يقول صلوات ربي وسلامه عليه: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) رواه البخاري.
هذه هي الأركان الخمسة التي لا يقوم بناء الإسلام إلا عليها، ولا يتطاول كماله وتمامه إلا بها وعليها.
ومن المعلوم أن قدرتها على التحمل والصمود مضاعفة حتى تتحمل ما يبنى عليها، ولا تكون هذه الأركان كذلك، ولا تحقق المطلوب منها ما لم تستوعب القوة، وتستجيب لما يحتاج إليه الكيان من القوة والمنعة، وتحقيق الغايات المنشودة، والمقاصد المتوخاة.
ويتحقق كل هذا إذا تم تفعيل هذه الأركان، وتحويل مفرداتها لتؤدي المطلوب منها بكفاءة عالية، فالركن الأول في هذه الأركان، وهو ركن التوحيد لا بد أن يكون قادرًا على أن يستوعب كل الأحمال التي توضع عليه، ومن أجل هذا حتى يقوم هذا الركن بوظيفته خير قيام لا بد أن يكون هناك صلة وثيقة بالخالق سبحانه، يقول جل جلاله: «إن هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (الأنبياء: 92).
وهكذا يتم التوحيد، وتتعاون أركانه عندما يكون في صلة مباركة مع الله تعالى يتسلم منه الرشد والعلم والمعرفة، وينير له السبل، ويزرع في نفسه الأمل حدائق ذات بهجة، وحتى يكون هذا الأمل واقعًا لا بد أن يكون المبلغ عن هذا الإله نبيا مرسلا، ورسولا مكلفا يكون وسيطًا بين الله وخلقه.
إذا، فالركن الأول، هو الدعامة الرئيسة التي يتم ربطها ببقية الأركان، التي تحقق الغايات المنشودة من هذه الأركان، وحتى تكون الصلة مستمرة ودائمة لا بد من تفعيل بقية الأركان التي من بينها الصلاة، وهي الصلة التي توثق علاقة العبد مع ربه سبحانه وتعالى، وما دام العبد حريصًا عليها -أي على الصلاة- يؤديها في أوقاتها، ويحرص على ثمارها وكمالها في الأقوال، والأفعال، والأحوال، ولن يتحقق هذا إلا بتفعيلها، وهذا التفعيل يتم من خلال الحرص على تحويل الهمة في بلوغ القمة في الأداء من خلال الاستجابة للأوامر والنواهي، وهذا ما أشار إليه الرسول الأعظم (صلى الله عليه سلم) حين عَرَّفَ المسلم والمؤمن والمهاجر، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم في تعريفه للمؤمن: (المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم) الحديث صحيح. وفي هذه التعريفات الثلاثة لم يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء بكثرة عباداتهم، ولا ببالغ تنفعهم، بل بما تركته هذه العبادات فيهم من أثر في سلوكهم مع غيرهم من الناس، ولأن هذا ما يريده الله تعالى من عباده، وهو النفع الذي يعود على الناس في معاشهم ومعادهم.
فالمسلم الذي ينشده الله تعالى هو الذي تظهر أثر عباداته في سلوكه، بل على العكس من ذلك قد يعطي المسلم المنافق أو من يدعي الإسلام غير ما يبطن، فيتظاهر بالعبادة والتقوى، فإذا خلى بنفسه ارتكب المعاصي، واجترح المنكرات، وهذا سرعان ما ينكشف أمره، ويفضح سره.
إذا، فمن بشائر قبول العبادة أو ردها على صاحبها أثرها في سلوكه العام والخاص، والصلاة أعظم مثال على ذلك، يقول تعالى: «أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين» (هود: 114).
وقال تعالى: «أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون» (العنكبوت: 45). إذا، فالصلاة في الآية (45) من سورة العنكبوت صيانة من الوقوع في الزلل، وهي كذلك علاج لما قد تزل به الأقدام في الآية (114) من سورة هود.
كل ذلك يتحقق من الصلاة إذا ما أداها المؤمن بحسب صحتها وتمام شروطها، فالصلاة إذا أقامها بتمامها كانت له علاجًا، وكانت له صيانة من الوقوع في المعاصي.
إذا، فالصلاة، والزكاة، والحج والعمرة، والصيام كل منا يؤديها، ولكن قليل من يجني ثمراتها، ولا تتحقق هذه الثمرات إلا لمن صدقت نيته، وظهر إخلاصه، وصفت سريرته.
إذا، فالأركان الخمسة هي: روح الإسلام، وسبيله إلى النجاة من عذاب الآخرة التي حذرت منها النصوص الواضحة البيان، ورغبت من الإكثار من الطاعات.
إذا، فالإسلام في حقيقته ليس تنطعًا في العبادات، وليس مبالغة فيها، ولكنه التزام في القول والعمل، ويظهر كل ذلك في أحوال العبد، وهذا ما أكده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشعر بها العبد في سلوكه وتصرفاته في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وإن لم يشتهر عليه من كثرة التردد على المساجد، والمبالغة في الطاعات، وأن الله تعالى عندما فرض الفرائض، وأمر بالطاعات، ونهى عن المعاصي إنما كان الهدف من كل هذا هو صيانة العبد من الوقوع في المعاصي، وعلاجه منها إذا ضعفت نفسه، فوقع فيها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك