العدد : ١٧٣٣٩ - الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٩ - الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

نحن والاحتيال الرقمي.. الحماية لا تكتمل إلا بتكاتف الفرد والدولة

بقلم: نبيلة رجب

الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

رنّ‭ ‬هاتفي‭. ‬وظهر‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬البحرين‭ ‬الحرة‮»‬‭. ‬للحظة‭ ‬انتابني‭ ‬الشك‭. ‬ربما‭ ‬ربحت‭ ‬جائزة‭ ‬فعلًا‭. ‬خصوصًا‭ ‬أنني‭ ‬أحب‭ ‬التسوق‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الحرة‭. ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬اشتريت‭ ‬قبل‭ ‬سفرتي‭ ‬الأخيرة‭ ‬تذكرة‭ ‬سحب‭ ‬على‭ ‬سيارة،‭ ‬كان‭ ‬صوته‭ ‬مقنعا‭ ‬وهو‭ ‬يزف‭ ‬الخبر‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬بدأ‭ ‬الكلام‭ ‬يختلف‭: ‬طلبات‭ ‬غريبة،‭ ‬نبرة‭ ‬غير‭ ‬مريحة‭. ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬عرفت‭ ‬أنني‭ ‬أمام‭ ‬محتال‭ ‬يتقن‭ ‬لعبته‭.‬

هذه‭ ‬الحيلة‭ ‬ليست‭ ‬غريبة‭. ‬رسائل‭ ‬الفوز‭ ‬تصل‭ ‬الناس‭ ‬باستمرار‭. ‬مكالمات‭ ‬تعرض‭ ‬أرباحًا‭. ‬روابط‭ ‬تختبئ‭ ‬وراء‭ ‬إعلانات‭ ‬أو‭ ‬تحديثات‭ ‬مصرفية‭. ‬الوجوه‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكن‭ ‬الغرض‭ ‬واحد؛‭ ‬وهو‭ ‬استغلال‭ ‬لحظة‭ ‬غفلة‭ ‬أو‭ ‬طمع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحوال‭ ‬أو‭ ‬حسن‭ ‬نية‭.‬

الفرق‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬صار‭ ‬أخطر‭. ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬رسالة‭ ‬أو‭ ‬اتصال‭. ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬تقنيات‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تفبرك‭ ‬صوت‭ ‬قريب‭ ‬لك‭ ‬وكأنك‭ ‬تسمعه‭ ‬فعلًا؛‭ ‬يطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬أو‭ ‬المال،‭ ‬نبرته‭ ‬مألوفة‭ ‬ولهجته‭ ‬صحيحة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬هو‭. ‬برنامج‭ ‬صاغ‭ ‬صوته‭ ‬وأرسله‭ ‬لك‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمال‭ ‬وحده،‭ ‬إنما‭ ‬بالثقة‭ ‬نفسها‭. ‬وهذا‭ ‬أصعب‭ ‬بكثير‭.‬

الاحتيال‭ ‬لا‭ ‬يفرّق‭ ‬بين‭ ‬أحد‭. ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬نسمع‭ ‬قصصًا‭ ‬عن‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬وقعوا‭ ‬ضحايا‭ ‬لمكالمات‭ ‬بدت‭ ‬رسمية‭. ‬وشباب‭ ‬كذلك،‭ ‬وحتى‭ ‬طلبة‭ ‬جامعيون،‭ ‬جرى‭ ‬خداعهم‭ ‬بأساليب‭ ‬رقمية‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬يتصورها‭ ‬في‭ ‬السابق‭.‬

الخسارة‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬مالًا‭ ‬فقط؛‭ ‬هي‭ ‬صدمة‭ ‬نفسية‭ ‬تجعل‭ ‬الشخص‭ ‬يعيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حوله،‭ ‬ويشك‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬تعاملاته‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬يطرح‭ ‬سؤالا‭: ‬هل‭ ‬يكفي‭ ‬الوعي؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الوعي،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مهمًا،‭ ‬قد‭ ‬يقف‭ ‬عاجزا‭ ‬أمام‭ ‬حيل‭ ‬صُمّمت‭ ‬لتخدع‭ ‬حتى‭ ‬الحواس‭. ‬بالله‭ ‬عليكم،‭ ‬كيف‭ ‬نفرّق‭ ‬بين‭ ‬صوت‭ ‬حقيقي‭ ‬وآخر‭ ‬مزيّف؟‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬رقم‭ ‬رسمي‭ ‬وآخر‭ ‬مبرمج‭ ‬لكنه‭ ‬يبدو‭ ‬موثوقًا؟

حتى‭ ‬إننا‭ ‬بدأنا‭ ‬أحيانًا‭ ‬نشك‭ ‬في‭ ‬المكالمات‭ ‬الحقيقية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬معي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬وهي‭ ‬مفارقة‭ ‬تكشف‭ ‬عمق‭ ‬المشكلة‭. ‬الخوف‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المحتال‭ ‬وحده،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬اهتزاز‭ ‬ثقتنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حولنا‭ ‬أيضًا‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬قطعت‭ ‬خطوات‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭. ‬وحققت‭ ‬مراكز‭ ‬متقدمة‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬كما‭ ‬أطلقت‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية،‭ ‬وأنشأت‭ ‬مركزًا‭ ‬متخصصًا‭ ‬لحماية‭ ‬الأفراد‭ ‬والقطاعات‭. ‬ومؤخرًا‭ ‬جاء‭ ‬التمرين‭ ‬الوطني‭ ‬للأمن‭ ‬السيبراني‭ (‬Cyber‭ ‬Shield‭ ‬2025‭) ‬ليعكس‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬عبر‭ ‬تدريب‭ ‬عملي‭ ‬يختبر‭ ‬الجاهزية‭ ‬ويعزز‭ ‬التنسيق‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الرقمية‭.‬

ويبرز‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام،‭ ‬متابعة‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬ناصر‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬التمرين،‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬الملف‭ ‬يحظى‭ ‬بمتابعة‭ ‬مباشرة،‭ ‬وأن‭ ‬المواجهة‭ ‬تُدار‭ ‬برؤية‭ ‬عملية‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬التصريحات‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يبقى‭ ‬الاحتيال‭ ‬الرقمي‭ ‬خصمًا‭ ‬متغير‭ ‬الوجوه،‭ ‬يبتكر‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬طرقًا‭ ‬جديدة‭. ‬ولهذا‭ ‬تظل‭ ‬الحاجة‭ ‬قائمة‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬إضافية‭ ‬تُكمل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود،‭ ‬وتمنح‭ ‬الناس‭ ‬ثقة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أساليب‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬التطور‭.‬

وفي‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬نرى‭ ‬أمثلة‭ ‬قريبة‭. ‬فبعض‭ ‬البنوك‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ترسل‭ ‬رسائل‭ ‬قصيرة‭ ‬تحذّر‭ ‬عملاءها‭ ‬من‭ ‬مشاركة‭ ‬بياناتهم‭. ‬وجهات‭ ‬رسمية‭ ‬تنشر‭ ‬بشكل‭ ‬متكرر‭ ‬تنبيهات‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬حول‭ ‬أساليب‭ ‬الاحتيال‭ ‬الجديدة‭. ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬بسيطة،‭ ‬لكنها‭ ‬تصنع‭ ‬فرقا‭ ‬عندما‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬فيها‭ ‬الشخص‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬نفسه‭.‬

الاحتيال‭ ‬لا‭ ‬يسرق‭ ‬المال‭ ‬فقط؛‭ ‬إنه‭ ‬يهزّ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أعمق‭. ‬يربك‭ ‬ثقتك‭ ‬في‭ ‬صوت‭ ‬تعرفه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ويجعلك‭ ‬تشك‭ ‬في‭ ‬مكالمة‭ ‬عادية‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تمنحك‭ ‬طمأنينة‭. ‬وعندما‭ ‬تسمع‭ ‬أن‭ ‬صديقًا‭ ‬خُدع،‭ ‬أو‭ ‬قريبًا‭ ‬صدّق‭ ‬تسجيلًا‭ ‬مفبركًا،‭ ‬تفهم‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحسابات‭ ‬البنكية‭ ‬وتمسّ‭ ‬إحساس‭ ‬الإنسان‭ ‬بالأمان‭ ‬ذاته‭.‬

التجربة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬عند‭ ‬خسارة‭ ‬المال‭. ‬كثيرون‭ ‬يخرجون‭ ‬منها‭ ‬بجرح‭ ‬نفسي‭ ‬كبير‭ ‬يلازمهم‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭. ‬إحدى‭ ‬قريباتي‭ ‬تعرّضت‭ ‬للاحتيال‭ ‬وسُحب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حسابها‭ ‬خلال‭ ‬مكالمة‭ ‬لم‭ ‬تشك‭ ‬فيها‭ ‬للحظة‭. ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والاضطراب‭ ‬النفسي،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬تتلقى‭ ‬العلاج‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬خسارة‭ ‬مالية‭ ‬محضة،‭ ‬إنما‭ ‬بداية‭ ‬لمعاناة‭ ‬طويلة‭ ‬أثقلت‭ ‬حياتها‭.‬

صحيح‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬إيقاف‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬احتيال‭. ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تنجح‭ ‬بالسهولة‭ ‬نفسها‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬مستعدين‭.‬

الاستعداد‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الخدعة‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬جائزة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬رسالة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬صوت‭ ‬يطلب‭ ‬العون‭. ‬وأن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬المواجهة‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬فرد‭ ‬واحد،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬كاملة‭: ‬مجتمع‭ ‬يتشارك‭ ‬الخبرة،‭ ‬قانون‭ ‬يردع،‭ ‬وتقنية‭ ‬تكشف‭.‬

مثلما‭ ‬نتأكد‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬أن‭ ‬أبواب‭ ‬بيوتنا‭ ‬مغلقة‭ ‬جيدًا،‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬حياتنا‭ ‬الرقمية‭. ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نغلق‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭. ‬لكن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نغلق‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭. ‬حتى‭ ‬نصعّب‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬المحتال،‭ ‬ولو‭ ‬قليلًا‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا