أكاذيب الإعلام الأمريكي وتبنيه الرواية الإسرائيلية لم تعد تنطلي على عموم الأمريكيين. ففي آخر استطلاعات للرأي العام تبين أن 60% من الأمريكيين يعارضون المساعدات العسكرية لإسرائيل و61% منهم يدركون أن بلادهم متورطة في مساعدة إسرائيل لارتكاب جرائم حرب. ولم يعد يصدق حكاية أن إسرائيل «تدافع عن نفسها» سوى 22% من الأمريكيين!
أما بين ناخبي الحزب الديمقراطي، فترتفع نسبة من يعارضون المساعدات العسكرية إلى 75%، بينما يصف 77% منهم سلوك إسرائيل في غزة بـ«الإبادة الجماعية».
لكن قيادات الحزب الديمقراطي لا تزال بعيدة عن قاعدتها الانتخابية. فقد صوتت اللجنة العامة للحزب، أعلى سلطة فيه، ضد مشروع قرار تقدم به التقدميون يدعو إلى حظر بيع السلاح لإسرائيل. غير أن مشروع القرار شكل ضغطا على تلك القيادات لأنها تدرك أن موقفها قد يؤدى إلى خسارة الحزب جيل الشباب تحديدا. فاضطرت إلى تشكيل مجموعة عمل لإجراء «حوار موسع» حول فلسطين بالحزب، مما يعني كسر جدار الصمت المفروض على جرائم إسرائيل!
وتلقي أموال لوبي إسرائيل لم يعد بلا تكلفة. فالأعضاء الديمقراطيون بالكونجرس على موعد مع قاعدتهم الانتخابية في انتخابات 2026. وتوجد مؤشرات تدل على أنهم يستشعرون الخطر. فكلما تقدم الأعضاء التقدميون بالمجلسين بمشروعات قوانين لوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل ازداد عدد الديمقراطيين المؤيدين لها.
صحيح أن العدد لم يصل للأغلبية، إلا أن الدلالة الأهم هي أن المؤيدين الجدد يضمون أعضاء طالما عرفوا بتأييدهم المطلق لإسرائيل وتلقيهم أموالا من لوبي إسرائيل في حملاتهم الانتخابية. ففي عطلة الكونجرس بأغسطس، التي يقضيها الأعضاء في دوائرهم، واجهوا هجوما شرسا من ناخبيهم الذين ساءلوهم عن أموال لوبي إسرائيل. ومن يتابع بدقة وقائع تلك اللقاءات يدرك أن اللوبي صار عبئا يسعى الأعضاء إلى أن ينأوا بأنفسهم عنه.
فعلى سبيل المثال، فإن النائبة فاليرى فوشى، التي تلقت تمويلا انتخابيا من لوبي إسرائيل يزيد على 800 ألف دولار، تعهدت علنا لناخبيها بأنها لن تقبل تمويلا من ذلك اللوبي في انتخابات 2026.
كذلك فإن النائبة فيرونيكا إسكوبار التي سألها أحد ناخبيها في تجمع جماهيري عما تفعله من أجل وقف الإبادة في غزة وعن علاقة موقفها بأموال اللوبي، اعترفت بتلقيها أموالا ولكن «فقط» في بداية مسيرتها المهنية! ثم دافعت عن نفسها قائلة إنها تؤيد مشروع قانون وقف المساعدات لإسرائيل!
أكثر من ذلك، فإن ويزلي بيل الذي ساعده لوبي إسرائيل بملايين الدولارات فنجح في هزيمة المرشحة التقدمية المؤيدة لفلسطين كورى بوش وجد نفسه محاصرا من جانب ناخبي دائرته الذين واجهوه في تجمع جماهيري بهتافات ضده وأسئلة غاضبة، فانتهى الاجتماع بتدخل الشرطة لفض الأزمة! وقد اضطر بيل قبلا لإصدار بيان قال فيه: «إنني أؤيد دائما حق إسرائيل في الوجود وفى الدفاع عن نفسها. لكنني لا أستطيع أن أقف إلى جانب أفعال تلك الحكومة (الإسرائيلية) التي تترك الأطفال للجوع، وتطلق النار على المدنيين المتلقين للمساعدات. فهذا ليس دفاعا عن النفس ولا بد أن يتوقف».
وهذا لا يعني بالمرة أن النائب ويزلي بيل صار في خانة فلسطين، إذ لا يزال يقول الشيء وعكسه حتى كتابة السطور، وهو ما يؤكد مجددا أن لوبي إسرائيل صار عبئا لا مزية، وأن دعم إسرائيل المطلق لم يعد، ولأول مرة، موقفا آمنا لا ثمن يدفع بسببه!
باختصار، فان الملاحظ أن جهود أصحاب الضمائر الحية بمن فيهم اليهود المعادين للصهيونية بدأت تؤتي أثرها ولكن الطريق لا يزال طويلا، وهناك حاجة إلى جهود مضنية يلزم أن تُبذل حتى يحدث أي تغيير في السياسة الأمريكية.
{ باحثة متخصصة في الشؤون الأمريكية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك