العدد : ١٧٣٥٠ - الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٠ - الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وانهالت علي الأموال

عندما‭ ‬اخترت‭ ‬سعيدة‭ ‬الحظ‭ ‬التي‭ ‬ستصبح‭ ‬زوجتي،‭ ‬ووضعنا‭ ‬جدولا‭ ‬زمنيا‭ ‬لإبرام‭ ‬‮«‬الصفقة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إكمال‭ ‬المراسيم،‭ ‬اجتمع‭ ‬لدي‭ ‬مبلغ‭ ‬ضخم‭ ‬من‭ ‬المال‭ (‬ضخم‭ ‬بمقاييسي‭ ‬المتواضعة‭ ‬جدا‭)‬،‭ ‬لسداد‭ ‬المهر‭ ‬وإطعام‭ ‬‮«‬الجماهير‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬هان‭ ‬علي‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬ستضيع‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬ففكرت‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أخلع‮»‬‭ ‬أي‭ ‬اصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الزواج،‭ ‬ثم‭ ‬لعنت‭ ‬إبليس‭ ‬واللي‭ ‬صار،‭ ‬صار‭.‬

نقلوني‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ‭ ‬بالمستشفى‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬بدأ‭ ‬قلبي‭ ‬يعمل‭ ‬بطريقة‭ ‬صبيانية‭ ‬عشوائية،‭ ‬وأصل‭ ‬الحكاية‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الله‭ ‬فتحها‭ ‬علي‭ ‬فجأة‭: ‬فقد‭ ‬تلقيت‭ ‬أشعارا‭ ‬بترقية‭ ‬تؤدي‭ ‬الى‭  ‬زيادة‭ ‬راتبي‭ ‬بنسبة‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وبعدها‭ ‬بقليل‭ ‬جاءني‭ ‬موظف‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬الرواتب‭ ‬ومعه‭ ‬إشعار‭ ‬بمبلغ‭ ‬ثلاثة‭ ‬الاف‭ ‬ريال‭ ‬هي‭ ‬فروقات‭/ ‬متأخرات‭ ‬مستحقة‭ ‬لي‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬اخطاء‭ ‬حسابية،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬ذاك‭ ‬اليوم‭ ‬ارسلت‭  ‬مطبوعة‭ ‬كنت‭ ‬اكتب‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬إليّ‭ ‬ثروة‭ ‬طائلة‭ (‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬أخضر‭) ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬نسيت‭ ‬أمرها‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المطبوعة‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬وبداهة‭ ‬فإنهم‭ ‬لم‭ ‬يبعثوا‭ ‬لي‭ ‬بحقوقي‭ ‬المكتسبة‭ ‬لان‭ ‬ضميرهم‭ ‬استيقظ،‭ ‬بل‭ ‬لانهم‭ ‬غازلوني‭ ‬بهدف‭ ‬استدراجي‭ ‬لاستئناف‭ ‬الكتابة‭ ‬عندهم،‭ ‬فسايرتهم‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬عقولهم،‭ ‬فأرسلوا‭ ‬لي‭ ‬مستحقاتي‭ ‬القديمة‭ ‬كطعم‭ ‬لاصطيادي،‭ ‬وبداهة‭ ‬أيضا‭ ‬فإن‭ ‬الكتابة‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الحمامات‭ ‬أهون‭ ‬عندي‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬مطبوعة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تطلق‭ ‬كتابها‭ ‬بمعروف،‭ ‬وتعطيهم‭ ‬الصداق‭ ‬المؤجل‭ ‬فقط‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬إرجاعهم‭. ‬ثم‭ ‬عدت‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬لأبشر‭ ‬زوجتي‭ ‬بالثروة‭ ‬التي‭ ‬هبطت‭ ‬علي‭ ‬ولأبلغ‭ ‬عيالي‭ ‬بأن‭ ‬مسألة‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬باتت‭ ‬محلولة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬توافر‭ ‬لدي‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ما‭ ‬يعينني‭ ‬على‭ ‬السفر‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬الى‭ ‬الصومال‭ ‬أو‭ ‬دارفور،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬رواندا،‭ ‬فإذا‭ ‬بزوجتي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬ان‭ ‬أمارس‭ ‬معها‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬إلا‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬مصابة‭ ‬بالتهاب‭ ‬في‭ ‬الأسنان‭ ‬او‭ ‬اللثة‭ ‬أو‭ ‬الأنف‭ ‬والأذن‭ ‬والحنجرة‭. ‬إذا‭ ‬بها‭ ‬تمد‭ ‬يدها‭ ‬لي‭ ‬وهي‭ ‬تبتسم‭: ‬خذ‭ ‬هذه‭ ‬ثلاثة‭ ‬الاف‭ ‬ادخرتها‭ ‬من‭ ‬مصروف‭ ‬البيت‭ ‬لأبرهن‭ ‬لك‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬ترشيد‭ ‬الإنفاق‭!‬

كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فوق‭ ‬طاقة‭ ‬قلبي‭ ‬المرهف‭ ‬فأصبح‭ ‬ينبض‭ ‬مرتين‭ ‬متتاليتين‭ ‬ويسكت‭ ‬لنحو‭ ‬خمس‭ ‬ثوان،‭ ‬ثم‭ ‬أحسست‭ ‬به‭ ‬يهبط‭ ‬الى‭ ‬جوف‭ ‬مصراني‭ ‬الأعور‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬سلفا‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬نتوءات‭ ‬وأخاديد،‭ ‬فاضطربت‭ ‬أنفاسي‭ ‬حتى‭ ‬حسبت‭ ‬ان‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬قطعت‭ ‬عني‭ ‬الاوكسجين‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬دفع‭ ‬‮«‬فواتير‭ ‬التنفس‮»‬،‭ ‬باختصار‭ ‬تم‭ ‬نقلي‭ ‬الى‭ ‬المستشفى‭ ‬حيث‭ ‬أفتى‭ ‬طبيب‭ ‬آسيوي‭ ‬بأن‭: ‬هارت‭ ‬مال‭ ‬انت‭ ‬واجد‭ ‬خراب‭. ‬كلش‭ ‬كشرة‭. ‬هذا‭ ‬نمونة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬زين‭. ‬لازم‭ ‬انت‭ ‬حصِّل‭ ‬هارت‭ ‬غير‭ ‬شكل‭. ‬ما‭ ‬يسوي‭ ‬تبديل‭ ‬انت‭ ‬في‭ ‬داي‭.. ‬موت‭!! ‬والفائدة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬بها‭ ‬منه‭ ‬هي‭ ‬انه‭ ‬أعطاني‭ ‬اجازة‭ ‬مرضية‭ ‬مدتها‭ ‬5‭ ‬أيام‭ ‬تمكنت‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬علي،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬قلبي‭ ‬ذاك‭ ‬شغال‭ ‬في‭ ‬أمان‭ ‬الله‭ ‬رغم‭ ‬الفتوى‭ ‬الطبية‭ ‬بأنه‭ ‬واجد‭ ‬خراب‭ ‬وكشرة‭.‬

تذكرت‭ ‬ذلك‭ ‬العجوز‭ ‬الأمريكي‭ ‬ذا‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬الجعفرية،‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬قريب‭ ‬له‭ ‬وترك‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬وصيته‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬فطلب‭ ‬ولده‭  ‬من‭ ‬عمه‭ ‬الشاب‭ ‬ان‭ ‬يبلغ‭ ‬والده‭ ‬الخبر‭ ‬بطريقة‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬أخذاً‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬انه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬علة‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬لأن‭ ‬فرحة‭ ‬أيلولة‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬إليه‭ ‬ستجيب‭ ‬خبره،‭ ‬وبعد‭ ‬اللف‭ ‬والدوران‭ ‬سال‭ ‬العم‭ ‬أخاه‭ ‬العجوز‭: ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬اذا‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬فأجاب‭ ‬العجوز‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تردد‭: ‬أعطيك‭ ‬نصفها،‭ ‬هنا‭ ‬وضع‭ ‬العم‭ ‬‮«‬الشاب‮»‬‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬صدره‭ ‬وسقط‭ ‬ميتا،‭ ‬وتحضرني‭ ‬أيضا‭ ‬حكاية‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬قطته‭ ‬العزيزة‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬جاره‭ ‬عندما‭ ‬سافر،‭ ‬فاتصل‭ ‬الجار‭ ‬به‭ ‬ليبلغه‭ ‬بأن‭ ‬القطة‭ ‬ماتت،‭ ‬فحزن‭ ‬الرجل‭ ‬وعاتب‭ ‬جاره‭ ‬قائلا‭: ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬ان‭ ‬تهيئني‭ ‬للخبر‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬القطة‭ ‬على‭ ‬السقف،‭ ‬وبعدها‭ ‬بيوم‭ ‬بأنها‭ ‬تعالج‭ ‬عند‭ ‬البيطري‭ ‬وبعدها‭ ‬بأنها‭ ‬في‭ ‬العناية‭ ‬المركزة‭ ‬ثم‭ ‬بعدها‭ ‬بأيام‭ ‬بأنها‭ ‬ماتت‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬ببضعة‭ ‬أيام‭ ‬اتصل‭ ‬الرجل‭ ‬المسافر‭ ‬بجاره‭ ‬يسأله‭: ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬أي‭ ‬أخبار‭ ‬عن‭ ‬أمي‭ ‬فأجاب‭ ‬الجار‭: ‬أمك‭ ‬على‭ ‬السقف‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا