العدد : ١٧٣٣٨ - الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٨ - الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

دعم أوكرانيا.. يفضح ازدواجية المعايير الأوروبية تجاه الفلسطينيين

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬توليه‭ ‬منصبه،‭ ‬أثارت‭ ‬دبلوماسية‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬جدلًا‭ ‬واسعًا‭ ‬بسبب‭ ‬أسلوبه‭ ‬الشعبوي‭ ‬وغياب‭ ‬النهج‭ ‬المؤسسي،‭ ‬وتجدد‭ ‬الجدل‭ ‬مع‭ ‬لقائه‭ ‬بالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬ألاسكا‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬أغسطس،‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬بلا‭ ‬نتائج‭ ‬تُذكر‭ ‬رغم‭ ‬الترويج‭ ‬له‭ ‬كاختراق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬لإنهاء‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حشد‭ ‬فيه‭ ‬الغرب‭ ‬دعمه‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬باسم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬تتجلى‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬صمته‭ ‬إزاء‭ ‬المأساة‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭.‬

قبيل‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ونظيره‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬ألاسكا،‭ ‬تصاعدت‭ ‬التوقعات‭ ‬بتحقيق‭ ‬اختراق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬جاد‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬الروسي‭ ‬الأوكراني‭ ‬المستمر‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬ونصف‭. ‬ووفقًا‭ ‬لجيك‭ ‬ترايلور‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬بوليتيكو‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬ترامب‭ ‬‮«‬يستمتع‮»‬‭ ‬بلعب‭ ‬دور‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬السلام‭ ‬الرئيسي‮»‬،‭ ‬طامحًا‭ ‬لنيل‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭.‬

لكن‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬ماجي‭ ‬هابرمان‭ ‬وتايلر‭ ‬بيجر‭ ‬من‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬انتهى‭ ‬اللقاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬تقدم‭ ‬يُذكر‭ ‬أو‭ ‬إعلان‭ ‬اتفاق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬شكوكًا‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬جهود‭ ‬السلام،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬ألمح‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬انسحابه‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مشاركة‭ ‬مباشرة،‭ ‬كما‭ ‬أوردت‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭.‬

انتقد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬خبراء‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬تفاعلات‭ ‬ترامب‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬بوتين،‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬مايكل‭ ‬كيميج،‭ ‬بمعهد‭ ‬كينان‭ ‬بمركز‭ ‬ويلسون،‭ ‬اجتماعهما‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مشهد‭ ‬خبيث‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬اعتبر‭ ‬ستيفن‭ ‬م‭. ‬والت،‭ ‬بجامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬‮«‬يفتقد‭ ‬أدنى‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬ماهية‭ ‬ممارسة‭ ‬الدبلوماسية‮»‬‭.‬

ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الأوروبية‭ ‬لم‭ ‬تتأخر،‭ ‬حيث‭ ‬سارعت‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية‭ ‬لتجديد‭ ‬دعمها‭ ‬العلني‭ ‬للرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ماثيو‭ ‬سافيل،‭ ‬بالمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التساؤلات‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬‮«‬الضمانات‭ ‬الأمنية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تقدم‭ ‬لكييف‭ ‬مقابل‭ ‬تسوية‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬الحماس‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لا‭ ‬يُقابل‭ ‬بحماس‭ ‬مماثل‭ ‬تجاه‭ ‬القضايا‭ ‬الأخرى،‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬الانتهاكات‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬وأممية‭ ‬بـ‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرفة،‭ ‬فإن‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬تواصل‭ ‬تجاهل‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬ومحاسبة‭ ‬مرتكبيها‭.‬

ورغم‭ ‬إعلان‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وكندا‭ ‬نيتهم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025،‭ ‬تساءلت‭ ‬سوزان‭ ‬م‭. ‬أكرم،‭ ‬بجامعة‭ ‬بوسطن،‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الالتزامات‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬وعود‭ ‬فارغة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬رأى‭ ‬آرون‭ ‬ديفيد‭ ‬ميلر،‭ ‬مستشار‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬سابقًا،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬مدفوعة‭ ‬‮«‬بالضمير‮»‬،‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تُحدث‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أشار‭ ‬نايجل‭ ‬جولد‭ ‬ديفيز‭ ‬بالمعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬‮«‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‮»‬،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تمسك‭ ‬موسكو‭ ‬بطموحاتها،‭ ‬وعدم‭ ‬استعداد‭ ‬واشنطن‭ ‬للضغط‭ ‬عليها‭.‬

رغم‭ ‬محاولات‭ ‬تبرير‭ ‬سافيل‭ ‬لقاء‭ ‬ألاسكا‭ ‬بأنه‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬أقل‭ ‬النتائج‭ ‬ضررًا‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رغم‭ ‬وعوده‭ ‬ترامب‭ ‬المتكررة‭ ‬بإنهاء‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬في‭ ‬غضون‭ ‬24‭ ‬ساعة‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬أدان‭ ‬والت‭ ‬ترامب‭ ‬بشدة،‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مفاوض‭ ‬كارثي‮»‬‭ ‬و‮«‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬التنازل‮»‬،‭ ‬منتقدًا‭ ‬افتقاده‭ ‬للاستعداد،‭ ‬وعدم‭ ‬توجيهه‭ ‬مرؤوسيه،‭ ‬وجهله‭ ‬بما‭ ‬يريده‭ ‬أو‭ ‬أين‭ ‬تقع‭ ‬خطوطه‭ ‬الحمراء،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أنه‭ ‬يفتقر‭ ‬لأي‭ ‬استراتيجية‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬الارتجال‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أكد‭ ‬كيميج‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تفتقد‭ ‬خطة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬وأعرب‭ ‬عن‭ ‬فزعه‭ ‬من‭ ‬تذبذب‭ ‬مواقف‭ ‬ترامب،‭ ‬وتغييره‭ ‬المستمر‭ ‬بين‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬وتسوية‭ ‬شاملة،‭ ‬مع‭ ‬تهديدات‭ ‬بفك‭ ‬الارتباط‭.‬

حتى‭ ‬مستشارو‭ ‬ترامب‭ ‬لم‭ ‬يسلموا‭ ‬من‭ ‬الانتقادات،‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬كريستيان‭ ‬كاريل،‭ ‬محرر‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬،‭ ‬كبير‭ ‬المفاوضين‭ ‬ستيف‭ ‬ويتكوف‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬سيد‭ ‬الكوارث‮»‬‭ ‬و‮«‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬في‭ ‬الظل‮»‬،‭ ‬يمثل‭ ‬نهج‭ ‬ترامب‭ ‬غير‭ ‬المنضبط‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

قيّم‭ ‬كير‭ ‬جايلز،‭ ‬بالمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬‮«‬الخلافات‮»‬‭ ‬بين‭ ‬مفاوضي‭ ‬واشنطن‭ ‬وموسكو‭ ‬يُظهر‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬لم‭ ‬يمنح‭ ‬بوتين‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أراده،‭ ‬خلافًا‭ ‬لما‭ ‬خشيه‭ ‬بعض‭ ‬المعلقين‭ ‬الغربيين،‭ ‬لكنه‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬‮«‬أخفق‭ ‬في‭ ‬ترك‭ ‬انطباع‭ ‬لدى‭ ‬بوتين‮»‬‭ ‬في‭ ‬ألاسكا،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الأخير‭ ‬للتوجه‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬الهدف‭ ‬الأضعف‮»‬‭ ‬زيلينسكي‭ ‬لتقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬مقابل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭.‬

أما‭ ‬كيميج،‭ ‬فأوضح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬سذاجة‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بشأن‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬وتنصله‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭ ‬الأمنية‭ ‬الطويلة‭ ‬دفع‭ ‬بصناع‭ ‬سياسات‭ ‬الناتو‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬صياغة‭ ‬أساس‭ ‬لأوروبا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬أمريكا‮»‬،‭ ‬يشمل‭ ‬ضمانات‭ ‬أمنية‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬مثل‭ ‬نشر‭ ‬جنود‭ ‬بريطانيين‭ ‬وفرنسيين‭ ‬كرادع‭ ‬ضد‭ ‬الهجمات‭ ‬الروسية‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬رأى‭ ‬والت‭ ‬أن‭ ‬المقترحات‭ ‬الأوروبية‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬حلاً‭ ‬نهائيًا‭ ‬للحرب،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الجذور‭ ‬الرئيسية‮»‬‭ ‬للصراع‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬توافق‭ ‬جوهري‭ ‬في‭ ‬الدوافع‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والغرب،‭ ‬واختلاف‭ ‬تعريف‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬للتهديدات‭ ‬والمصالح‭ ‬الحيوية،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ضررًا‭ ‬للموقف‭ ‬الغربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬النخبة‭ ‬الغربية‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬التوسع‭ ‬المفتوح‭ ‬للناتو‭ ‬كان‭ ‬‮«‬خطأً‭ ‬استراتيجيًا‮»‬‭.‬

أشار‭ ‬والت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وأعضاء‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭) ‬‮«‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يُصرّون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النتيجة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المقبولة‭ ‬هي‭ ‬استعادة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لكامل‭ ‬أراضيها‭ ‬التي‭ ‬فقدتها‮»‬،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬توقع‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬حجج‭ ‬متماسكة‭ ‬ومقنعة‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬حدوث‭ ‬هذه‭ ‬المعجزة‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬قدّم‭ ‬القادة‭ ‬الغربيون‭ ‬دعمًا‭ ‬قويًا‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬مستندين‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومعاقبة‭ ‬الكرملين‭ ‬بقيادة‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬انتهاكه‭ ‬لحق‭ ‬دولة‭ ‬مجاورة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬لم‭ ‬يُطبق‭ ‬بنفس‭ ‬الحزم‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬أخرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المستمر‭ ‬منذ‭ ‬23‭ ‬شهرًا‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬شاركت‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬وتسليح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لها،‭ ‬ما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬مساءلتها‭ ‬عن‭ ‬الغزو‭ ‬البري‭ ‬والقصف‭ ‬الجوي،‭ ‬اللذين‭ ‬تسببا‭ ‬بكارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬واسعة،‭ ‬وسط‭ ‬اتهامات‭ ‬بمحاولة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والاستيلاء‭ ‬الكامل‭ ‬على‭ ‬أراضيه‭.‬

وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬إدانتهم‭ ‬السريعة‭ ‬للغزو‭ ‬الروسي،‭ ‬وفرضهم‭ ‬عقوبات‭ ‬شاملة‭ ‬على‭ ‬موسكو،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬دعمهم‭ ‬القوي‭ ‬للمساءلة‭ ‬الدولية‭ ‬ضد‭ ‬بوتين‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬ودول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬سوى‭ ‬خطوات‭ ‬محدودة‭ ‬تجاه‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بل‭ ‬وركزت‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬العلنية‭ ‬غالبًا‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كأولوية‭ ‬مطلقة‭.‬

ومع‭ ‬تفاقم‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬يواجه‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬المجاعة‭ ‬بسبب‭ ‬منع‭ ‬دخول‭ ‬شاحنات‭ ‬المساعدات،‭ ‬لجأت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬إنزال‭ ‬جوي‭ ‬للإمدادات،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬وصفها‭ ‬جان‭-‬غي‭ ‬فاتو،‭ ‬منسق‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لمنظمة‭ ‬‮«‬أطباء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬عديمة‭ ‬الجدوى‮»‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬1%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬تصل‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬آخر،‭ ‬أعلنت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وكندا‭ ‬عن‭ ‬نيتها‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خلال‭ ‬انعقاد‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬إعلان‭ ‬نيويورك‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬16‭ ‬دولة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬يُعد‭ ‬‮«‬عنصرًا‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‮»‬‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬جاء‭ ‬مشروطًا،‭ ‬بخلاف‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬المقدم‭ ‬لأوكرانيا‭.‬

فقد‭ ‬جعل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬الاعتراف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مشروطًا‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وسماحها‭ ‬بإدخال‭ ‬المساعدات،‭ ‬بينما‭ ‬شدد‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬نزع‭ ‬سلاح‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كرره‭ ‬ستارمر‭ ‬بقوله‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الهدف‭ ‬الأساسي‮»‬‭ ‬للحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يظل‭ ‬‮«‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬إسرائيل‮»‬‭.‬

ووصف‭ ‬ستيفن‭ ‬كوك،‭ ‬الزميل‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬هذه‭ ‬الإعلانات‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬مجرد‭ ‬تمثيلية‭ ‬في‭ ‬الغالب‮»‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬لندن‭ ‬وباريس‭ ‬وأوتاوا‭ ‬‮«‬يشعرون‭ ‬بالحاجة‭ ‬لفعل‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬محدودية‭ ‬نفوذهم‮»‬‭. ‬وتساءل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬اعترافهم‭ ‬بفلسطين‭ ‬منذ‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬1993‭ ‬أو‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬الحالية‮»‬‭.‬

كما‭ ‬أشارت‭ ‬أكرم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إعلان‭ ‬نيويورك‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يُلزم‭ ‬الدول‭ ‬الموقعة‭ ‬عليه‭ ‬باتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬توثيق‭ ‬جرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وعلّق‭ ‬ميلر‭ ‬قائلاً‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬جادة‭ ‬فعلًا‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬انتهاكات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬فعليها‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬ثنائية،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مع‭ ‬روسيا‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬العقوبات‭ ‬الحالية‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬المتطرفين‭ ‬والمستوطنين‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تطال‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ذاتها‭.‬

أما‭ ‬ألمانيا،‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الداعمين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬جون‭ ‬كامبفنر،‭ ‬بالمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬برلين‭ ‬‮«‬غيرت‭ ‬لهجتها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‮»‬‭. ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬‮«‬لن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬فعلي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تأكيد‭ ‬المستشار‭ ‬فريدريش‭ ‬ميرز‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ألمانيا‭ ‬وقفت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬طيلة‭ ‬80‭ ‬عامًا،‭ ‬ولن‭ ‬يتغير‭ ‬ذلك‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬منها‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬كما‭ ‬أعرب‭ ‬ميرز‭ ‬عن‭ ‬‮«‬صدمته‮»‬‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبريطانية‭ ‬بشأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬ألمانيا‭ ‬‮«‬لن‭ ‬تحذو‭ ‬حذوها‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كشف‭ ‬فيه‭ ‬كيميج‭ ‬أن‭ ‬مفاوضات‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أبرزت‭ ‬‮«‬محدودية‭ ‬قدرات‭ ‬ترامب‭ ‬كرجل‭ ‬دولة‮»‬،‭ ‬رأى‭ ‬فيليب‭ ‬جوردون‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬بروكينجز‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأمل‭ ‬الحقيقي‭ ‬الوحيد‮»‬‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬تدخل‭ ‬أمريكي،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تُظهر‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية‭ ‬استعدادًا‭ ‬فعليًا‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬واشنطن‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬رغم‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬التي‭ ‬خلّفها‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭. ‬وبينما‭ ‬أدان‭ ‬والت‭ ‬لهاث‭ ‬ترامب‭ ‬وراء‭ ‬الاهتمام،‭ ‬وتسببه‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬سمعة‭ ‬واشنطن‭ ‬كفاعل‭ ‬دبلوماسي‭ ‬موثوق،‭ ‬أظهر‭ ‬فشل‭ ‬القادة‭ ‬الغربيين‭ ‬الآخرين‭ ‬افتقارهم‭ ‬للشجاعة‭ ‬السياسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬انتهاكات‭ ‬إسرائيل‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

تُبرز‭ ‬مفاوضات‭ ‬ألاسكا‭ ‬وفشل‭ ‬إنهاء‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬محدودية‭ ‬دبلوماسية‭ ‬ترامب،‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬محللون‭ ‬بالمرتجلة‭ ‬وعديمة‭ ‬الرؤية‭. ‬وبينما‭ ‬يشدد‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ومعاقبة‭ ‬روسيا‭ ‬باسم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬يقابله‭ ‬صمت‭ ‬ملحوظ‭ ‬تجاه‭ ‬مأساة‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬ويقوّض‭ ‬مصداقية‭ ‬الخطاب‭ ‬الإنساني‭ ‬الغربي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا