تحيي الأمم المتحدة هذا العام الذكرى الثمانين لتأسيسها، وهي محطة تاريخية تجسد ثمانية عقود من العمل الدولي المشترك من أجل السلام والتنمية ونشر حقوق الإنسان. ففي عام 1945، اجتمع ممثلو شعوب العالم في سان فرانسيسكو، بعد حرب عالمية مدمرة، ليضعوا رؤية جديدة لعالم أكثر عدلاً واستقراراً. واليوم، ومع انطلاق الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، نحن مدعوون لاستحضار تلك الروح من العزيمة والبصيرة لمواجهة التحديات المتزايدة التي تحيط بنا.
ولا شك أن السياق العالمي في عام 2025 يبعث على القلق العميق. فالصراعات المسلحة تتصاعد، ويتم انتهاك القانون الدولي بشكل صارخ ومتكرر، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط، فيما تتعرض الدبلوماسية متعددة الأطراف لضغوط شتى، وتواجه الأمم المتحدة نفسها ضغوطاً غير مسبوقة، بما فيها النقص الحاد في التمويل المخصص للعمل التنموي والإنساني، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات بشكل مطرد. ومع ذلك، تظل الجمعية العامة للأمم المتحدة منبراً فريداً، بل ربما المنبر الوحيد، الذي يجمع كافة الدول لمواجهة التهديدات المشتركة والتوصل الى الحلول بشكل جماعي.
وفي الذكرى الثمانين للتأسيس، تحتفي مبادرة UN80بإرث الأمم المتحدة وتضع رؤية طموحة للمستقبل. وقد وضع ميثاق المستقبل، الذي تم اعتماده في سبتمبر الماضي، إطاراً جديداً للتعاون الدولي، يرتكز على التضامن والاستدامة والشمولية. ويمثل ميثاق المستقبل دعوة لتجديد الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، وبالقانون الدولي، وبالقيم التي أرستها المنظمة وعملت على تحقيقها منذ تأسيسها.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته الافتتاحية للدورة الثمانين للجمعية العامة: «بعد ثمانية عقود، يذكرنا ميثاق المستقبل أنه لا يزال بإمكاننا ويجب علينا أن نرتقي فوق الانقسامات ونعمل معاً – لجعل عالمنا مكاناً أفضل، أكثر سلاماً وازدهاراً للجميع».
وفي هذا السياق، يتنامى دور مملكة البحرين كعضو فاعل في الأمم المتحدة والعلاقات الدولية. فقد شهد عام 2024 سلسلة من الفعاليات رفيعة المستوى بين البحرين والأمم المتحدة، عكست التزام المملكة بالدبلوماسية متعددة الأطراف ودورها المتنامي في الساحة الدولية.
ففي مايو 2024، قام الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة البحرين للمشاركة في القمة العربية التي استضافتها المملكة، وهي القمة التي سلطت الضوء على الدور الاستراتيجي للبحرين في الدبلوماسية الإقليمية، وعلى التزامها بتعزيز الحوار والتعاون الدوليين. ومثلت الزيارة خطوة عملية نحو تعزيز الشراكة بين الأمم المتحدة والبحرين من جهة، وبين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية من جهة أخرى.
وفي ديسمبر 2024، وقّعت البحرين والأمم المتحدة إطارا جديدا للتعاون من أجل التنمية المستدامة، يربط بشكل وثيق بين الأولويات الوطنية للمملكة وأهداف التنمية المستدامة. ويركز هذا الإطار على النمو الاقتصادي الشامل، والمرونة المناخية، والتحول الرقمي، والمساواة بين الجنسين، ويتوافق مع رؤية البحرين 2030.
وتحرص الأمم المتحدة في البحرين على دعم هذه الجهود، إذ تعمل وكالاتنا وبرامجنا بشكل وثيق مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق نتائج ملموسة، من تعزيز الصحة والتعليم إلى دعم العمل المناخي وتمكين النساء والشباب، وترسيخ حقوق الإنسان، عبر شراكة متنامية قوامها الحوار البناء والاحترام المتبادل وإعلاء الأهداف المشتركة.
وقد تم مؤخرا انتخاب البحرين كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2026–2027. ويُعدّ هذا الإنجاز شهادة دولية على مصداقية الدبلوماسية البحرينية النشطة وعلى التزامها بالمشاركة البناءة في القضايا الدولية. وبينما تستعدَ المملكة حاليا لتولي هذا الدور المهم، والترويج لرؤيتها القائمة على الحوار والاعتدال واحترام القانون الدولي، تمثل الجمعية العامة لهذا العام فرصة للبحرين لمزيد تأكيد دورها بين الأمم وإسهاماتها في مواجهة التحديات المتنامية مثل تآكل الثقة، وتصاعد الانقسامات، وجمود الاستجابات، والتحديات المستجدة على غرار التكنولوجيات التوليدية والذكاء الاصطناعي.
وفي الذكرى الثمانين للتأسيس، علينا أن نتذكر أن ميثاق الأمم المتحدة لا يُنفَذ من تلقاء نفسه، بل «يتطلب من الدول أن تنظر إلى ما وراء مصالحها الوطنية، وأن تعيد بناء الثقة والإيمان ببعضها البعض، وبما يمكننا تحقيقه من خلال التعاون والتضامن»، وفقا لما ذكره الأمين العام.
{ المنسق المقيم للأمم
المتحدة في مملكة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك