اختتمت مؤخرا قمة شنغهاي المنعقدة في جمهورية الصين الشعبية بحضور قيادات 26 دولة، أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء الهند ناريندرا دامودارداس مودي ورئيس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كيم جونغ أون، معلنة بدايات التحول نحو عالم جديد من سماته الرئيسية التعددية القطبية بعيدا عن انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم والتحكم فيه سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
وبالرغم من أن هذه القمة لم تعلن في أي لحظة أنها معادية للغرب وتحديدا للولايات المتحدة الامريكية، وبالرغم من أن هذه القمة الجديدة هي واحدة من سلسلة قمم سابقة انتظمت على مدار 25 عاما، فإن هذه القمة تحديدا هي الأكثر إثارة؛ لأنها وصفت في الشرق والغرب بأنها ولادة جديدة لنظام عالمي جديد.
إن الانطباع الذي تركته من مداولات ونقاشات ولقاءات هذه القمة الجماعية والثنائية تؤشر إلى عدة أمور مهمة وأساسية لا يمكن إغفالها لأي تحليل لنتائج هذه القمة:
أولا: إن انعقاد هذه القمة في ظل الظروف الحالية التي يعيش فيها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أزمة حقيقية سياسية واقتصادية، ويقوم فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدور جديد مستخدما الرسوم الجمركية كأداة لمعاقبة الدول التي لا تنسجم مع السياسة الأمريكية، ولذلك فإن أولى نتائج هذه القمة هي بداية تشكل وعي سياسي وتشكل مجموعة بدأت تتكرس تدريجيا كقوة مناوئة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وكأنما العالم اليوم يعود بعد هذه القمة إلى ما يمكن وصفه بالحرب الباردة الجديدة بين معسكرين غربي وشرقي، وهذا ما يثير غضب الولايات المتحدة الأمريكية التي وصفت هذه القمة بأنها تآمر صيني روسي كوري شمالي على الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان من المبكر الوثوق بهذا التكتل وانسجامه واعتماده بسياسة ومواقف موحدة.
ثانيا: جاء في البيان الختامي للقمة نوع من الاتفاق السياسي المنسجم في مجموعه مع الرؤية الصينية الروسية في النظر إلى القضايا الدولية بما في ذلك قضايا الشرق الأوسط، بتأكيد حل المشاكل المؤثرة على الاستقرار العالمي وتجنب المواجهة العسكرية كلما كان ذلك ممكنا. وقد عبر هذا البيان وربما لأول مرة وبقوة واضحة عن الاستياء من المواقف الغربية تجاه الأزمات المتفاقمة.
ثالثا: من النتائج المهمة لهذه القمة تأكيد الدعوة مجددا إلى الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة ضد الدول المستقلة ذات السيادة، وكذلك الدعوة إلى إقامة علاقات دولية متوازنة تضمن التنمية المستدامة لصالح شعوب العالم قاطبة.
رابعا: وبعكس ما روجت له الصحافة الغربية بأن هذه القمة معادية للغرب ومصالحه فإن البيان الختامي للقمة أكد أن هذا التجمع سيكون مفتوحا أمام الدول التي تؤمن بذات الخط القائم على العدالة والتنمية للجميع والنضال ضد الإرهاب والتطرف والتدخل الخارجي في شؤون الدول ورفض المعايير المزدوجة التي يعتمدها الغرب في سياساته وخاصة بالنظر إلى العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة.
خامسا: التركيز بشكل أساسي وجوهري على مواجهة التهديدات الاقتصادية الجديدة التي تتسبب فيها السياسات الأمريكية بوجه خاص باستخدام الرسوم الجمركية كأداة لفرض السياسات على الدول والتأكيد أن سياسات العقوبات الاقتصادية المتفاقمة قد ألحقت الضرر على الاقتصاد العالمي ككل ومن ثم تسببت في التضخم وفي الأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم منذ 3 سنوات على الأقل.
سادسا: خرجت هذه القمة باتفاق بين الدول الأعضاء يتمثل في تشكيل رسمي لقوة جديدة مفتوحة أمام الدول الراغبة في الانضمام إليها على أساس التعاون والحوكمة والعدالة والمساواة بين الدول ومراعاة المصالح المشتركة لبناء المستقبل العالمي في ظل السلام والازدهار.
لقد صادف تنظيم هذه القمة الاحتفال بمرور ثمانين عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهزيمة ألمانيا النازية أمام القوى الرافضة للحرب والظلم والعداوات، ولذلك تم استحضار الدور المحوري لروسيا والصين في رد العداوات النازية والفاشية وإلحاق الهزيمة بهما. ومثلما جاء في كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه القمة فإن التضحيات التي قدمها الآباء والأجداد خلال هذه الحرب تدعو إلى الاستعداد المشترك لدفع العالم نحو المزيد من التقدم والسلام والتعاون بعيدا عن الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك