يعد الجوهر الحقيقي لوجود التقنيات التكنولوجية الحديثة، هو مقدار ما يمكن أن تضيفه من صبغة إيجابية ملموسة الأثر على المجتمع، من حيث قدرتها على تطبيق حلول مبتكرة للمشاكل المجتمعية، وتحسين جودة حياة الأفراد والمجتمعات بشكل عام.
ومن هذا المنطلق؛ لم يعد منظور الذكاء الاصطناعي محصورًا في مفهوم الترف والرفاهية التقنية، إنما بات يتجاوز ذلك لما هو أبعد، إذ صار اليوم واقعًا ملموسًا يعيد تشكيل حياتنا، وضرورة قومية ملحة وأساسية؛ بكونه أصبح يعيد صياغة القطاعات الحيوية كافة، كالتعليم، والصحة، والصناعة، والآمن، إلخ، وذلك بما يرفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدول في مختلف القطاعات.
بما في ذلك إدارة حركة المرور على الطريق، إذ يمكن أن يحقق توظيفه فيها بيئة مرورية أكثر أمانًا وحفاظًا على سلامة الأرواح والممتلكات، ما ينعكس بشكل إيجابي على جودة حياة المجتمع وصون حقوق الإنسان من أي تهور أو عبث واستهتار.
وذلك لأن السلامة المرورية مشتق أساسي ومهم من مشتقات أهم القطاعات الحيوية للدول وهو القطاع الأمني، وتحقيق هذه السلامة مرهون بالحرص على تحقيق الأمن على الطريق، لا سيما إبان تنامي الكثافة السكانية التي أدت بدورها إلى زيادة عدد المركبات، مما بات يزيد من عدد الحوادث المرورية، الأمر الذي أضحى يشكل تهديدًا صريحًا للسلامة العامة ويؤدي إلى خسائر بشرية ومادية فادحة وجسيمة.
وانطلاقًا من الحرص المعهود لوزارة الداخلية في مملكة البحرين على توفير الأمن والأمان وحماية المواطنين والمقيمين، وبهدف تطبيق المزيد من الإجراءات الوقائية والتدابير التنظيمية لتعزيز السلامة المرورية، ومواكبة للتطورات التكنولوجية المستمرة لتحديث المنظومة الأمنية بشكل عام والمرورية بشكل خاص، وقّعت الوزارة خلال الأسابيع القليلة الماضية اتفاقية شراكة مع شركة (بيون)، وذلك لتنفيذ نظام متكامل للرقابة المرورية يعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
إذ يهدف هذا النظام إلى تعزيز السلامة المرورية ورفع مستوى الانضباط على الطريق، وبموجب الاتفاقية المبرومة؛ زودت شركة (بيون للحلول) التابعة لشركات (بيون) الإدارة العامة للمرور بـ500 كاميرا ذكية، لتشكل جزءًا من نظام مراقبة الحركة المرورية، بحيث يشمل حلول تقنية متقدمة قادرة على التطور والتعلم الذاتي، وتقديم بيانات ذات دقة عالية تسمح باتخاذ إجراءات فعالة بشكل استباقي.
هذا ويعمل النظام على التقاط الكاميرات الذكية للبيانات من الطرق؛ بحيث يستخدم الذكاء الاصطناعي هذه البيانات لتتبع الحركة المرورية وتحديد الانتهاكات ورصد المخالفات كتجاوز الإشارة الحمراء، والسرعة الزائدة، واستخدام الهاتف المحمول وغيرها، بالإضافة إلى تعديل توقيت إشارات المرور بصورة ديناميكية؛ وذلك لتقليص أوقات الانتظار عند التقاطعات بهدف تقليل الازدحام بشكل عام، كما يعمل على مراقبة الأداء على الطرق بما يسهم في رفع مستوى السلامة المرورية، إلخ.
علاوة على ذلك يعمل النظام على تحقيق استراتيجية مملكة البحرين من أجل إحلال معايير السلامة المرورية الحديثة، بما يكفل خفض معدلات الحوادث المرورية وما يترتب عليها من خسائر بشرية واقتصادية، وذلك من خلال إتاحة إمكانيات رقابية ذات وصول أعلى لضبط السلوكيات الخطرة عبر تشديد الرقابة الأمنية وتغليط العقوبات، وتطبيق قانون مروري أكثر صرامة على كل من تسوّل له نفسه الإخلال بحياة الأرواح والممتلكات والأمن على الطريق وتهديد طمأنينة المجتمع، بهدف ضمان تحقيق بيئة مرورية أكثر أمانًا.
لم يكن هذا التغيير تقنيًا أو على صعيد تغليط العقوبات وتعديل القوانين فحسب؛ إنما كان ذا انعكاس مباشر على حجم الحوادث المرورية البليغة، حيث سجلت الإدارة العامة للمرور انخفاضًا ملموسًا في أعدادها، وهذا يدل على نجاح هذه الخطوات في تعزيز السلامة العامة.
ومما لا شك فيه إن هذه الخطوات التي سعت إليها وزارة الداخلية ذات أبعاد مهمة وتستحق الإشارة إليها والإشادة بها؛ لما تكفله من حرص على أمن وسلامة الأفراد وسلاسة الحركة المرورية في شوارع المملكة، وبما تحققه من تناغم مع التطورات الأمنية التكنولوجية في المجال المروري العالمي، ولتعزيزها رؤية المملكة 2030 الرامية لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي رائد في مجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
وفي موازاة ذلك؛ لا بد من تسليط الأضواء على الأدوار الرائدة والفاعلة التي تلعبها مجموعة شركات (بيون) في دعم جهود المملكة، سواء في القطاع الأمني أو في القطاعات الأخرى، من خلال تبنيها لأحدث الأنظمة وأكثرها تطورًا مساهمة منها في رفد النمو الرقمي وتوفير الحلول المبتكرة للاتصالات والمعلومات، وما تلك إلا جهود نابعة من حس مجتمعي مسؤول وحرص وطني عال يستحق التقدير.
خلاصة القول، إن النظام المروري الجديد بكل حيثياته ما هو إلا رسالة من الدولة مفادها إن سلامة الإنسان هي أولوية وطنية، ومسؤولية جماعية، تستوجب تكاتف كل شرائح المجتمع في تطبيق الأنظمة واحترام القوانين بما يحفظ الحقوق ويعكس وعي وتحضر المجتمع البحريني، لأن ذلك لا يتحقق فقط باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية وتشديد الرقابة والقوانين، إنما بتعاون شامل من كل أفراد المجتمع، باعتبار أن سلامة الطرق مسؤولية مشتركة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك