تعد العلاقة بين البترول والذكاء الاصطناعي علاقة مزدوجة، فمن جهة يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة صناعة النفط والغاز، ومن جهة أخرى يسهم في تقليل انبعاثات الغازات المضرة بالبيئة، ما قد يؤثر على تشجيع نمو مستقبل الطلب على النفط.
يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل صناعة النفط والغاز، من الاستكشاف إلى التسويق؛ ففي مرحلة الاستكشاف تحلل خوارزميات الذكاء الاصطناعي البيانات الزلزالية والجيوكيميائية لتحديد مواقع الحقول النفطية الجديدة بدقة أكبر ووقت وكلفة أقل.
أما في الإنتاج فتساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي على مراقبة عمليات الحفر والإنتاج، والتنبؤ بالأعطال المحتملة في المعدات، وتحسين تدفق النفط من الآبار. وفي التكرير تساعد هذه الأنظمة على زيادة إنتاج المنتجات النفطية عالية القيمة وتقليل النفايات. وأخيرا، في التسويق، تستخدم لتحليل بيانات السوق، وتوقع أسعار النفط، وتحسين سلسلة التوريد.
وبالإضافة إلى دوره في تحسين صناعة النفط، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تعزيز الطاقة النظيفة من خلال تحسين جودة النفط عند عمليات التكرير وتقليل الانبعاثات الكربونية وتحييد المواد الضارة منه، ما قد يسهم في زيادة الطلب على النفط النظيف على المدى البعيد.
وقد اتجهت عدد من دول الخليج إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط وأعلنت خططا لربط إنتاج حقول النفط بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتهدف هذه الخطوة إلى تحسين أداء التشغيل وتقليل التكاليف بدلا من زيادة الإنتاج، من خلال إنشاء مركز الابتكار في الذكاء الاصطناعي التابع لشركات النفط، الذي سيسهم في تقليل المدة الزمنية اللازمة لحفر بئر واحدة وزيادة كفاءة عمليات الحفر بشكل عام.
وفي مملكة البحرين تظهر شركة بابكو إنرجيز للتكرير، التابعة لمجموعة بابكو إنرجيز القابضة، التزاما واضحا بالتطور المستمر من خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ ففي خطوة استراتيجية نظمت الشركة ورشة عمل تدريبية بالتعاون مع مركز سمو الشيخ ناصر للبحوث والتطوير في الذكاء الاصطناعي، وهي مؤسسة بحرينية رائدة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، ويعد هذا المركز الذراع البحثية والتقنية لمركز ناصر للتأهيل والتدريب المهني، ويقود جهودًا استراتيجية في تطوير حلول ذكية تدعم التحول الرقمي في القطاعات الحكومية والصناعية والتعليمية وتمكين الشباب بهدف تعزيز الوعي بأهمية هذه التقنيات في قطاع الطاقة.
وشملت الورشة مشاركة واسعة من موظفي المجموعة، سعياً لتشجيعهم على تطوير حلول مبتكرة تسهم في رفع الإنتاجية وتحقيق التحول الرقمي. وتأكيداً لهذا التوجه كرمت شركة بابكو إنرجيز المشاريع الفائزة في مسابقة الأفكار المبتكرة، التي سلطت الضوء على حلول عملية مثل مشروع «العقل الذكي للآبار» ومشروع «مراقبة السلامة الذكية».
ويعد هذا التعاون نموذجاً حيوياً لتطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاع النفط، حيث تسهم هذه التقنيات في تحسين كفاءة العمليات ودعم اتخاذ القرارات، ما يعزز مكانة الشركة الرائدة في مجال الطاقة ويدعم الاقتصاد البحريني.
ولا يقف دور الذكاء الاصطناعي عند هذا الحد، ولكن دورة يمتد في اتجاه زيادة كفاءة استخدام الطاقة في المباني والشبكات الكهربائية، ويقلل الذكاء الاصطناعي من مضار الوقود الأحفوري، كما يسهم في تطوير مصادر الطاقة وتحويلها إلى طاقة نظيفة، ما يجعلها أكثر جدوى اقتصادية ودائمة للعقود القادمة.
إن رؤية سمو الشيخ ناصر للذكاء الاصطناعي ليست مجرد خارطة طريق تقنية، بل هي تعبير عن استراتيجية متكاملة تعمل من أجل مستقبل مشرق للبحرين، إنها رؤية تبني جسوراً من الثقة والابتكار، وتطلق العنان لطاقات العقول، وتجعل من المملكة منارة للريادة الأخلاقية في بحر التكنولوجيا المتلاطم.
في قلب هذه الرؤية تكمن حقيقة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أدوات صامتة، بل هو نبض عقول مبدعة. تسعى الرؤية إلى صقل الكفاءات الوطنية لتكون في طليعة هذا المجال، مؤكدة أن الاستثمار في المجتمع البحريني بأفراده ومؤسساته وطاقاته الجماعية هو حجر الزاوية الذي يُبنى عليه كل تقدم حقيقي، وأن العقول المُدرَّبة هي الوقود الحقيقي لكل ابتكار.
لا تكتفي الرؤية باللحاق بالركاب العالمي، بل تطمح إلى قيادته، إنها تسعى لتحويل مملكة البحرين إلى مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي، ليس فقط بالاستثمار فيه، بل بالعمل على توظيفه بمسؤولية أخلاقية.
{ باحثة في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك