كان انتخاب الرئيس الأمريكي لدورة جديدة في الإدارة الأمريكية مبشرا بفتح صفحة جديدة في العلاقات الروسية الأمريكية بوجه خاص وذلك وفقا لما عبر عنه الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية من أنه سيسعى إلى إنهاء الحروب بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية واستعادة العلاقات مع روسيا الاتحادية وتطبيعها بما يخدم المصالح الأمريكية السياسية والاقتصادية والأمنية وكانت هذه الشعارات تلاحق الرئيس الأمريكي خاصة وإنه عبر في أكثر من مناسبة عن قدرته على تحقيق هذا التحول بسرعة فائقة حيث إنه أكد في بعض التصريحات أنه قادر على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة.
ومن الواضح أن الجهود التي بذلها الرئيس الأمريكي خلال الأشهر الماضية من حكمه تؤكد أنه جاد في هذه المحاولات بالرغم من العوائق الضخمة التي تواجهه خاصة من الدولة العميقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية والقوى المتحكمة في صناعة وتجارة السلاح والعوائق التي يواجهها من القوى الأوروبية المعادية لروسيا الاتحادية وتحديدا فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا الاتحادية التي ترفض التوجه نحو السلام مع روسيا ووضع نهاية للأزمة الأوكرانية وبالتالي إعاقة جهود الرئيسين الأمريكي والروسي لإيقاف هذه الحرب من خلال اتفاقية سلام دائمة تضع حدا لهذا الصراع الدموي بين الشعبين الشقيقين.
ومن الواضح أيضا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تميز بين 3 جوانب في العلاقات مع روسيا الاتحادية ضمن رؤية اقتصادية وأمنية براجماتية تقدم المصالح والمنافع المشتركة عن الموقف الأيديولوجي والسياسي:
أولا: العلاقات الثنائية بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وهي مقدمة على بقية النقاط حيث أكد الرئيسان ترامب وبوتين خلال لقاء قمة الاسكا استعادة العلاقات الدبلوماسية العادية وإعادة فتح الممثليات في البلدين وعودة خطوط الطيران بين البلدين وتنقل المسافرين وهذه خطوة يجري مناقشتها بشكل منفصل عن موضوع أوكرانيا في اجتماعات بين الدبلوماسيين والمختصين من الجهتين سواء في تركيا أو في جنيف أو غيرها من الأماكن مما يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات التي تدهورت بشكل كبير أيام الرئيس السابق جو بايدن.
وهذا الأمر يتطلب مزيدا من الوقت بالنظر إلى حجم التخريب الذي تسببت فيها إدارة بايدن مما يقتضي جهدا كبيرا لإعادة الأوضاع إلى سابق وضعها.
ثانيا: يتعلق بالعمل على تجنب المواجهة العسكرية خاصة المواجهة النووية من خلال توافق عاقل على ضبط هذا الجانب لتجنب العالم إمكانية اندلاع حرب في أي لحظة من لحظات الجنون وبالفعل فإن هذه النقطة شكلت أهمية خاصة للطرفين وللعالم ونعتقد بأن العالم اليوم بات أبعد عن الحرب النووية التي شعرنا في لحظة من اللحظات بأنها كانت قريبة جدا، أما الآن فهي مستبعدة على الأقل خلال هذه الفترة التي يحكم فيها قائدان متفاهمان.
ثالثا: التوافق على حل ملف الحرب الأوكرانية بشكل سلمي ووضع حد لإراقة الدماء ولكن حتى إن تباعدت الرؤى في التعامل فإن هذا التوافق على ما هو جوهري وأساسي قد عبر عنه الرئيس الأمريكي عن ذلك بوضوح سواء في التصريحات الرسمية أو في تغريداته المتعددة والتي أعرب من خلالها عن تفهمه للرغبة في حل هذا الصراع بالعودة إلى جذوره الأساسية والأخذ بمخاوف روسيا الأمنية بعين الاعتبار وجعل الأمن أمنا جماعيا بحيث لا يتم حل المشكلة على حساب أي طرف.
ولكن للأسف الشديد فإن لمعظم الدول الأوروبية وفي مقدمتها الثلاث دول سالفة الذكر دورا سلبيا من خلال قيامها بدور مؤثر يعرقل الجهود الكبيرة التي تبذل لإيجاد حل سلمي للصراع الروسي الأوكراني بغض النظر عما يصيب البلدان الأوروبية وشعوبها من صعوبات ومشاكل اجتماعية واقتصادية وتضخم وإفلاس مئات الآلاف من المؤسسات والشركات في معظم هذه البلدان وتشهد الحياة الاجتماعية والاقتصادية تراجعا دراماتيكيا ملموسا يراه حتى الزائر لهذه البلدان مقارنة بما كانت عليه قبل 3 سنوات عندما كان النفط والغاز الرخيصين يتدفقان داخل شريان الاقتصاد الأوروبي الذي يعود جزء كبير من ازدهاره إلى التعاون مع روسيا الاتحادية في مجال الطاقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك