العدد : ١٧٣٣٨ - الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٨ - الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الإبادة والتجويع في غزة والقمع الاستيطاني في الضفة الغربية

بقلم: د. رمزي بارود

الثلاثاء ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

ظلت‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬وإثارة‭ ‬الفتن‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكثيف‭ ‬عملياتها‭ ‬الاستفزازية‭ ‬السافرة‭.‬

تمثلت‭ ‬أحدث‭ ‬هذه‭ ‬الاستفزازات‭ ‬في‭ ‬تجريد‭ ‬بلدية‭ ‬الخليل‭ ‬بمحافظة‭ (‬الخليل‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭ ‬فلسطينيون،‭ ‬من‭ ‬صلاحياتها‭ ‬الإدارية‭ ‬على‭ ‬الحرم‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬الشريف‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وفقًا‭ ‬لصحيفة‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬اليوم‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬منحت‭ ‬هذه‭ ‬الصلاحيات‭ ‬للمجلس‭ ‬الديني‭ ‬لمستوطنة‭ ‬كريات‭ ‬أربع‭ ‬اليهودية،‭ ‬وهي‭ ‬هيئة‭ ‬استيطانية‭ ‬متطرفة‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬المستوطنين‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬المتطرفين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سكان‭ ‬مستوطنة‭ ‬كريات‭ ‬أربع،‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬حوالي‭ ‬7500‭ ‬نسمة،‭ ‬يُمثلون‭ ‬فئةً‭ ‬استيطانية‭ ‬أكثر‭ ‬ضراوة‭ ‬وعدوانية‭. ‬

تُشكل‭ ‬مستوطنة‭ ‬كريات‭ ‬أربع،‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬إنشاؤها‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬لتبرير‭ ‬إخضاع‭ ‬مدينة‭ ‬الخليل‭ ‬لسيطرة‭ ‬عسكرية‭ ‬أشد‭ ‬صرامةً‭ ‬وجورًا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جزء‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬تقريبًا‭.‬

ترتبط‭ ‬مستوطنة‭ ‬كريات‭ ‬أربع‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بباروخ‭ ‬غولدشتاين،‭ ‬وهو‭ ‬ذلك‭ ‬المستوطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬شنّ‭ ‬هجومًا‭ ‬مروعًا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1994،‭ ‬حيث‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬مصلين‭ ‬مسلمين‭ ‬كانوا‭ ‬ساجدين‭ ‬يؤدون‭ ‬صلاة‭ ‬الفجر‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬الإبراهيمي،‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬29‭ ‬شخصًا‭ ‬وسفك‭ ‬دمائهم‭ ‬بلا‭ ‬رحمة‭ ‬ولا‭ ‬شفقة‭.‬

بعد‭ ‬تلك‭ ‬المذبحة‭ ‬الشنيعة‭ ‬ارتكب‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حمام‭ ‬دم‭ ‬آخر‭ ‬سريعاً‭ ‬حيث‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬قمع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بوحشية‭ ‬في‭ ‬الخليل‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬25‭ ‬فلسطينياً‭ ‬إضافياً‭.‬

تم‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬شامغار‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتكليفها‭ ‬بالتحقيق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المذبحة،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬قررت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬تقسيم‭ ‬المسجد‭ ‬الابراهيمي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬موقع‭ ‬ذو‭ ‬أهمية‭ ‬دينية‭ ‬عميقة،‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭: ‬حيث‭ ‬منحت‭ ‬63%‭ ‬منه‭ ‬للمصلين‭ ‬اليهود‭ ‬و37%‭ ‬فقط‭ ‬للمسلمين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬الكارثي،‭ ‬فُرضت‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬قيودا‭ ‬قمعيةٌ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬ممنهج‭ ‬وعدواني‭ ‬وجائر،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭ ‬المراقبةَ‭ ‬الشاملة،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬إغلاقاتٍ‭ ‬غير‭ ‬مبررةٍ‭ ‬وممتدةٍ‭ ‬لموقع‭ ‬حرم‭ ‬المسجد‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬وجعله‭ ‬حكرا‭ ‬لاستخدام‭ ‬المستوطنين‭ ‬اليهود‭ ‬حصريًا‭.‬

أما‭ ‬القرار‭ ‬الأخير،‭ ‬الذي‭ ‬وصفته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬اليوم‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬تاريخي‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق،‭ ‬فهو‭ ‬يعتبر‭ ‬بالغ‭ ‬الخطورة‭ ‬ويمثل‭ ‬ذروة‭ ‬الإجراءات‭ ‬القمعية‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال‭. ‬فهو‭ ‬قرار‭ ‬قمعي‭ ‬جائر‭ ‬يضع‭ ‬مصير‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬التاريخي‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬المتطرفين‭ ‬الساعين‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬التاريخي‭ ‬المقدس‭ ‬بكامله‭.‬

لكن‭ ‬الحرم‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬نموذج‭ ‬مصغر‭ ‬لشيء‭ ‬أشد‭ ‬خطورة‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬تنفيذه‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭. ‬فقد‭ ‬استغلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬حربها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لتصعيد‭ ‬عنفها‭ ‬وأعمالها‭ ‬القمعية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬اعتقالات‭ ‬جماعية،‭ ‬ومصادرة‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي،‭ ‬وتدمير‭ ‬المزارع‭ ‬والبساتين‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج،‭ ‬وتوسيع‭ ‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬بشكل‭ ‬عدواني‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬خاضعة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬للضغوط‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المشتركة‭ ‬وحملات‭ ‬القمع‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬طرفاً‭ ‬مباشراً‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬محوراً‭ ‬رئيسياً‭ ‬للتدابير‭ ‬العسكرية‭ ‬القمعية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

في‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬اعتُقل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬ألاف‭ ‬وأربعمائة‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬قمع‭ ‬شنها‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وقد‭ ‬احتُجز‭ ‬الآلاف‭ ‬دون‭ ‬توجيه‭ ‬تهم‭ ‬إليهم‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تعرض‭ ‬مئات‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬للتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬القسري،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬حيث‭ ‬دُمرت‭ ‬مخيمات‭ ‬وبلدات‭ ‬لاجئين‭ ‬بأكملها‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬عسكرية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬مطولة‭.‬

لا‭ ‬يزال‭ ‬الهدف‭ ‬الجوهري‭ ‬لإسرائيل‭ ‬هو‭ ‬خنق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عزل‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬باستخدام‭ ‬نقاط‭ ‬التفتيش‭ ‬العسكرية‭ ‬المنتشرة،‭ ‬وفرض‭ ‬إغلاق‭ ‬شامل‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة،‭ ‬والتعليق‭ ‬الجائر‭ ‬لتصاريح‭ ‬العمل‭ ‬للعمال‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭.‬

استهدفت‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬الخبيثة‭ ‬صراحةً‭ ‬جميع‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬المبارك‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬المحتلة،‭ ‬والحرم‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الخليل‭.‬

وحتى‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬متاحةً‭ ‬ظاهريًا،‭ ‬فإن‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الأعمار‭ ‬ونقاط‭ ‬التفتيش‭ ‬العسكرية‭ ‬الخانقة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬تمامًا،‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬وممارسة‭ ‬عبادتهم‭ ‬فيها‭.‬

في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬2024،‭ ‬أكد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬حملته‭ ‬العدوانية‭ ‬العنيفة‭ ‬المتواصلة‭ ‬ضد‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬محور‭ ‬الإرهاب‭ ‬الإيراني‭ ‬الأوسع‭.‬

عمليًا،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬بمثابة‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لاعتبار‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬امتدادًا‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬فبحلول‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬2025،‭ ‬قُتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬900‭ ‬فلسطيني‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬بينما‭ ‬قُتل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬15‭ ‬فلسطينيًا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المستوطنين‭.‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬استراتيجية‭ ‬مركزية‭ ‬لدى‭ ‬قيادتهم‭ ‬للمقاومة‭ ‬بشكل‭ ‬فعال،‭ ‬زادت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬وشرعنت‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البؤر‭ ‬الاستيطانية،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬حتى‭ ‬بمعايير‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬نفسها‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أفعال‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬انحرافًا‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬متسقة‭ ‬مع‭ ‬مخطط‭ ‬خبيث‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬خطة‭ ‬أقرها‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وسمحت‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬رسميًا‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬النهائي‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬إسرائيل،‭ ‬دائما‭ ‬هو‭ ‬محاصرة‭ ‬غالبية‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬تشبه‭ ‬البانتوستانات،‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬

في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬2023،‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المتطرف‭ ‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الشريرة،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬بكل‭ ‬صلف‭: ‬حقي‭ ‬وحق‭ ‬زوجتي‭ ‬وأولادي‭ ‬في‭ ‬التنقل‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬يهودا‭ ‬والسامرة‭ (‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭) ‬أهم‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬التنقل‭ ‬للعرب‭.‬

وتبع‭ ‬ذلك‭ ‬بسرعة‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬قسرية‭ ‬أكثر،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قوانين‭ ‬الكنيست‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬وكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ (‬الإونروا‭)‬،‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬التشريعات‭ ‬لترسيخ‭ ‬الضم‭ ‬الفعلي‭.‬

في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش‭ ‬بكل‭ ‬صلف‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬22‭ ‬مستوطنة‭ ‬جديدة‭. ‬وفي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬دعا‭ ‬14‭ ‬وزيرًا‭ ‬إسرائيليًا‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬علنًا‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬فورًا‭. ‬

وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وخاصة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المدمرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬كان‭ ‬محسوبا‭ ‬بعناية‭ ‬بحيث‭ ‬ينتهي‭ ‬بضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭ ‬ــ‭ ‬وهي‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬يتبعها‭ ‬حتما‭ ‬إعلان‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬أشخاصا‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيهم‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭ ‬فلسطين‭.‬

سيؤدي‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬والقمع‭ ‬النظامي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬انفجار‭ ‬شعبي‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭. ‬ورغم‭ ‬قمع‭ ‬ووحشية‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وإرهاب‭ ‬المستوطنين‭ ‬المسلحين،‭ ‬والإجراءات‭ ‬القمعية‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فإن‭ ‬نقطة‭ ‬الانهيار‭ ‬تقترب‭ ‬بسرعة‭.‬

لذلك‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يُروّجون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬لدعواتٍ‭ ‬جوفاء‭ ‬للتهدئة‭ ‬وخفض‭ ‬التصعيد‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬الهاوية‭. ‬فلا‭ ‬العبارات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المبتذلة‭ ‬ولا‭ ‬البيانات‭ ‬الصحفية‭ ‬العقيمة‭ ‬تكفي‭ ‬لتجنّب‭ ‬الكارثة‭. ‬يُنصح‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالتحرك‭ ‬بحزم‭ ‬ضد‭ ‬سياسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬المدمرة،‭ ‬وعليهم‭ ‬التحرك‭ ‬فورًا‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا