بأغلبية كبيرة صوتت معظم دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا على إعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ولم تصوت ضد هذا الإعلان سوى 10 دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من مجموع 193 عضوا في الأمم المتحدة وامتناع 12 دولة عن التصويت ووافقت 142 دولة على هذا الإعلان المهم والتاريخي.
إن هذا الإعلان الذي دفعت به إلى الجمعية العامة للتصويت عليه كل من المملكة العربية السعودية الشقيقة وفرنسا وذلك في إطار الجهود الرامية لدعم مشروع حل الدولتين بإعادة القضية إلى جذورها التاريخية والسياسية والقانونية وكما هو معروف فإن هذا الجهد الكبير الذي تقوده المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية يأتي في سياق معاكس لما تقوم به الهمجية الصهيونية التي اتسع مداها وتجاوزت كل الحدود بسبب دعم الولايات المتحدة الأمريكية اللامحدود وبسبب وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تستند إلى مفاهيم وادعاءات وهمية حول إسرائيل الكبرى، وبسبب أيضا ضعف الموقف العربي وتراجع الدور العربي في كثير من القضايا الجوهرية وفي مقدمتها مساندة القضية الفلسطينية.
إن هذه المحاولات الجادة لإعادة القضية الفلسطينية إلى طريق السلام وإلى منطق العدل والشرعية الدولية ليست بجديدة منذ عام 2002 عندما قدم العرب مشروع إعلان بيروت بالإجماع والذي شمل مبدأ الأرض مقابل السلام كأساس للمبادرة العربية للسلام والذي يتماشى مع القوانين الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والتي لا تعترف بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة في حرب يونيو - حزيران 1967.
وبالرغم من الصعوبات الجمة التي تواجه هذا المشروع الجديد القائم على اعتراف الدول تدريجيا بالدولة الفلسطينية والذي تواجهه إسرائيل بكل عنف وحملات معادية للدول التي عبرت عن اعتزامها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فإن مشروع السلام وبناء الدولتين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية سوف يرسم مسارا لا رجعة فيه نحو السلام في المنطقة ستكون المملكة العربية السعودية وجميع شركاء العرب الإقليميين والدوليين في مقدمة القوى المناضلة من أجل تجسيد خطة السلام في المؤتمر الدولي حول حل الدولتين المعلن مؤخرا.
إن الدور العالمي لدعم الدولة الفلسطينية قد جاء من رحم الدمار الذي تسببت فيه آلة الحرب الصهيونية ومن الإبادة الجماعية والتطرف غير المسبوق من آلة الحرب الإسرائيلية والحكومة العنصرية المتطرفة التي يقودها المجرم بنيامين نتنياهو في ظل الدعم اللامحدود من الإدارة الأمريكية كل هذه العناصر استفزت الضمير العالمي سواء على صعيد الدول والقيادات أو على الصعيد الشعبي مما جعل التفكير في إحياء السلام هو الحل والرد الوحيد على الهمجية الإسرائيلية وعلى المواقف الأمريكية الغريبة الداعمة لهذا الجنون الإسرائيلي غير المسبوق.
إن المطالبات الدولية العربية الإسلامية بإقرار الحقوق الفلسطينية تنبع تحديدا من القرارات الدولية ذات الصلة فيما يسمى بالشرعية الدولية التي لا تحترمها الحكومة الإسرائيلية ولا تهتم بها ولا تنظر إليها بأي قدر من الاحترام.
لقد جاءت الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية كتعبير عن هذا الالتزام الدولي وعن الغضب من هذه التصرفات الإسرائيلية المتطرفة في حق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال وأصبحت هذه الاعترافات بمثابة الركيزة الأساسية لترسيخ حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وضمان حقوقه ضمن حل الدولتين بما سيعزز الأمن والاستقرار في هذه المنطقة من خلال وضع حد للعقلية التوسعية الإسرائيلية والقبول بمنطق الشرعية الدولية.
إن هذا الاتجاه الذي بدأ يتعزز خلال السنتين الماضيتين بسبب حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ومن المواقف القاسية التي أصبح وزراء من الحكومة الإسرائيلية يصرحون بها صراحة دون تردد مثل تأكيدهم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنع وصول الطعام والأدوية حتى أصبح هذا الخيار الدولي هو الوحيد لمواجهة هذه الغطرسة الإسرائيلية ومحاولة إقناع الإدارة الأمريكية للتحرك نحو السلام الذي لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كذلك فإن الادعاءات الإسرائيلية بأن هذه المواقف الدولية المتصاعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية هي دعم لحماس كما عبر عن ذلك مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة ليس له أي علاقة بالواقع لأن هذه المواقف الدولية لم تبدأ من اليوم أو أمس وإنما بدأت منذ عام 1967 بصدور القرارات الدولية التي تدعو إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة والقبول بحل الدولتين وهذا يؤكد أن القرارات الدولية واضحة وأن السلام في هذه المنطقة لن يتحقق إلا بإقامة الدولتين انطلاقا من القرارات الدولية منذ نشأة الكيان الصهيوني وإلى الوقت الحاضر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك