد للمسار الذي قد تتبعه حكومة إصلاحية. أكدت أوسوليفان أن «الهجرة» ستظل القضية الأساسية في أجندة الحزب، لا سيما في ظل هيمنة ملف السياسة الخارجية على السنة الأولى من ولاية حكومة حزب العمال بقيادة ستارمر، والتي شملت مجازر إسرائيل في غزة، والحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، فضلاً عن تساؤلات حول مدى موثوقية الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترامب كحليف طويل الأمد.
وفي هذا الإطار، أوضحت أوسوليفان أن أي حكومة إصلاحية مقبلة «ستضطر إلى تقديم إجابات» عن تلك القضايا الجوهرية.
وبالانتقال إلى ملف الهجرة، والذي سيؤثر حتمًا في علاقات بريطانيا ليس فقط مع الدول الأوروبية، بل أيضًا مع الدول التي ينوي فاراج وحزبه إرسال أو إعادة اللاجئين إليها، فقد صرّح فاراج في أواخر أغسطس 2025 أن حزبه، حال فوزه في الانتخابات، سيقوم بترحيل ما يصل إلى 600000 مهاجر خلال خمس سنوات. تستند هذه الخطة إلى تقديم حوافز مالية تُقدَّر بـ2 مليار جنيه إسترليني، سواء في شكل مدفوعات مباشرة أو مساعدات للدول التي توافق على استقبال هؤلاء الأشخاص، أو باستخدام التهديد بفرض عقوبات على الدول الرافضة.
كجزء مما يسمى بـ«عملية استعادة العدالة»، تنوي حكومة يقودها حزب الإصلاح ترحيل مئات الآلاف من الأشخاص إلى دول مثل رواندا وألبانيا، بالإضافة إلى أقاليم ما وراء البحار البريطانية، بما في ذلك جزر نائية في وسط المحيط الأطلسي. هذه الخطة لا تقتصر على انسحاب المملكة المتحدة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بل تتضمّن أيضًا تجاهلًا متعمدًا لبنود اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي تنص على عدم إعادة هؤلاء الأشخاص قسرًا إلى دول يواجهون فيها تهديدات بالأذى الجسيم.
وقد قيّم السير جوناثان جونز، الزميل البارز في معهد الحكومة بلندن، هذه الإجراءات، واعتبرها ليست مجرد تغيير بسيط، بل «تغييرًا جذريًا في نهج السياسة الحكومية البريطانية المتبعة منذ زمن طويل»، وأنها ستُقابل بسلسلة من «التحديات القانونية والتشريعية» في محاولة لإيقافها.
علاوة على ذلك، أشارت أوسوليفان إلى أنه، بما أن أي حكومة مستقبلية يقودها حزب الإصلاح «ستسعى لإبرام صفقات سريعة» لإعادة المهاجرين، فإن مصالح وسياسات الدول المقابلة ستجعل من غير المرجح أن تنجح هذه العملية بالسرعة المقترحة، وحتى إذا نجحت، فإنها ستتطلّب تقديم «تنازلات غامضة» لأنظمة تُعتبر معادية، منها حركة طالبان التي تحكم أفغانستان.
فيما يتعلق بعلاقات حكومة حزب الإصلاح المستقبلية مع القارة الأوروبية، فعلى الرغم من أن فاراج قد تحدث مؤخرًا مؤيدًا لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو في إطار تسوية سياسية لإنهاء حربها التي استمرت ثلاث سنوات مع روسيا، ومن المتوقع أن يلتزم الحزب برفع الإنفاق الدفاعي للمملكة المتحدة إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال ثلاث سنوات من الحكم، فقد أقرت أوسوليفان بوجود «شكوك» حول الدور المستقبلي المتصور للحزب في التعاون الأمني القاري طويل الأمد نظرًا لعدائه الواضح مع الاتحاد الأوروبي.
بدلًا من تعميق العلاقات مع باريس وبرلين وبروكسل، من المتوقع أن تسعى حكومة بريطانية بقيادة فاراج إلى إقامة علاقات أوثق مع واشنطن، بالنظر إلى أن الحزب قد صمّم صورته الشعبوية على غرار الحزب الجمهوري بزعامة دونالد ترامب. وقد قام فاراج بحملة لصالح ترامب (79 عامًا) خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، ثم تُوِّج ذلك بلقاء شخصي مع الرئيس الأمريكي في المكتب البيضاوي في أوائل سبتمبر 2025.
مع ذلك، حذّرت أوسوليفان من أن التركيز على العلاقات الشخصية الوثيقة مع ترامب «لا يضمن حصول بريطانيا على تنازلات أو دعم» من إدارة أمريكية «أنانية في جوهرها ومتقلبة»، مشيرة إلى كيف أن حكومة الهند الشعبوية بقيادة ناريندرا مودي وقعت ضحية للتعريفات الجمركية الأمريكية المرتفعة بنسبة 50%، والتي، حسب صحيفة فايننشال تايمز، «حدّت بشدة من وصول الهند إلى أكبر سوق صادراتي لها».
فيما يخص السياسات تجاه فلسطين، يُعتبر فاراج مجدّدًا صوت الحزب، وقد عبّر عن دعمه القوي لإسرائيل حتى مع انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة للكوارث الإنسانية التي تسبّبت بها حكومة نتنياهو المتطرّفة. وعلى العكس من ملاحظات الخبراء القانونيين والأكاديميين ولجنة تحقيق أممية، أنكر فاراج أن القصف العشوائي ونقل المدنيين الفلسطينيين قسرًا داخل غزة يشكّل إبادة جماعية.
بعد تصريح سابق بأن خطة ترامب بأن «تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة وتحويلها إلى ريفيرا على البحر المتوسط» كانت «فكرة جذابة للغاية»، التقى فاراج بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال زيارته إلى لندن في سبتمبر 2025، ثم أعرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن أسفه بأن إسرائيل «توشك على فقدان أصدقائها»، واتهم نوّاب الأحزاب الأخرى بأنهم «في منافسة» ليكونوا «الأكثر وحشية» في إداناتهم لجرائم الحرب الإسرائيلية. كما كرر خطاب الحكومة الإسرائيلية ومؤيديها في الولايات المتحدة، من خلال مساواة أي انتقاد لإسرائيل بـ«معاداة سامية صريحة».
رفض فاراج كذلك اعتراف الحكومات الغربية، بما في ذلك الحكومة البريطانية، بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة القادمة، واعتبر ذلك قرارًا «يكافئ الإرهاب». وفي رده على استقبال بعض الأطفال الفلسطينيين المصابين والجوعى من غزة لتلقي العلاج الطبي العاجل في بريطانيا، تجاهل المعاناة الإنسانية الهائلة لهؤلاء الأطفال، وركّز فقط على رفض وجود «لمّ شمل عائلي كبير» للفلسطينيين في بريطانيا، متهمًا تقديم المساعدات الإنسانية بأنها وسيلة لـ«فتح الباب» أمام المزيد من اللاجئين لدخول البلاد.
إن سياسة فاراج الخارجية متوقّع أن تكون منحازة بشدة لإسرائيل ومتجاهلة للقانون الإنساني الدولي، مع دعم ضمني أو صريح لما يُرى من بعض المراقبين على أنه إبادة جماعية للمدنيين الفلسطينيين. هذه المواقف تتناقض مع آراء الشعب البريطاني: فحسب استطلاع «إبسوس»، 53% من البريطانيين يعتقدون أن إسرائيل «تجاوزت الحدود» في غزة، بما في ذلك 39% من ناخبي حزب الإصلاح.
وعلى الرغم من أن الناخبين يرفضون بشكل قاطع الخطاب الذي يطرحه فاراج، فإن القضايا التي تشغل أولوياتهم في الانتخابات العامة تظل الهجرة (56%) والاقتصاد (53%)، وهما الملفان اللذان فشلت الحكومة العمالية في التعامل معهما بفعالية.
ولذلك، على الرغم من أن الانتخابات العامة القادمة ليست متوقّعة قبل عام 2029، فإن الصحفي البريطاني المخضرم أندرو مار من بين من يحذّر من أن «علينا أن نستعد لرؤية فاراج رئيسًا للوزراء»، وكتب أن ذلك «يبدو أمرًا حتميًّا بشكل متزايد» نظرًا لتزايد شعبية حزب الإصلاح مقارنة بمنافسيه السياسيين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك