يعدُّ الوكيلُ الذكيُّ، الذي يقومُ بتنفيذ المعاملات والعقود إلكترونيًّا وفق برمجة مسبقة، من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ التي أثارت نقاشًا واسعًا حول الطبيعة القانونيّة والشرعيّة له، وحول إمكانيّة عَدّه طرفًا مستقلًّا أم مجرّد أداة تقنيّة.
والوكيل الذكيّ هو برنامج أو خوارزميّة قادرة على إدراك البيئة المحيطة، وجمع البيانات وتحليلها، والتصرّف ضمن أهداف محدّدة مسبقًا. ويمتاز عن الأدوات التقليديّة بقدرته على التعلّم والتكيّف وتنفيذ العقود الذكيّة كالتي تقوم على تقنيات البلوكشين.
وقد اختلف الفقه القانونيّ حول التكييف القانونيّ للوكيل الذكيّ؛ فيرى بعض الفقهاء إمكانيّة منحه شكلًا من الشخصيّة الاعتباريّة نظرًا لاستقلاليّته النسبيّة، بينما يرى آخرون أنّه مجرّد أداة تقنيّة، وأنّ تصرّفاته تُنسب إلى من قام ببرمجته أو تشغيله.
ولمّا كانت الوكالة في الفقه الإسلاميّ تقوم على ركنين رئيسيين لا يتوفران في البرامج الآليّة هما الأهليّة والإرادة؛ فإنّ الوكيل الذكيّ لا يعدّ وكيلاً شرعيًّا بالمعنى الدقيق، وإنّما هو وسيلة لتنفيذ أوامر المالك البشريّ. فإن التزم الوكيل الذكيّ بالإذن البرمجيّ، صحّت العقود ونفذت. وأمّا إن تجاوز التعليمات المبرمجة، فإنّ تصرّفاته تكون موقوفة على إجازة المالك (الموكّل).
ويمكن قياس الوكيل الذكيّ عند تجاوزه حدود الإذن على بيع الفضوليّ، ويقصد به تصرّف شخص في مال غيره دون إذن. فكما أنّ بيع الفضوليّ موقوف على إجازة المالك إن أجازه صحّ، وإن رفضه بطل؛ فإنّ تصرّف الوكيل الذكيّ إذا خرج عن الإذن يكون مرهونًا بموافقة المالك، لا نافذًا من تلقاء نفسه.
غير أنّه، حتّى تكون تصرّفات الوكيل الذكيّ معتبرة شرعًا، لا بدّ من مراعاة ضوابط أوّلها: الالتزام بالشروط الشرعيّة للعقود، وخلوّها من الربا والغرر والمقامرة. وثانيها: عَدُّ الوكيل الذكيّ وسيلة لا وكيلًا مستقلاً، وبذلك تُنسب تصرّفاته إلى المالك (الموكّل). وأمّا الضابط الثالث، فمراقبة العمليّات المنفّذة دوريًّا لتفادي أيّ معاملات محرّمة. والرابع: معاملة التصرّفات الخارجة عن الإذن معاملة الفضوليّ، فلا تنفذ إلا بعد إجازة المالك (الموكّل).
نخلص ممّا سبق إلى أنّ الوكيل الذكيّ ليس طرفًا مستقلًّا في المعاملات، وإنّما هو أداة تقنيّة تعكس إرادة المالك (الموكّل). وأنّ تصرفاته صحيحة في حدود الإذن البرمجيّ، فإن تجاوزت تلك الحدود عوملت كتصرّف الفضوليّ الموقوف. وبذلك يمكن الاستفادة من هذه التقنية الحديثة بما يحقّق مقاصد الشريعة في حفظ المال وتحقيق العدالة، مع ضرورة وضع أطر قانونيّة وتشريعيّة واضحة لضبط استخدامها.
محاضر رئيس في معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك