العدد : ١٧٣٣٥ - الاثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٥ - الاثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

أثر الأركان.. في بناء الإنسان!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

يقول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: (‬بني‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬خمس‭: ‬شهادة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬محمدًا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وإقام‭ ‬الصلاة،‭ ‬وإيتاء‭ ‬الزكاة،‭ ‬وصوم‭ ‬رمضان،‭ ‬وحج‭ ‬البيت‭) ‬رواه‭ ‬البخاري‭. ‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الأركان‭ ‬الخمسة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬بناء‭ ‬الإسلام‭ ‬إلا‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬يتطاول‭ ‬كماله‭ ‬وتمامه‭ ‬إلا‭ ‬بها‭ ‬وعليها‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬والصمود‭ ‬مضاعفة‭ ‬حتى‭ ‬تتحمل‭ ‬ما‭ ‬يبنى‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأركان‭ ‬كذلك،‭ ‬ولا‭ ‬تحقق‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تستوعب‭ ‬القوة،‭ ‬وتستجيب‭ ‬لما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الكيان‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬والمنعة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬المنشودة،‭ ‬والمقاصد‭ ‬المتوخاة‭.‬

ويتحقق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تفعيل‭ ‬هذه‭ ‬الأركان،‭ ‬وتحويل‭ ‬مفرداتها‭ ‬لتؤدي‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية،‭ ‬فالركن‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأركان،‭ ‬وهو‭ ‬ركن‭ ‬التوحيد‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬كل‭ ‬الأحمال‭ ‬التي‭ ‬توضع‭ ‬عليه،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬حتى‭ ‬يقوم‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬بوظيفته‭ ‬خير‭ ‬قيام‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بالخالق‭ ‬سبحانه،‭ ‬يقول‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭: ‬‮«‬إن‭ ‬هذه‭ ‬أمّتكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬وأنا‭ ‬ربكم‭ ‬فاعبدون‮»‬‭ (‬الأنبياء‭: ‬92‭).‬

وهكذا‭ ‬يتم‭ ‬التوحيد،‭ ‬وتتعاون‭ ‬أركانه‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صلة‭ ‬مباركة‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يتسلم‭ ‬منه‭ ‬الرشد‭ ‬والعلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وينير‭ ‬له‭ ‬السبل،‭ ‬ويزرع‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬الأمل‭ ‬حدائق‭ ‬ذات‭ ‬بهجة،‭ ‬وحتى‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الأمل‭ ‬واقعًا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المبلغ‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإله‭ ‬نبيا‭ ‬مرسلا،‭ ‬ورسولا‭ ‬مكلفا‭ ‬يكون‭ ‬وسيطًا‭ ‬بين‭ ‬الله‭ ‬وخلقه‭.‬

إذا،‭ ‬فالركن‭ ‬الأول،‭ ‬هو‭ ‬الدعامة‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬ربطها‭ ‬ببقية‭ ‬الأركان،‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬الغايات‭ ‬المنشودة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأركان،‭ ‬وحتى‭ ‬تكون‭ ‬الصلة‭ ‬مستمرة‭ ‬ودائمة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬بقية‭ ‬الأركان‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الصلاة،‭ ‬وهي‭ ‬الصلة‭ ‬التي‭ ‬توثق‭ ‬علاقة‭ ‬العبد‭ ‬مع‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬العبد‭ ‬حريصًا‭ ‬عليها‭ -‬أي‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭- ‬يؤديها‭ ‬في‭ ‬أوقاتها،‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬ثمارها‭ ‬وكمالها‭ ‬في‭ ‬الأقوال،‭ ‬والأفعال،‭ ‬والأحوال،‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬إلا‭ ‬بتفعيلها،‭ ‬وهذا‭ ‬التفعيل‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الهمة‭ ‬في‭ ‬بلوغ‭ ‬القمة‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستجابة‭ ‬للأوامر‭ ‬والنواهي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬سلم‭) ‬حين‭ ‬عَرَّفَ‭ ‬المسلم‭ ‬والمؤمن‭ ‬والمهاجر،‭ ‬فقال‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: (‬المسلم‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬ويده،‭ ‬والمهاجر‭ ‬من‭ ‬هجر‭ ‬ما‭ ‬نهى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬متفق‭ ‬عليه‭.‬

وقال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬تعريفه‭ ‬للمؤمن‭: (‬المؤمن‭ ‬من‭ ‬أمنه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬أموالهم‭ ‬وأنفسهم‭) ‬الحديث‭ ‬صحيح‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬الثلاثة‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬هؤلاء‭ ‬بكثرة‭ ‬عباداتهم،‭ ‬ولا‭ ‬ببالغ‭ ‬تنفعهم،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬تركته‭ ‬هذه‭ ‬العبادات‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬سلوكهم‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ولأن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬عباده،‭ ‬وهو‭ ‬النفع‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬معاشهم‭ ‬ومعادهم‭.‬

فالمسلم‭ ‬الذي‭ ‬ينشده‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬تظهر‭ ‬أثر‭ ‬عباداته‭ ‬في‭ ‬سلوكه،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يعطي‭ ‬المسلم‭ ‬المنافق‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يدعي‭ ‬الإسلام‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يبطن،‭ ‬فيتظاهر‭ ‬بالعبادة‭ ‬والتقوى،‭ ‬فإذا‭ ‬خلى‭ ‬بنفسه‭ ‬ارتكب‭ ‬المعاصي،‭ ‬واجترح‭ ‬المنكرات،‭ ‬وهذا‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينكشف‭ ‬أمره،‭ ‬ويفضح‭ ‬سره‭.‬

إذا،‭ ‬فمن‭ ‬بشائر‭ ‬قبول‭ ‬العبادة‭ ‬أو‭ ‬ردها‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭ ‬أثرها‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬والصلاة‭ ‬أعظم‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أقم‭ ‬الصلاة‭ ‬طرفي‭ ‬النهار‭ ‬وزلفًا‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬إن‭ ‬الحسنات‭ ‬يذهبن‭ ‬السيئات‭ ‬ذلك‭ ‬ذكرى‭ ‬للذاكرين‮»‬‭ (‬هود‭: ‬114‭).‬

وقال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أتل‭ ‬ما‭ ‬أوحي‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬وأقم‭ ‬الصلاة‭ ‬إنّ‭ ‬الصلاة‭ ‬تنهى‭ ‬عن‭ ‬الفحشاء‭ ‬والمنكر‭ ‬ولذكر‭ ‬الله‭ ‬أكبر‭ ‬والله‭ ‬يعلم‭ ‬ما‭ ‬تصنعون‮»‬‭ (‬العنكبوت‭: ‬45‭). ‬إذا،‭ ‬فالصلاة‭ ‬في‭ ‬الآية‭ (‬45‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬العنكبوت‭ ‬صيانة‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الزلل،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬علاج‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬تزل‭ ‬به‭ ‬الأقدام‭ ‬في‭ ‬الآية‭ (‬114‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬هود‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬الصلاة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أداها‭ ‬المؤمن‭ ‬بحسب‭ ‬صحتها‭ ‬وتمام‭ ‬شروطها،‭ ‬فالصلاة‭ ‬إذا‭ ‬أقامها‭ ‬بتمامها‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬علاجًا،‭ ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬صيانة‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬المعاصي‭.‬

إذا،‭ ‬فالصلاة،‭ ‬والزكاة،‭ ‬والحج‭ ‬والعمرة،‭ ‬والصيام‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬يؤديها،‭ ‬ولكن‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬يجني‭ ‬ثمراتها،‭ ‬ولا‭ ‬تتحقق‭ ‬هذه‭ ‬الثمرات‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬صدقت‭ ‬نيته،‭ ‬وظهر‭ ‬إخلاصه،‭ ‬وصفت‭ ‬سريرته‭. ‬

إذا،‭ ‬فالأركان‭ ‬الخمسة‭ ‬هي‭: ‬روح‭ ‬الإسلام،‭ ‬وسبيله‭ ‬إلى‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬عذاب‭ ‬الآخرة‭ ‬التي‭ ‬حذرت‭ ‬منها‭ ‬النصوص‭ ‬الواضحة‭ ‬البيان،‭ ‬ورغبت‭ ‬من‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬الطاعات‭.‬

إذا،‭ ‬فالإسلام‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬ليس‭ ‬تنطعًا‭ ‬في‭ ‬العبادات،‭ ‬وليس‭ ‬مبالغة‭ ‬فيها،‭ ‬ولكنه‭ ‬التزام‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬والعمل،‭ ‬ويظهر‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬العبد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬العبد‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬وتصرفاته‭ ‬في‭ ‬أحاديث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يشتهر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬التردد‭ ‬على‭ ‬المساجد،‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬الطاعات،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عندما‭ ‬فرض‭ ‬الفرائض،‭ ‬وأمر‭ ‬بالطاعات،‭ ‬ونهى‭ ‬عن‭ ‬المعاصي‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬صيانة‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬المعاصي،‭ ‬وعلاجه‭ ‬منها‭ ‬إذا‭ ‬ضعفت‭ ‬نفسه،‭ ‬فوقع‭ ‬فيها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا