العدد : ١٧٣٣٩ - الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٩ - الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الطريق إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. لحظة حاسمة في الضمير الغربي

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

بينما‭ ‬تواصل‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬حصد‭ ‬أرواح‭ ‬آلاف‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يتصاعد‭ ‬الحراك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬السياسة‭ ‬الغربية‭ ‬باتجاه‭ ‬اعتراف‭ ‬متزايد‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬متأخرًا،‭ ‬يعكس‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التململ‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬إزاء‭ ‬استمرار‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وغياب‭ ‬الأفق‭ ‬السياسي‭. ‬لكن‭ ‬بين‭ ‬الإرادة‭ ‬المعلنة‭ ‬والواقع‭ ‬العملي،‭ ‬تقف‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العوائق‭ ‬السياسية،‭ ‬أبرزها‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬ومحاولات‭ ‬تقويض‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬في‭ ‬مهدِه‭.‬

في‭ ‬محاولة‭ ‬متأخرة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬23‭ ‬شهرًا،‭ ‬وما‭ ‬خلّفته‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬شامل‭ ‬وجرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬أعلنت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬كبرى‭ ‬نيتها‭ ‬الاعتراف‭ ‬رسميًّا‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬خلال‭ ‬الدورة‭ ‬الثمانين‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬المقررة‭ ‬بين‭ ‬9‭ ‬و23‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭. ‬فبعد‭ ‬تعهدات‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬برئاسة‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬انضمت‭ ‬بلجيكا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬وأستراليا‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬العلني‭ ‬دعمها‭ ‬لحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬147‭ ‬دولة‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تعترف‭ ‬بالفعل‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدول‭ ‬العشر‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سابقًا‭ ‬إسبانيا،‭ ‬إيرلندا،‭ ‬السويد،‭ ‬بولندا،‭ ‬المجر،‭ ‬سلوفاكيا،‭ ‬سلوفينيا،‭ ‬رومانيا،‭ ‬بلغاريا،‭ ‬قبرصأعلنت‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬البرتغال‭ ‬وفنلندا‭ ‬وأيسلندا‭ ‬ونيوزيلندا‭ ‬دعمها‭ ‬لما‭ ‬بات‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ«نداء‭ ‬نيويورك‮»‬‭ ‬الداعي‭ ‬لتطبيق‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬احتمالات‭ ‬اعتراف‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬المقبلة‭.‬

هذا‭ ‬الزخم‭ ‬دفع‭ ‬شخصيات‭ ‬مثل‭ ‬ريتشارد‭ ‬هاس،‭ ‬الرئيس‭ ‬الفخري‭ ‬لمجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يُدفن‭ ‬بعد‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬بدعم‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الجمهورية‭ ‬بقيادة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬كثفت‭ ‬جهودها‭ ‬لعرقلة‭ ‬هذه‭ ‬التحركات،‭ ‬بينما‭ ‬وسّعت‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬عرقلة‭ ‬حضور‭ ‬الوفد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بمنع‭ ‬وإلغاء‭ ‬تأشيرات‭ ‬الدخول،‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬واضح‭ ‬لاتفاقية‭ ‬مقر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

ورغم‭ ‬إعلان‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬ثم‭ ‬يوليو‭ ‬2025‭ ‬عزمه‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فإن‭ ‬تراجعه‭ ‬عن‭ ‬التنفيذ‭ ‬الفوري‭ ‬أعاد‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬استعداد‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الضغوط‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الاعترافات،‭ ‬مثل‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬جاءت‭ ‬مشروطة‭.‬

نبهت‭ ‬صحيفة‭ ‬التليجراف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬حول‭ ‬الاعتراف‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬أعضاء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فيما‭ ‬أشار‭ ‬غافن‭ ‬بتلر‭ ‬من‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬‮«‬تمضي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬المعتاد‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬اتهام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭.‬

كان‭ ‬ماكرون‭ ‬أول‭ ‬زعيم‭ ‬غربي‭ ‬يربط‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفلسطين‭ ‬بتصعيد‭ ‬الضم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لغزة،‭ ‬معتبرًا‭ ‬ذلك‭ ‬تحديًا‭ ‬للوضع‭ ‬الراهن،‭ ‬بحسب‭ ‬جان‭ ‬لوب‭ ‬سمعان،‭ ‬الزميل‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬قرار‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬استجابة‭ ‬لضغوط‭ ‬داخلية‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬والرأي‭ ‬العام،‭ ‬حيث‭ ‬أيد‭ ‬نحو‭ ‬45%‭ ‬من‭ ‬البريطانيين‭ ‬الخطوة‭ ‬مقابل‭ ‬14%‭ ‬فقط‭ ‬معارضين،‭ ‬بحسب‭ ‬استطلاع‭ ‬حديث‭.‬

أعلنتا‭ ‬كندا‭ ‬وأستراليا‭ ‬بدورهما‭ ‬دعمًا‭ ‬مشابهًا،‭ ‬إذ‭ ‬وصف‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسترالي‭ ‬أنتوني‭ ‬ألبانيز‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬أفضل‭ ‬أمل‭ ‬للإنسانية‭ ‬لكسر‭ ‬دائرة‭ ‬العنف‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬أوائل‭ ‬سبتمبر،‭ ‬أعلنت‭ ‬بلجيكا‭ ‬نيتها‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأوضح‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها،‭ ‬ماكسيم‭ ‬بريفو،‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬بلاده‭ ‬يأتي‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬‮«‬الطموحات‭ ‬التوسعية‮»‬‭ ‬و«برنامج‭ ‬الاستعمار‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو،‭ ‬متعهدًا‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬مسؤولين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬ومستوطنين‭ ‬عنيفين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حظر‭ ‬واردات‭ ‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭.‬

أما‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يُحتمل‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬لاحقًا،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬فرنسا‭ ‬والسعودية‭ ‬قمة‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬سبتمبر‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حشد‭ ‬أوسع‭ ‬دعم‭ ‬دولي‭ ‬ممكن‮»‬‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أبدت‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬والبرتغال‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الرسمي،‭ ‬عبر‭ ‬تصريحات‭ ‬ومداولات‭ ‬حكومية‭ ‬داخلية‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬واصلت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬دعمها‭ ‬المطلق‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وقللت‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬التحركات‭ ‬الفرنسية،‭ ‬حيث‭ ‬سخر‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬ماكرون‭ ‬قائلًا‭: ‬إن‭ ‬‮«‬حديثه‭ ‬لا‭ ‬يهم‮»‬،‭ ‬ملوحًا‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬تجارية‭ ‬على‭ ‬كندا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬مضت‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬الرسمي‭.‬

فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها،‭ ‬فقد‭ ‬تجلّت‭ ‬سَفاهة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬فرضها‭ ‬لأي‭ ‬عائق‭ ‬ممكن‭ ‬أمام‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬المناهضة‭ ‬لها،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفض‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬إصدار‭ ‬تأشيرات‭ ‬دخول‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬مسؤولًا‭ ‬فلسطينيا،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يسافروا‭ ‬إلى‭ ‬نيويورك،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭. ‬وفي‭ ‬انتهاك‭ ‬واضح‭ ‬لالتزامات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬مقر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أشارت‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أصدرت‭ ‬تأشيرات‭ ‬لممثلي‭ ‬دول‭ ‬‮«‬تُفرض‭ ‬عليها‭ ‬عقوبات‭ ‬شديدة‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬يُخفِ‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو‭ ‬النيات‭ ‬الحقيقية‭ ‬لحكومته،‭ ‬حيث‭ ‬اعترف‭ ‬صراحة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الحظر‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إحباط‭ ‬الاعتراف‭ ‬العالمي‭ ‬المتزايد‭ ‬بما‭ ‬وصفه‭ ‬بـ«الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المفترضة‮»‬‭.‬

كما‭ ‬طالبت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المسؤولين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بإنهاء‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬محاولاتهم‭ ‬لتجاوز‭ ‬المفاوضات‭ ‬عبر‭ ‬حملات‭ ‬الحرب‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬التحقيقات‭ ‬الجارية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬بشأن‭ ‬سلسلة‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المرتكبة‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تُعدّ‭ ‬أبرز‭ ‬الحكومات‭ ‬الساعية‭ ‬إلى‭ ‬عرقلة‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأوسع‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أيضًا‭ ‬إثارة‭ ‬مسألة‭ ‬إحجام‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬عن‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬المتنامي،‭ ‬رغم‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬الإدانة‭ ‬العامة‭ ‬لانتهاكات‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والأراضي‭ ‬المحتلة‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬رفضت‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية،‭ ‬برئاسة‭ ‬فريدريش‭ ‬ميرز،‭ ‬الاعتراف،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬استطلاعًا‭ ‬حديثًا‭ ‬أظهر‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬المواطنين‭ ‬الألمان‭ ‬يؤيدون‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الإيطالية،‭ ‬رفضت‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬جورجيا‭ ‬ميلوني‭ ‬الاعتراف،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاعتراف‭ ‬بشيء‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬قد‭ ‬يوحي‭ ‬وكأن‭ ‬المشكلة‭ ‬قد‭ ‬حُلّت،‭ ‬بينما‭ ‬الواقع‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬وأستراليا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬نياتها‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬تجاه‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إليها‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شكوكًا‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬سيستمر،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الضغوط‭ ‬المتزايدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬الأخلاقية‭ ‬المنتشرة،‭ ‬ستؤدي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬إعاقة‭ ‬هذا‭ ‬القبول‭ ‬المتأخر‭ ‬جدًا‭ ‬لحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الفرنسي،‭ ‬صرّح‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬سيتم‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬مقرر‭ ‬عقده‭ ‬في‭ ‬يونيو،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الالتزام‭ ‬عندما‭ ‬رفضت‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭ ‬وآخرون‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬وعندما‭ ‬شنّت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هجمات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬نووية‭ ‬وعسكرية‭ ‬إيرانية‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو،‭ ‬تم‭ ‬تأجيل‭ ‬القمة‭ ‬بذريعة‭ ‬‮«‬أسباب‭ ‬لوجستية‭ ‬وأمنية‮»‬،‭ ‬حسب‭ ‬وصف‭ ‬الزعيم‭ ‬الفرنسي‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬شروطًا‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مقابل‭ ‬الاعتراف،‭ ‬إنما‭ ‬تحتفظ‭ ‬لنفسها‭ ‬بوسيلة‭ ‬للتراجع‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬فعلي‭. ‬وكما‭ ‬أوضحت‭ ‬مكتبة‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬البريطاني،‭ ‬فإن‭ ‬اعتراف‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مشروط‭ ‬بعدة‭ ‬عوامل،‭ ‬منها‭ ‬عدم‭ ‬وفاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمتطلبات‭ ‬بريطانية‭ ‬تتعلق‭ ‬بإحراز‭ ‬‮«‬تقدم‭ ‬كافٍ‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬تحسين‭ ‬الوضع‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وتحقيق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬مستدام‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬مشروط‭ ‬أيضًا‭ ‬بقيام‭ ‬حماس‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن‭ ‬المتبقين،‭ ‬ونزع‭ ‬سلاحها،‭ ‬وعدم‭ ‬لعب‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقبلية‭ ‬‭ ‬وهي‭ ‬نفس‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الحكومتان‭ ‬الكندية‭ ‬والبلجيكية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬إعلان‭ ‬ستارمر‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬‮«‬ستُجري‭ ‬تقييمًا‮»‬‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحماس‭ ‬قد‭ ‬التزمتا‭ ‬بهذه‭ ‬الخطوات،‭ ‬يُظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحتفظ‭ ‬لنفسها‭ ‬بخط‭ ‬رجعة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬معلن‭.‬

وعليه،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬للغاية‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬نفس‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬أدانت‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتعاون‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرف‭. ‬ففي‭ ‬حالة‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يستقبل‭ ‬مجلس‭ ‬وزراء‭ ‬ستارمر‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إسحاق‭ ‬هرتسوغ‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬أعمال‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬سيتعرض‭ ‬للضغط‭ ‬للتراجع‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬اعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬أشار‭ ‬بتلر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأسترالية‭ ‬نالت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬إشادة‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬بطرد‭ ‬السفير‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬كانبيرا‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬بلجيكا،‭ ‬فقد‭ ‬ادعى‭ ‬بريفو‭ ‬أن‭ ‬تأخير‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفلسطين‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬الشعب‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬متجاهلًا‭ ‬بذلك‭ ‬الموت‭ ‬والدمار‭ ‬غير‭ ‬المسبوقين‭ ‬اللذين‭ ‬تعرض‭ ‬لهما‭ ‬المدنيون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الـ‭ ‬23‭ ‬التالية‭ ‬لذلك‭ ‬الهجوم‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬شبكة‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬اعتراف‭ ‬غربي‭ ‬محقق‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خلال‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬يُسرّع‭ ‬من‭ ‬خطوات‭ ‬إسرائيل‭ ‬لضم‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬فقد‭ ‬ادعى‭ ‬ماكرون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬ضم‭ ‬أو‭ ‬تهجير‭ ‬قسري‭ ‬للسكان‭ ‬لن‭ ‬تُعيق‭ ‬الزخم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬تشكّل‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مسألة‭ ‬اعتراف‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬مرتبطة‭ ‬دائمًا‭ ‬بكيفية‭ ‬إفادة‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لملايين‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يعانون‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬العشوائي‭ ‬والجوع‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أعربت‭ ‬فيه‭ ‬الممثلة‭ ‬العليا‭ ‬للشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬كايا‭ ‬كالاس،‭ ‬عن‭ ‬الإحباط‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬عجزهم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬فعل‭ ‬المزيد‮»‬‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فإن‭ ‬الحكومات‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تدّعي‭ ‬نيتها‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬لتقديم‭ ‬‮«‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للسلام‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تواصل‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والعسكري‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وتوفر‭ ‬لها‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية‭ ‬أمام‭ ‬هيئات‭ ‬مثل‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المعقّد،‭ ‬يبقى‭ ‬الاعتراف‭ ‬الغربي‭ ‬المرتقب‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬محاطًا‭ ‬بالتردد،‭ ‬مشروطًا‭ ‬بمعادلات‭ ‬سياسية‭ ‬وأمنية‭ ‬متشابكة،‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬المبادئ‭ ‬المعلنة‭ ‬حول‭ ‬العدالة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬قد‭ ‬يشكّل‭ ‬خطوة‭ ‬رمزية‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قيمته‭ ‬الحقيقية‭ ‬ستقاس‭ ‬بمدى‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬فعلي‭ ‬لحقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وإنهاء‭ ‬معاناتهم‭ ‬الطويلة‭. ‬فدون‭ ‬كسر‭ ‬هيمنة‭ ‬الدعم‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬سيظل‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مجرّد‭ ‬ورقة‭ ‬ضغط‭ ‬مؤقتة،‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬التزامًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬بالسلام‭ ‬العادل‭ ‬والشامل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا