ينقل أحد الإعلاميين الغربيين هذا المشهد:
«كنت أقوم بتغطية إخبارية لبعض المظاهرات التي تنزل الشوارع احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية والمجاعة في غزة، وإذ بي أشاهد بعض رجال الأمن يلتفتون حول امرأة كانت تحمل لافتة مكتوبا عليها (أنتم السبب، لأنك تمدونهم بالسلاح). قام رجال الأمن بضرب المرأة حتى سال دمها على وجهها، وعندما اعترض بعض زملاء المرأة على هذه الوحشية محاولين أن يذكروا رجال الأمن بالحرية والديمقراطية، وحقوق المواطن في التعبير عن رأيه، قام رجال الأمن بمهاجمة المظاهرة بالضرب بالهراوات وأعقاب الأسلحة».
يستمر الصحفي في سرد حديثه، ولكننا نكتفي عند هذا الحد من هذه الحادثة، والغريب في الموضوع أن هذا المشهد لم يعد مستهجنًا اليوم في دول الغرب فقد بات يتكرر منذ انطلاق طوفان الأقصى، وهنا أعتقد أنه يحق لنا أن نسأل كما سأل زملاء المرأة التي ضربت: لقد صدعتم رؤوسنا يا رجالات الغرب بالديمقراطية والحرية وحق المواطن وما إلى ذلك من شعارات منذ سنوات طويلة، وخاصة عندما تتحدثون عن دولنا في الشرق، ولكنكم تغضون الطرف عن كل تلك الشعارات، لا بل تضعونها في الأدراج والأرفف وتغلقون عليها حينما يكون الحديث عن شوارعكم ومواطنيكم، فعن أي ديمقراطية وحرية تتحدثون؟ أليس من الأولى أن نرى تلك الحرية والديمقراطية مطبقة عندك ومن ثم تصدرونها إلينا؟
حاولت الماكينة الإعلامية الغربية منذ سنوات أن تجمل الصورة الغربية للحرية والديمقراطية المطبقة في الغرب، وخاصة من خلال الأفلام والمسلسلات والأعمال الفنية، وفي الحقيقة فقد نجحت بصورة كبيرة، إذ أصبح كثير من رجالات الشرق ونسائه يعجبون بالفكر الغربي الذي يتم تصديره إلينا، فعندما يتحدثون عن الأخلاق فلا يتحدثون إلا عن الأخلاق الغربية، وعندما يتحدثون عن الشخصيات فلا يتحدثون إلا عن الشخصيات الغربية، والأسرة الغربية هي الأسرة المثالية، والمدارس الغربية هي الإبداع لا محال، وهكذا، وعندما يتحدثون في ندوات أو جلسات فإنهم يفضلون أن يتحدثون بلغة مختلطة ما بين العربية والأجنبية، حتى تشعر أنك لا تجالس أبناء العرب وإنما هم من الشعوب الغربية التي يحاولون التحدث بالعربية.
ولكن عندما تذهب وتبحث بين جنبات كل تلك الشوارع والمكتبات والحياة الغربية تجد أن هذه الحضارة التي بنيت على تمثال الحرية رمز الديمقراطية حضارة هشة، مادية، فردية لا يفكر فيها الإنسان إلا بنفسه فقط، فلا أحد مهم إلا نفسه.
ومن جانب آخر، يذكر تقرير صدر في الصين العام الجاري 2025 حول انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة في عام 2024 عدة نقاط، دعونا نقتبس منه بعض النقاط كالآتي:
الخطاب العنصري يتفشى، حيث تتعرض الأقليات العرقية للتمييز والإقصاء بشكل مستمر وواسع النطاق؛ فمن خلال استغلال الانقسامات العرقية، غطى الساسة على المشاكل الهيكلية في المجتمع من خلال التحريض على العداء بين الجماعات المتنافسة. ويزيد احتمال تعرض الأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية لإطلاق النار عليهم وقتلهم على يد الشرطة بواقع ثلاثة أضعاف مقارنة بالأمريكيين البيض. ومن بين جميع الأطفال المحكوم عليهم بالسجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط، يشكل السود 61% منهم. كما أن ما يقرب من 80% من محارق النفايات الصلبة الحضرية في الولايات المتحدة تقع في مجتمعات يسكنها أمريكيون منحدرون من أصول إفريقية ولاتينية وذوو الدخل المنخفض. كما أن متوسط العمر المتوقع للأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية أقل بواقع خمس سنوات تقريبًا من متوسط العمر المتوقع للأمريكيين البيض، ومعدل وفيات الرضع لديهم يزيد على المعدل لدى البيض بأكثر من مرتين، ومعدل وفيات الأمهات لديهم أعلى من المعدل لدى البيض بما يقرب من ثلاث مرات. وقد تحولت المدارس الداخلية للهنود الأمريكيين، التي عملت أكثر من قرن ونصف قرن، إلى جحيم مع اكتشاف وفاة أكثر من 3100 طفل أمريكي من السكان الأصليين فيها. وعلى الرغم من أن الآسيويين يشكلون الشريحة الأكثر تعليمًا ضمن القوى العاملة الأمريكية، فإنهم الأقل احتمالاً بين جميع المجموعات العرقية في الوصول إلى مناصب قيادية. ويواجه حوالي ثلثي الأمريكيين المنحدرين من أصول صينية (حوالي 68%) شكلاً واحدًا على الأقل من أشكال التمييز خلال شهر واحد في المتوسط.
غياب الحماية القانونية أدى إلى انتهاك حقوق المرأة والطفل على نطاق واسع، فلم تُصادق الولايات المتحدة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ولا على اتفاقية حقوق الطفل. ولم يتم بعد إقرار تعديل دستوري بشأن (المساواة في الحقوق) بين الرجل والمرأة. وتعرضت حوالي 40% من النساء العاملات للتحرش الجنسي خلال حياتهن المهنية. وسجلت 11 ولاية في الولايات المتحدة معدل عنف أسري يزيد على 40%. وتعيش أكثر من 5 ملايين امرأة في مناطق لا تتوافر فيها خدمات الرعاية المتعلقة بالأمومة، ولا يزال زواج الأطفال (قانونيًا) في الغالبية العظمى من الولايات. ولا تزال الممارسة الضارة المتمثلة في تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) منتشرة على نطاق واسع في الولايات المتحدة. وقد ارتفع عدد الأطفال العاملين بشكل غير قانوني إلى أعلى مستوى له منذ عقود، بينما خفف أصحاب السلطة القيود المفروضة على استغلال الأطفال. ومن بين الأطفال المهاجرين، وصل عدد الأطفال العاملين بشكل غير قانوني إلى أعلى مستوى له منذ أوائل القرن العشرين.
أما عن التطرف والعنف السياسي والاتجار بالمخدرات فإن التقرير يقول:
التواطؤ بين الحكومة والشركات أدى إلى تفاقم أزمة المخدرات وتفشي الإدمان، فيما أثار نظام الرعاية الصحية الفاشل غضب الرأي العام. فتكمن جذور أزمة تعاطي المخدرات والمواد الأفيونية في أمريكا في اختطاف المصالح، والتواطؤ بين الحكومة والشركات، والفشل التنظيمي. وقد كثفت جماعات المصالح، مدفوعة بالربح، جهود الضغط وروجت على نحو مضلل لاستخدام المواد الأفيونية؛ فقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة في الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية والمنشطات الاصطناعية. وأصبحت هذه المواد الأفيونية المخدر الأكثر انتشارًا بين الجمهور الأمريكي. وتجاوزت مبيعات القنب بالتجزئة 32 مليار دولار في عام 2024، وأودت الجرعات الزائدة من المخدرات بحياة أكثر من 100 ألف شخص. كما أن الولايات المتحدة، من بين الدول ذات الدخل المرتفع، هي الدولة الوحيدة التي لا توفر تغطية صحية شاملة، وتُسجل أدنى متوسط للعمر المتوقع بين نظرائها. وتتصاعد تكاليف الرعاية الصحية بشكل متصاعد، بينما تلجأ شركات التأمين إلى تكتيكات مثل التأخير والرفض وعدم الدفع في التعامل مع حاملي وثائق التأمين، ما يدفع أعدادًا كبيرة من المرضى من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط إلى الإفلاس بسبب الديون الطبية.
والعنف المسلح هدد الأرواح، واستمرت وحشية الشرطة في تجاهل تام لحياة البشر؛ فقد ظلت حصيلة الوفيات الناجمة عن العنف المسلح مرتفعة. وابتليت الأمة بحوادث متكررة من إطلاق النار الجماعي وحوادث إطلاق النار في المدارس؛ ففي عام 2024 وقعت 503 حوادث إطلاق نار جماعي و45 حادثة إطلاق نار في المدارس بالولايات المتحدة. وقُتل أكثر من 40 ألف أمريكي بسبب العنف المسلح، بما في ذلك أكثر من 1400 طفل. كما أصبحت ثقافة العنف في الولايات المتحدة متأصلة بعمق في أجهزة إنفاذ القانون. ونظرًا إلى التراخي المفرط في معايير المساءلة، كثيرًا ما تتسبب أجهزة إنفاذ القانون وأنظمة العدالة الجنائية في إلحاق الأذى بالمدنيين من دون أن يترتب على ذلك عواقب تذكر. وتزيد ثقافة الإفلات من العقاب هذه من تفاقم عنف الشرطة؛ فضباط الشرطة الأمريكية يستخدمون العنف ضد ما لا يقل عن 300 ألف شخص سنويًا، ويتسببون جراء ذلك في إصابة حوالي 100 ألف منهم، وفي عام 2024 وحده، أودت عمليات إطلاق النار التي نفذتها الشرطة بحياة أكثر من 1300 شخص.
وأما عن علاقة أمريكا بالدولة الصهيونية، فيقول التقرير:
سياسات القوة تزيد من حدة الصراعات الإقليمية وتتسبب في كوارث إنسانية؛ فقد قدمت الحكومة الأمريكية دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا ثابتًا لإسرائيل، واستخدمت حق النقض (الفيتو) سبع مرات لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن الدولي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وقد أسفر تصعيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن سقوط أكثر من 100 ألف ضحية وتشريد ما يقرب من 90% من سكان غزة. وتعد الولايات المتحدة، وبفارق كبير، أكبر مستخدم للعقوبات الأحادية في العالم. وقد فرضت هذه العقوبات بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، ما أثر سلبًا على حياة المليارات في جميع أنحاء العالم. ويخضع الآن أكثر من 60% من البلدان ذات الدخل المنخفض لشكل من أشكال العقوبات المالية. وعلى الرغم من صدور 32 قرارًا متتاليًا بأغلبية ساحقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة أصرت على الإبقاء على الحظر الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض على كوبا. وواصل جهاز التعذيب في سجن خليج غوانتنامو عمله، مستخدمًا أساليب أقل ما يقال عنها إنها مروعة.
ويختم التقرير المشهد بهذه الفقرة:
يُعد المشهد السياسي المضطرب في الولايات المتحدة خلال عام 2024 بمثابة منشور يعكس المعضلات الهيكلية لحقوق الإنسان على النمط الأمريكي. أما فيما يخص القضايا العديدة المرتبطة بحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، فقد راوغ الساسة من كلا الحزبين خلال الحملات الانتخابية وتهربوا من الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية إصلاح المشاكل بجدية. وفي خضم التواطؤ بين السلطة ورأس المال، تم تشويه حقوق الإنسان وتحويلها إلى مجرد أدوات دعائية في عرض سياسي وأوراق مساومة في كازينو السلطة، ما أدى إلى انحرافها التام عن القيم الجوهرية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
ربما كان التقرير صحيحًا أو فيه الكثير من التجني، إلا أن الوقت قد آن حتى نعيد التفكير في حضارة التمثال، فأكبر مشكلة تواجه الغرب اليوم هي عدم الإحساس بإنسانية الإنسان.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك