العدد : ١٧٣٤٧ - السبت ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤٧ - السبت ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

مُسيَّرات تحت الماء.. فرص وتحديات الأمن البحري

بقلم: د. أشرف محمد كشك {

السبت ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025م،‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأسترالية‭ ‬استثمار‭ ‬11‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬لشراء‭ ‬أسطول‭ ‬من‭ ‬الغواصات‭ ‬المسيّرة‭ ‬‮«‬الدرونز‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاقد‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬لتسليم‭ ‬وصيانة‭ ‬وتطوير‭ ‬تلك‭ ‬الغواصات‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬المقبلة،‭ ‬والتي‭ ‬وُصِفَت‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬مركبات‭ ‬بحرية‭ ‬ذاتية‭ ‬القيادة‭ ‬فائقة‭ ‬الحجم‮»‬،‭ ‬تم‭ ‬تصميمها‭ ‬لعمليات‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والمراقبة‭ ‬والاستطلاع‭ ‬والهجوم‭ ‬على‭ ‬مسافات‭ ‬بعيدة‭ ‬وبشكل‭ ‬خفي،‭ ‬لذلك‭ ‬أُطلق‭ ‬عليها‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬الشبح‮»‬‭. ‬وواقع‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أستراليا‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬بتطوير‭ ‬تلك‭ ‬الغواصات‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2022م‭ ‬واستثمرت‭ ‬فيها‭ ‬حوالي‭ ‬140‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وباختصار‭ ‬فقد‭ ‬استرعى‭ ‬انتباهي‭ ‬أمران؛‭ ‬الأول‭: ‬الإنتاج‭ ‬الكامل‭ ‬لتلك‭ ‬الغواصات‭ ‬المسيرة‭ ‬داخل‭ ‬أستراليا،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬توطين‭ ‬تلك‭ ‬الصناعات؛‭ ‬والثاني‭: ‬توظيف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصناعات‭ ‬البحرية‭ ‬الواعدة‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأخبار‭ ‬ليست‭ ‬بالجديدة‭ ‬للمتابعين،‭ ‬خاصةً‭ ‬مع‭ ‬ازدياد‭ ‬جهود‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬عموما‭ ‬وفي‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬خاص،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تنافسا‭ ‬دوليا‭ ‬محموما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجال،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬معياراً‭ ‬مهماً‭ ‬لتصنيف‭ ‬قوة‭ ‬الدول،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يفوق‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬ذاته‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تفوق‭ ‬الترسانة‭ ‬النووية‭ ‬لدى‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬مثيلتها‭ ‬الأمريكية،‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭: ‬‮«‬من‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فسوف‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬العالم‮»‬‭.‬

ومع‭ ‬التسليم‭ ‬بتلك‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬فرصاً‭ ‬مهمة‭ ‬للأمن‭ ‬البحري،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعقيد‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬واختلافها‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬البرية،‭ ‬لكونها‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬التحكم‭ ‬فيها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬أهمية‭ ‬البحار‭ ‬كمصادر‭ ‬للثروات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والأهمية‭ ‬المحورية‭ ‬للممرات‭ ‬المائية‭ ‬الثمانية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كشرايين‭ ‬للتجارة‭ ‬الدولية‭ ‬‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭ ‬مضيقا‭ ‬هرمز‭ ‬وباب‭ ‬المندب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والعالم؛‭ ‬توجد‭ ‬تحديات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬عدم‭ ‬اقتصار‭ ‬توظيف‭ ‬تلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬الدول،‭ ‬بل‭ ‬أضحت‭ ‬متاحة‭ ‬للجماعات‭ ‬دون‭ ‬الدول‭ ‬أيضاً‭. ‬ففي‭ ‬فبراير‭ ‬2024م،‭ ‬أعلنت‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬إحباط‭ ‬هجوم‭ ‬للحوثيين‭ ‬بغواصات‭ ‬مسيرة‭ ‬بدائية‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬باستخدام‭ ‬هذا‭ ‬السلاح،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مؤشراً‭ ‬بالغ‭ ‬الخطورة‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬الأمن‭ ‬البحري،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬تقنية‭ ‬ذلك‭ ‬السلاح‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016م،‭ ‬حيث‭ ‬تمكن‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬تطويره‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬روتجرز‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيوجيرسي‭ ‬الأمريكية‭.‬

وتأسيساً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فإن‭ ‬التساؤل‭ ‬المهم‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬دلالات‭ ‬ذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬قطعت‭ ‬شوطاً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬التصنيع‭ ‬العسكري‭ ‬عموماً،‭ ‬وتوظيف‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭. ‬فهناك‭ ‬دول‭ ‬لديها‭ ‬سفنٌ‭ ‬ذكية،‭ ‬وأخرى‭ ‬توظف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لمراقبة‭ ‬سواحلها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬توطين‭ ‬تلك‭ ‬الصناعات‭ ‬أضحى‭ ‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لثلاثة‭ ‬أسباب؛‭ ‬أولها‭: ‬إن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬دولٌ‭ ‬بحرية‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬ممرين‭ ‬مائيين‭ ‬دوليين‭ ‬هما‭ ‬مضيقا‭ ‬هرمز‭ ‬وباب‭ ‬المندب،‭ ‬ويقع‭ ‬المضيقان‭ ‬ضمن‭ ‬دائرة‭ ‬صراعات‭ ‬إقليمية‭ ‬مزمنة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تضاعف‭ ‬فيه‭ ‬اعتماد‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬البحرية‭. ‬وثانيها‭: ‬ارتباط‭ ‬مسألة‭ ‬توظيف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬بموضوع‭ ‬توطين‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬عموماً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬فيه‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬فحتى‭ ‬عام‭ ‬2024م،‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬التوطين‭ ‬193%‭. ‬وثالثها‭: ‬سعي‭ ‬الجماعات‭ ‬دون‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة‭. ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬ضرورة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬الأمن‭ ‬البحري،‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تفرض‭ ‬تحديات‭ ‬أمام‭ ‬الدول،‭ ‬خاصةً‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬سواحل‭ ‬بحرية‭ ‬ممتدة،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تثير‭ ‬ثلاثة‭ ‬تساؤلات‭ ‬مهمة؛‭ ‬الأول‭: ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتفق‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬دولية،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬تتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬ملزمة‭ ‬لتقنين‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري،‭ ‬فماذا‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬البحري؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬مساحات‭ ‬البحار‭ ‬الشاسعة‭ ‬ووجود‭ ‬خلافات‭ ‬حول‭ ‬الحدود‭ ‬البحرية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬كثيرة،‭ ‬وعدم‭ ‬التزام‭ ‬بعضها‭ ‬باتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬لعام‭ ‬1982م؟‭ ‬والثاني‭: ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬السببية‭: ‬هل‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬البحري؟‭ ‬والثالث‭: ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬كفاية‭ ‬الآليات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تأسيسها‭ ‬لمواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬التحالفات‭ ‬العسكرية؟‭ ‬ومجمل‭ ‬القول‭ ‬هو‭ ‬إنه،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تلك‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ربما‭ ‬تحتاج‭ ‬الإسهامات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬تجمعها‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬سيادة‭ ‬القوة‭ ‬البحرية‮»‬‭ ‬‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تتيح‭ ‬تفسير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬نسبية،‭ ‬فمن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬البحرية‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬البحار،‭ ‬لنكون‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬عالمي‭ ‬بالغ‭ ‬التعقيد‭ ‬كان‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬لاستراتيجيات‭ ‬منفصلة‭ ‬للأمن‭ ‬البحري،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تشكيل‭ ‬تحالفات‭ ‬وتحالفات‭ ‬مضادة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬أوكوس‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وأستراليا‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2021م،‭ ‬والذي‭ ‬تضمن‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والمعرفة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الأمن‭ ‬والدفاع‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

 

{ مدير‭ ‬برنامج‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬

والدولية‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬‮«‬دراسات‮»‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا