زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
العرافون يتبعهم الجهلاء
لو كان لي أن أتباهى وأفخر بأمر ما، فهو أنني منذ سن مبكرة جدا، شديد النفور من العرافين والدجالين، وعانيت في صباي من حمى ملاريا عنيفة جعلتني أهذي، وأفتت جارة لنا في الحي بأن ذلك نجم عن مس شيطاني، واقترحت على أمي الاستنجاد بـ«شيخ» ذي باع طويل في مصارعة وصرع الشياطين، وجاء الرجل وكتب شخابيط على طبق صيني، بقلم من البوص كان يغمسه في دواة كان يحملها، ثم بصق على ما كتب ثلاث بصقات خفيفة، وصب بعض الماء على الصحن حتى ذابت الشخابيط، وقرَّب الصحن إلى فمي، كي أشرب عصارة الشخابيط، فضربت الصحن بقوة، ورددت إليه بضاعته، فولولت أمي، طلبت من صاحبنا العفو والسماح، وأن -استغفر الله لها ولي- أن يسامحني.
أثبتت الدراسات التي أعلنها مؤخرا اتحاد الاطباء النفسانيين الامريكيين ان الذين يؤمنون بالخرافات والشعوذة والعرافين يكونون اكثر قابلية للإصابة باضطرابات نفسية، كما ان معدلات ذكائهم تكون متدنية أو تبدأ في التدني بمجرد الهوس بالطوالع والابراج، هذا أمر بديهي لأن من يصدق أن آدميا مثله يملك قدرات خارقة، تجعله قادرا على معرفة ما هو في رحم الغيب لا بد أن يكون من الصنف الذي يعطي عقله إجازة مفتوحة، وأتساءل للمرة التريليون: هل يسأل من يلجأون إلى العرافين أنفسهم لماذا يتقاضى العرافون مبالغ مالية نظير تكهناتهم، طالما أنهم -بحسب زعمهم- يعرفون «المستخبي»، ومن ثم بإمكانهم تفادي الأمور السيئة وتسيير دفات حياتهم إلى حيث الثراء؟ هل يطرأ نفس السؤال على من يروحون ضحية من يحولون الورق العادي إلى دولارات، ثم يكتشفون أن دولاراتهم مناديل ورق مستعملة من قبل شخص يعاني من زكام مزمن؟ ومن طريف ما قرأته عن العرافين والمنجمين أن الصحف الأمريكية نشرت إعلانا يقول إن المؤتمر السنوي للعرافين تأجل إلى أجل غير مسمى بسبب الاحوال الجوية الطارئة، يعني لو كان فيهم خير لعرفوا عن طريق التنجيم (دعك من الرصد الجوي) أن الطقس يكون سيئا في اليوم المحدد للمؤتمر، وحددوا يوما غيره، وحتى بعد أن فضح الطقس دجلهم فإن ذكاءهم المحدود لم يسعفهم ليستروا فضيحتهم فنشروا خبر التأجيل مع شرح مبرراته، ولو كانوا «عرافين» بحق وحقيق لما قالوا إن التأجيل لأجل غير مسمى بل كانوا سيحددون موعد المؤتمر على نحو قاطع.. يعني يا أبو مخ تخين كيف يكون هؤلاء عرافين وهم لا يستطيعون قراءة طوالع أنفسهم، ومعرفة متى سيلتقون؟
وقرأت أن رجلا فرنسيا سافر إلى لندن للالتقاء بوسيط روحي بريطاني مشهور ليرتب له لقاء مع جدته الراحلة ليسألها عن مسائل معينة لم يكن غيرها يعرف بها وقام الوسيط بالحركات المطلوبة لاستحضار روح العجوز الفرنسية، ثم جاء صوت نسائي متهدج مهللا: أهلا حفيدي وأشكرك كثيرا على حرصك على اللقاء بي، فرد الفرنسي: أهلا.. هل انت فعلا جدتي؟ فردت عليه مؤكدة أنها جدته وطلبت منه أن يجلس وأن يوجه إليها ما يشاء من أسئلة وتعهدت بالرد عليها؛ لأنه حفيدها المفضل كما قالت، وهكذا بدأ الرجل الفرنسي يسأل وروح الجدة تجيب إلى أن قال الرجل بقي عندي سؤالان: هل انت حقا جدتي فأجابت: أوف كروس (طبعا) يا ماي دير.. يا ماي دارلنغ يا هبيبي .. يا قطعة من ماي ليفر (كبدي)، وهنا قال الحفيد الفرنسي لجدته الفرنسية امام الوسيط الانجليزي: تسلمي يا جدتي ولكن أجيبي عن سؤالي الأخير: منذ متى وأنت تتحدثين الانجليزية بطلاقة ومبلغ علمي أنك لم تكوني تعرفين منها شيئا؟ وخلال ثوان كانت «روح» الجدة المزعومة قد اختفت بينما طفق الوسيط يتمتم بعبارات مثل: ربما التحقت بدورة لتعلم الانجليزية في القبر!
قبل أيام تلقى ولدي مكالمة دولية في نحو الثانية فجرا، وعندما هب منزعجا للرد عليها انقطع «الخط»، وبعدها بنحو دقيقتين رن الهاتف رنة واحدة، فاتصل ابني بالرقم الذي أتى منه الرنين، فجاءه صوت بعربية مكسرة: في ناس سووا لك «عمل» وسلطوا عليك شيطان.. وأنا.. ولم يتركه ابني يكمل الموال، بل صاح فيه: ما في شيطان غيرك يا غبي، ولو قابلتك أعمل فيك «عمل» يخليك تتوب وتترك البلطجة.. ولم يترك صائد الأرواح الشريرة ولدي يكمل كلامه!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك