يروى أنه في ذلك الزمان القديم كانت هناك مدينة تُدعى (نوميرا)، كان يعيش فيها الناس في حالة من السكون التام، لا أحد يعمل، لا أحد يتحرك بسرعة، الجميع يمشى ولا يركض، ولا يعمل، وحتى كان الصمت يسود المدينة بسبب الكسل الذي كانوا يعيشون فيه، حتى الشمس كانت تمر ببطء شديد فوق سمائهم، وكأنها تأثرت بعدوى الكسل. وكان سكان نوميرا يعتقدون أن الراحة هي أعلى درجات الحكمة، وأن الحركة تُفسد صفاء الروح، فقد كان كل شيء في المدينة لا يتم وإن تم فإنه يتم ببطء شديد.
ذات يوم مر أحد المسافرين على تلك المدينة، وأثناء تجواله في شوارع المدينة لم يجد الأسواق والحوانيت المفتوحة، وإنما وجد أن كل شيء فارغ، وفي الطريق وأثناء تجواله وجد عددا من الرجال الجالسين في الطرقات؛ فحاول أن يحدثهم إلا أنه لم يجد أي استجابة منهم، فقد كانت ألسنتهم وكأنها مربوطة؛ فسأل نفسه: «لماذا لا يشعر الناس بالسعادة؟ لماذا وجوههم جامدة؟ لماذا لا يحلمون؟»، ثم قال في نفسه: «أشعر أن شيئًا ما ليس طبيعيا في هذه المدينة، ولكن ما هو؟»
فقرر المسافر أن يكتشف السبب، فخرج من المدينة إلى المدينة المجاورة، يسأل وينقب، ومن مدينة إلى أخرى حتى تبين له أن المدينة كانت في الماضي مليئة بالحركة والإبداع، حتى جاءهم ذات يوم رجل، فتم استضافته والاهتمام به كأي ضيف يمر فترة على المدينة ويرحل، إلا أن الرجل هاله كل هذا الإبداع وتلك الحركة وكل هذا النشاط فانزعج، فقرر أن يلقي بتعويذة بهدف أن يستشري الكسل بين أفراد المدينة وينتقل هذا الكسل من جيل إلى آخر، فأوهمهم أنه ساحر شرير فألقى عليهم ببعض الهمهمات، فاعتقد أهالي المدينة أنها تعويذة شريرة، فكان ذلك.
تلك التعويذة أو الهمهمات منحت الجميع الراحة الأبدية، فتوقفت الأعمال، وماتت الأشجار، وفسدت الوجوه والهمم، ومع مرور الوقت، تحولت الراحة إلى خمول، والخمول إلى لعنة.
أدرك الشاب المسافر أن عليه كسر هذه اللعنة، فكانت العملية شاقة جدًا فليس من السهولة كسر اللعنة، ولكنه من خلال الكتب والعلم والدين بدأ يوقظ الناس واحدًا تلو الآخر، يحفزهم على الحركة، على التفكير، على الحلم، وكان الأمر صعبًا في البداية، فالبعض قاوم، والبعض خاف، لكن شيئًا فشيئًا بدأت المدينة تستيقظ. وبعد سنوات عادت الألوان إلى الجدران، وعادت الحركة إلى الشوارع، وعادت الشمس تتحرك بسرعة كما كانت. وكان شعار ذلك الشاب أثناء عمله (الراحة لا تُثمر إلا إذا سبقتها الحركة).
بالفعل، فإن الكسل مهما كانت ممتعًا فإنه في النهاية ينهي الإنسان ويقصم ظهره.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الكسل، وذلك في أكثر من موضع، منها؛ ما رواه أنس بن مالك في صحيح البخاري حيث قال عليه السلام: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»، فالكسل مرفوض في العقيدة والفكر الإسلامي، وذلك بسبب أن الكسل هو النفور من المجهود أو بذل الشغل على الرغم من وجود القدرة البدنية عليه، ويُعد الكسل صفة ازدرائية، يوصف بها الشخص ذو النمط الكسول أو المحب للراحة.
ولقد أشار ليونارد كارميكيل [عالم النفس الأمريكي] إلى أن «الكسل ليس بالمصطلح المعتاد شرحه في أغلب محتويات كتب علم النفس، وهذه إحدى سيئات علم النفس الحديث، الذي انشغل بصورة أكبر في مسائل فرعية كالتجارب على الحيوانات مثل الفئران العطشى أو الخنازير الجائعة، أو حول الشعراء وكيف يكتبون شعرهم، أو العلماء وكيف يقضون أوقات الربيع في مختبراتهم تاركين الأوقات الممتعة وراءهم»، مشيرًا بذلك إلى أن موضوع الكسل لم يحظ بالأبحاث التي تُغطي جميع جوانبه على الرغم من انتشاره كسلوك بشري.
وتشير بعض الدراسات أن الكسل لا يُعد مجرد عادة سلبية، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تتداخل فيها العوامل النفسية، البيولوجية، والاجتماعية وغيرها. وقد أثبتت الدراسات أن الكسل المزمن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتدهور الصحة النفسية والجسدية، مما يجعله موضوعًا يستحق البحث والتحليل.
1. الكسل كاضطراب نفسي؛ تشير بعض الأبحاث إلى أن الكسل قد يكون انعكاسًا لحالة نفسية مثل الاكتئاب أو القلق المزمن، وليس مجرد تقاعس عن العمل، فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات مزاجية غالبًا ما يظهرون ميولًا للكسل بسبب انخفاض الحافز والطاقة. فقد نشرت مجلة (Psychosomatic Medicine) دراسة تبين أن الأشخاص الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام يتمتعون بمستويات أقل من القلق والتوتر مقارنة بمن يعانون من قلة الحركة.
2. التأثير الجسدي للكسل؛ وجد أن قلة النشاط البدني تؤثر سلبًا في وظائف الدماغ، وتقلل من إفراز هرمونات مثل السيروتونين والدوبامين، المرتبطة بتحسين المزاج، كما أن الكسل يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة مثل القلب والسكري والسرطان، ففي دراسة تم إجراؤها عام 1998 وجد أنه توفي حوالي 6400 شخص بسبب قلة النشاط البدني، مقارنة بنحو 5700 شخص بسبب التدخين، مما يبرز خطورة الكسل كعامل مميت.
3. العوامل الوراثية والبيولوجية؛ نحن لسنا من الذين يقولون إن العامل الحيوي أو الوراثي له علاقة بالكسل، إذ إنه سلوك أكثر من أنه عامل يمكن أن يورث مثل لون البشر والشعر وما إلى ذلك، ولكن نورد ما وصلت إليها من دراسات مثل ما كشفت دراسة من جامعتي أكسفورد وفلوريدا أن هناك جينات مسؤولة عن الشعور بالكسل والخمول، مما يشير إلى أن بعض الأفراد قد يكونون أكثر عرضة للكسل بسبب عوامل وراثية.
ويبقى دائمًا السؤال الأهم، كيف نتخلص من الكسل؟ وما الكسل وما ارتباطه وأسبابه؟
كيف نتخلص من الكسل؟
1. تحديد الأهداف بوضوح؛ بصورة دائمة ومستدامة يجب على الإنسان أن يفكر وأن يضع أهدافًا صغيرة قابلة للتحقيق، لأن الأهداف الكبيرة غير المحددة قد تسبب الإحباط وتزيد من الشعور بالكسل، فبدلاً من القول (سأبدأ بممارسة الرياضة)، يفضل أن نقول: (سأمشي 20 دقيقة يوميًا بعد العشاء)، فهذا الهدف واضح ويمكن تحقيقه، وليس من المعقول أن يضع إنسان يبلغ من العمر (الستين) هدفًا أن يقلل عمره البيولوجي إلى العشرين؟ فالأهداف من المهم أن تكون قابلة للتنفيذ.
2. تقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة؛ من أكبر صعوباتنا أننا نحاول أن ننجز المهام بأي طريقة كانت، وحتى الكبيرة منها، فإننا نحاول ونحاول حتى يبدو علينا الإرهاق واليأس لأننا لم نتمكن من الإنجاز، لذلك فإنه يجب أن نقسم المهام الكبيرة التي تبدو مرهقة إلى مهام أصغر حجمًا، وهذا يجعلها أكثر قابلية للتنفيذ. فمثلاً: إن كنا نريد كتابة تقرير أو كتاب أو ما شابه ذلك، فإنه من المناسب والأفضل على الذهن أن نقوم بتقسيمه إلى أقسام صغيرة مثل، الأسبوع الأول لجمع المعلومات، ثم كتابة الفصل الأول، وبعد ذلك الفصل الثاني وهكذا حتى ننتهي بالمقدمة.
3. استخدم تقنية (الدقائق 7)؛ هذه التقنية مريحة جدًا، وببساطة تعني أنه عندما يكون لدينا عمل، أيًا ما كانت صعوبته، فإنه يمكن أن نعمل عليه مدة 7 دقائق فقط، وبعدها نقيّم وضعنا فإن شعرنا أنه يمكننا إنجازه في الدقائق الباقية، فإذن لننجزه، وإن لم نشعر بذلك فإنه يمكننا أن نركن العمل عدة دقائق ثم نعود إليه لنكمله مرة أخرى، ولكن غالبًا ما يؤدي البدء إلى الاستمرار، لأن أصعب جزء هو البداية.
4. تنظيم الوقت والروتين اليومي؛ من المعروف عالميًا أن الوقت هو حياة الإنسان، ولكن للأسف فإننا كثيرًا ما نضيع أوقاتنا في أمور ليست ذات قيمة، مثل تصفح مواقع التواصل الاجتماعي التي لا نهاية لها، أو التسوق أو التحدث أو مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، والأسوأ من ذلك عندما تصبح هذه العادات روتينا يوميا، فالروتين يساعد العقل على التعود والتبلد، ويزيد من التردد والتسويف. فتصور نفسك أنك من غير عمل، وتجلس في البيت أمام شاشة التلفزيون أو الهاتف ساعات وساعات، وفي نهاية اليوم تذهب إلى الفراش، ترى ماذا فعلت في حياتك؟ كان لدي صديق يقول: «لو لم أفعل أي شيء في يومي، أشعر أني سخيف».
5. ممارسة الرياضة بانتظام؛ من المعروف أن النشاط البدني يحفز إفراز هرمونات النشاط مثل الدوبامين، ويقلل من الشعور بالخمول، فلو خرج أحدنا من المنزل يوميًا بعد صلاة الفجر، أو بعد صلاة العشاء وذهب إلى مجمع تجاري –مثلاً– لمجرد ممارسة رياضة المشي مدة نصف ساعة يوميًا، ترى كيف ستتحسن حياته؟
6. طلب الدعم؛ إن لم تستطع أن تتخلص من أسباب الكسل تحدث مع صديق أو مستشار حتى يساعدك في توضيح مشاكلك أو أسباب الاكتئاب أو القلق، أو أيًا ما كانت الأسباب.
7. البيئة المحفزة؛ في كل الأحوال إن استمرت حالات الكسل فإنه من المهم أن تغيّر مكان العمل أو الدراسة ليكون أكثر إشراقًا وتنظيمًا، فالمكان يؤثر في المزاج والطاقة.
هذه بعض الأسباب وبعض حلول الكسل، نرجو أن نكون وضعنا أيدينا على هذه الآفة التي نراها تنخر بين الشباب العربي وتمنعه من الانطلاق.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك