العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

قمة شنغهاي.. وتدشين ولادة نظام دولي جديد

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

اختتمت‭ ‬مؤخرا‭ ‬قمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬المنعقدة‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬بحضور‭ ‬قيادات‭ ‬26‭ ‬دولة،‭ ‬أبرزهم‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ورئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الهند‭ ‬ناريندرا‭ ‬دامودارداس‭ ‬مودي‭ ‬ورئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬كوريا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الشعبية‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬أون،‭ ‬معلنة‭ ‬بدايات‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬سماته‭ ‬الرئيسية‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬انفراد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بقيادة‭ ‬العالم‭ ‬والتحكم‭ ‬فيه‭ ‬سياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬واقتصاديا‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬لم‭ ‬تعلن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬أنها‭ ‬معادية‭ ‬للغرب‭ ‬وتحديدا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬الجديدة‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬قمم‭ ‬سابقة‭ ‬انتظمت‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬25‭ ‬عاما،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬تحديدا‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة؛‭ ‬لأنها‭ ‬وصفت‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬بأنها‭ ‬ولادة‭ ‬جديدة‭ ‬لنظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭.‬

إن‭ ‬الانطباع‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬من‭ ‬مداولات‭ ‬ونقاشات‭ ‬ولقاءات‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬الجماعية‭ ‬والثنائية‭ ‬تؤشر‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬أمور‭ ‬مهمة‭ ‬وأساسية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفالها‭ ‬لأي‭ ‬تحليل‭ ‬لنتائج‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬انعقاد‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬ويقوم‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بدور‭ ‬جديد‭ ‬مستخدما‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬كأداة‭ ‬لمعاقبة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أولى‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬هي‭ ‬بداية‭ ‬تشكل‭ ‬وعي‭ ‬سياسي‭ ‬وتشكل‭ ‬مجموعة‭ ‬بدأت‭ ‬تتكرس‭ ‬تدريجيا‭ ‬كقوة‭ ‬مناوئة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وعسكريا،‭ ‬وكأنما‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يعود‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بالحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬معسكرين‭ ‬غربي‭ ‬وشرقي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬غضب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬وصفت‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬بأنها‭ ‬تآمر‭ ‬صيني‭ ‬روسي‭ ‬كوري‭ ‬شمالي‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المبكر‭ ‬الوثوق‭ ‬بهذا‭ ‬التكتل‭ ‬وانسجامه‭ ‬واعتماده‭ ‬بسياسة‭ ‬ومواقف‭ ‬موحدة‭.‬

ثانيا‭: ‬جاء‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬السياسي‭ ‬المنسجم‭ ‬في‭ ‬مجموعه‭ ‬مع‭ ‬الرؤية‭ ‬الصينية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بتأكيد‭ ‬حل‭ ‬المشاكل‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬العالمي‭ ‬وتجنب‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ممكنا‭. ‬وقد‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬وربما‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬وبقوة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬الاستياء‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الغربية‭ ‬تجاه‭ ‬الأزمات‭ ‬المتفاقمة‭.‬

ثالثا‭: ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬المهمة‭ ‬لهذه‭ ‬القمة‭ ‬تأكيد‭ ‬الدعوة‭ ‬مجددا‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بمبادئ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬وعدم‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‭ ‬ذات‭ ‬السيادة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دولية‭ ‬متوازنة‭ ‬تضمن‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لصالح‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬قاطبة‭.‬

رابعا‭: ‬وبعكس‭ ‬ما‭ ‬روجت‭ ‬له‭ ‬الصحافة‭ ‬الغربية‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬معادية‭ ‬للغرب‭ ‬ومصالحه‭ ‬فإن‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمة‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التجمع‭ ‬سيكون‭ ‬مفتوحا‭ ‬أمام‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬بذات‭ ‬الخط‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬للجميع‭ ‬والنضال‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬والتدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬ورفض‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬وخاصة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

خامسا‭: ‬التركيز‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬وجوهري‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تتسبب‭ ‬فيها‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬باستخدام‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬كأداة‭ ‬لفرض‭ ‬السياسات‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والتأكيد‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬قد‭ ‬ألحقت‭ ‬الضرر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬ككل‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬التضخم‭ ‬وفي‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

سادسا‭: ‬خرجت‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬باتفاق‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬رسمي‭ ‬لقوة‭ ‬جديدة‭ ‬مفتوحة‭ ‬أمام‭ ‬الدول‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التعاون‭ ‬والحوكمة‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ومراعاة‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬لبناء‭ ‬المستقبل‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬السلام‭ ‬والازدهار‭.‬

لقد‭ ‬صادف‭ ‬تنظيم‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمرور‭ ‬ثمانين‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وهزيمة‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬أمام‭ ‬القوى‭ ‬الرافضة‭ ‬للحرب‭ ‬والظلم‭ ‬والعداوات،‭ ‬ولذلك‭ ‬تم‭ ‬استحضار‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬لروسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬العداوات‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية‭ ‬وإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهما‭. ‬ومثلما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬فإن‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاستعداد‭ ‬المشترك‭ ‬لدفع‭ ‬العالم‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬والسلام‭ ‬والتعاون‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا