العدد : ١٧٤٠٧ - الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٧ - الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

«محكمة غزة» وتساؤلات حول دور بريطانيا في جرائم الحرب

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬واجهت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬اتهامات‭ ‬متزايدة‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬وبتوفير‭ ‬غطاء‭ ‬سياسي‭ ‬وعسكري‭ ‬لحملة‭ ‬عسكرية‭ ‬وصفتها‭ ‬جهات‭ ‬حقوقية‭ ‬ودولية‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬وبينما‭ ‬واصلت‭ ‬حكومات‭ ‬داونينغ‭ ‬ستريت‭ -‬سواء‭ ‬بقيادة‭ ‬المحافظين‭ ‬أو‭ ‬العمال‭- ‬دعمها‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬تصاعدت‭ ‬الدعوات‭ ‬داخل‭ ‬بريطانيا‭ ‬وخارجها‭ ‬لمحاسبة‭ ‬لندن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أعلن‭ ‬النائب‭ ‬المستقل‭ ‬جيريمي‭ ‬كوربين‭ ‬عقد‭ ‬‮«‬محكمة‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025،‭ ‬لمحاولة‭ ‬كشف‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تقاعس‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬أي‭ ‬تحقيق‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭.‬

منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬الحكومات‭ ‬البريطانية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬في‭ ‬داونينغ‭ ‬ستريت‭ -‬بدءًا‭ ‬بحكومة‭ ‬المحافظين‭ ‬بقيادة‭ ‬ريشي‭ ‬سوناك،‭ ‬ثم‭ ‬حكومة‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬بقيادة‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭- ‬بتمكين‭ ‬ائتلاف‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرف‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬حملة‭ ‬تدمير‭ ‬شاملة‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬شملت‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬سعت‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬مدى‭ ‬تواطئها‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتُكبت‭.‬

إن‭ ‬التحول‭ ‬المتأخر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬البريطانية‭ ‬خلال‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬2025‭ -‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬بعض‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والاعتراف‭ ‬المشروط‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭- ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬أن‭ ‬وستمنستر‭ ‬سمحت‭ ‬بمذبحة‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رادع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرقلة‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمحو‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬المعاناة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواصلة‭ ‬نقل‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬ورفض‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬أقوى‭ ‬وأكثر‭ ‬حسمًا‭ ‬لمحاسبة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وشركائه‭ ‬المتواطئين‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬رفض‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ ‬نشر‭ ‬تقييماتها‭ ‬الداخلية‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬أفعال‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬واستمرار‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭ ‬في‭ ‬إحباط‭ ‬محاولات‭ ‬نواب‭ ‬البرلمان‭ ‬البريطاني‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬إجابات‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬تورط‭ ‬بريطانيا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬وحاليًا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬أعلن‭ ‬جيريمي‭ ‬كوربين،‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬‮«‬الدور‭ ‬الحقيقي‭ ‬لبريطانيا‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬المرتكبة‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬‭.‬

وستتضمن‭ ‬المحكمة‭ ‬شهادات‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬وأكاديميين‭ ‬ومحامين‭ ‬وخبراء‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬المقررة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬فرانشيسكا‭ ‬ألبانيز،‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬المخضرمين‭ ‬لـ«الكشف‭ ‬عن‭ ‬النطاق‭ ‬الكامل‭ ‬لتواطؤ‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬و«تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭.‬

إن‭ ‬التعنت‭ ‬البريطاني‭ ‬تجاه‭ ‬التحرك‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬الجرائم‭ ‬الموثقة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ -‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سمة‭ ‬لحكومة‭ ‬ريشي‭ ‬سوناك‭ ‬حتى‭ ‬يوليو‭ ‬2024‭- ‬استمر‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكومة‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬العمالية؛‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬سوناك‭ ‬تدّعي‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬انتهكت‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بقصف‭ ‬المدنيين،‭ ‬فإن‭ ‬التصريحات‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬ديفيد‭ ‬لامي‭ ‬كوزير‭ ‬للخارجية‭ ‬لاحقًا،‭ ‬التي‭ ‬أدانت‭ ‬أفعال‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى،‭ ‬لم‭ ‬تُخفِ‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬تقييم‭ ‬رسمي‭ ‬لما‭ ‬جرى،‭ ‬وهو‭ ‬تقييم‭ ‬قد‭ ‬يُثبت‭ ‬وقوع‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬ويقلب‭ ‬عقودًا‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬البريطانية‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭.‬

وفي‭ ‬يوليو‭ ‬2025‭ ‬صرّح‭ ‬وزير‭ ‬شؤون‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬هاميش‭ ‬فالكونر‭ ‬بأنه‭ ‬رغم‭ ‬فحص‭ ‬412‭ ‬حادثة‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬ارتكبت‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬بحجة‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أدلة‭ ‬كافية‭ ‬يمكن‭ ‬التحقق‭ ‬منها‮»‬‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وبينما‭ ‬أفيد‭ ‬بأن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأسبق‭ ‬ديفيد‭ ‬كاميرون‭ ‬هدد‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬بالانسحاب‭ ‬البريطاني‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2024‭ ‬إذا‭ ‬أصدرت‭ ‬مذكرات‭ ‬توقيف‭ ‬دولية‭ ‬بحق‭ ‬نتنياهو‭ ‬ووزير‭ ‬دفاعه‭ ‬آنذاك‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت،‭ ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬ديفيد‭ ‬لامي‭ ‬سوى‭ ‬تأكيدات‭ ‬فاترة‭ ‬بأن‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬ستمتثل‭ ‬لأمر‭ ‬المحكمة‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُدلي‭ ‬بأي‭ ‬تصريح‭ ‬علني‭ ‬يدافع‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭. ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أوضحت‭ ‬فيه‭ ‬حكومات‭ ‬أوروبية،‭ ‬أبرزها‭ ‬ألمانيا،‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تمتثل‭ ‬لهذا‭ ‬القرار‭.‬

ومع‭ ‬فشل‭ ‬أسئلة‭ ‬النواب‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬واللجان‭ ‬المختارة‭ ‬مثل‭ ‬لجنة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تورط‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬قاد‭ ‬كوربين‭ ‬جهودًا‭ ‬لإطلاق‭ ‬تحقيق‭ ‬عام‭ ‬رسمي،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تحقيق‭ ‬تشيلكوت‭ ‬الذي‭ ‬استعرض‭ ‬دور‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬العراق،‭ ‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬حكومة‭ ‬توني‭ ‬بلير‭ ‬بمساعدة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الإطاحة‭ ‬بصدام‭ ‬حسين‭ ‬استند‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬وتقييمات‭ ‬خاطئة‮»‬‭.‬

فمنذ‭ ‬دعوته‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬رسمي‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬قدم‭ ‬كوربين‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬خاص‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬التحقيق‭ ‬العام‭ ‬المستقل‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬يونيو،‭ ‬وقد‭ ‬أُقر‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬الأولى‭. ‬وذكرت‭ ‬ميغان‭ ‬كينيون‭ ‬المحررة‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيو‭ ‬ستيتسمان‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬‮«‬هدد‭ ‬بإحراج‮»‬‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬صوت‭ ‬عدد‭ ‬كافٍ‭ ‬من‭ ‬نواب‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬لصالحه‭. ‬لكن،‭ ‬لاحقًا‭ ‬منع‭ ‬داونينغ‭ ‬ستريت‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬المضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬يوليو‭.‬

ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬حظي‭ ‬بدعم‭ ‬50‭ ‬نائبًا‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬والحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الاسكتلندي،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬النائب‭ ‬العمالي‭ ‬برايان‭ ‬ليشمان‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬ألوا‭ ‬وغرانجماوث‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا،‭ ‬الذي‭ ‬صرّح‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الشعب‭ ‬البريطاني‭ ‬يستحق‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬دور‭ ‬بلدنا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬البغيضة‮»‬‭. ‬

في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬رفضت‭ ‬22‭ ‬منظمة‭ ‬حقوقية‭ ‬زعم‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ -‬مثل‭ ‬فالكونر‭- ‬بأن‭ ‬التحقيق‭ ‬غير‭ ‬ضروري،‭ ‬وأعلنت‭ ‬دعمها‭ ‬العلني‭ ‬للمساءلة‭ ‬في‭ ‬وستمنستر‭. ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬منظمة‭ ‬أكشن‭ ‬إيد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الوقت‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحًا‭ ‬للتأكد‭ ‬مما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬انتهاكات‭ ‬للقانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‮»‬‭.‬

وتوقعًا‭ ‬لإمكانية‭ ‬عرقلة‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬لهذه‭ ‬الدعوات،‭ ‬أفاد‭ ‬باتريك‭ ‬وينتور‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬بأن‭ ‬منتقدي‭ ‬الحكومة‭ ‬كانوا‭ ‬يخططون‭ ‬بالفعل‭ ‬لإقامة‭ ‬محكمتهم‭ ‬الخاصة‭. ‬وبالفعل،‭ ‬ستُعقد‭ ‬‮«‬محكمة‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬سبتمبر‭ ‬بدار‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬وستمنستر،‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬مشروع‭ ‬السلام‭ ‬والعدالة‭. ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬كوربين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬يبذلون‭ ‬قصارى‭ ‬جهدهم‭ ‬لإخفاء‭ ‬الحقيقة‭ -‬كما‭ ‬فعلوا‭ ‬في‭ ‬العراق‭- ‬لكنهم‭ ‬لن‭ ‬ينجحوا‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬ينجحوا‭ ‬سابقًا‮»‬‭.‬

وستركّز‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬محاور‭ ‬رئيسية‭: ‬الأثر‭ ‬الإنساني‭ ‬لحملة‭ ‬التدمير‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬غزة؛‭ ‬المسؤوليات‭ ‬القانونية‭ ‬للحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمحلي؛‭ ‬دعم‭ ‬الجيش‭ ‬البريطاني‭ ‬لإسرائيل؛‭ ‬ومدى‭ ‬التزام‭ ‬حكومتي‭ ‬سوناك‭ ‬وستارمر‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمساعدة‭ ‬العسكرية‭ ‬البريطانية‭ ‬المباشرة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬كشف‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬اللجنة‭ ‬البريطانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬لعبت‭ ‬‮«‬دورًا‭ ‬مؤثرًا‮»‬‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬تراخيص‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬عبر‭ ‬تعاون‭ ‬عسكري‭ ‬أوسع‭ ‬وأعمق‭. ‬تضمن‭ ‬ذلك‭ ‬قيام‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الملكي‭ ‬البريطاني‭ ‬بطلعات‭ ‬استخباراتية‭ ‬جوية‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬أكروتيري‭ ‬في‭ ‬قبرص‭.‬

وأضاف‭ ‬وينتور‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬538‮»‬‭ ‬طلعة‭ ‬جوية‭ ‬نفذها‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الملكي‭ ‬البريطاني‭ ‬فوق‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فوق‭ ‬غزة‭- ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭. ‬وتدعي‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬مواقع‭ ‬الرهائن‭ ‬المحتجزين‭ ‬لدى‭ ‬حماس‭.‬

أما‭ ‬بشأن‭ ‬مبيعات‭ ‬الأسلحة‭ ‬البريطانية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعليق‭ ‬ديفيد‭ ‬لامي‭ ‬30‭ ‬ترخيصًا‭ ‬لتصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬بعد‭ ‬ضغوط‭ ‬مكثفة،‭ ‬واصلت‭ ‬بريطانيا‭ -‬وفقًا‭ ‬لوينتور‭- ‬نقل‭ ‬‮«‬آلاف‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الذخائر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬ولم‭ ‬تتخذ‭ ‬وستمنستر‭ ‬بعد‭ ‬قرارًا‭ ‬مماثلًا‭ ‬لقرار‭ ‬ألمانيا‭ ‬القاضي‭ ‬بوقف‭ ‬جميع‭ ‬صادرات‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬واعتبرت‭ ‬مديرة‭ ‬منظمة‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬ياسمين‭ ‬أحمد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬حظر‭ ‬شامل‭ ‬للأسلحة‮»‬‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬لن‭ ‬يكون‭ ‬كافيًا‭ ‬للوفاء‭ ‬بالتزامات‭ ‬بريطانيا‭ ‬القانونية‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭.‬

كما‭ ‬يسعى‭ ‬كوربين‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬كشف‭ ‬تفاصيل‭ ‬إضافية‭ ‬عن‭ ‬اتفاقية‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬الموقّعة‭ ‬بين‭ ‬حكومتي‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2020‭. ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬2025‭ ‬أفادت‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬ديكلاسيفايد‭ ‬يو‭ ‬كيه‮»‬‭ ‬بأن‭ ‬الجنرال‭ ‬السير‭ ‬نيك‭ ‬كارتر،‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الدفاع‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬يعمل‭ ‬حاليًا‭ ‬‮«‬مستشارًا‭ ‬لشركات‭ ‬أسلحة‭ ‬إسرائيلية‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬‮«‬إكسيجينت‭ ‬كابيتال‮»‬‭ ‬ومقرها‭ ‬القدس‭. ‬

وأثار‭ ‬هذا‭ ‬الكشف‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬غاضبة،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬كريس‭ ‬دويل‭ ‬مدير‭ ‬مجلس‭ ‬التفاهم‭ ‬العربي‭ ‬البريطاني‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬أسئلة‭ ‬جدية‮»‬‭ ‬حول‭ ‬مسؤولين‭ ‬دفاعيين‭ ‬سابقين‭ ‬يعملون‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬سلاح‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬ذات‭ ‬سجل‭ ‬حافل‭ ‬بانتهاكات‭ ‬جسيمة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭. ‬بدورها،‭ ‬قالت‭ ‬الدكتورة‭ ‬سارة‭ ‬الحسيني‭ ‬مديرة‭ ‬اللجنة‭ ‬البريطانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الوقائع‭ ‬‮«‬تُجسّد‭ ‬مدى‭ ‬عمق‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬البريطانية‭ ‬وصناعة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬تستضيف‭ ‬المحكمة،‭ ‬التي‭ ‬ينظمها‭ ‬مشروع‭ ‬السلام‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬البارزين‭ ‬الذين‭ ‬سيدلون‭ ‬بشهاداتهم‭ ‬حول‭ ‬الدور‭ ‬البريطاني‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬غزة‭. ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬كوربين‭ ‬أن‭ ‬فرانشيسكا‭ ‬ألبانيز‭ ‬‮«‬حريصة‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬المشاركة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬تقرير‭ ‬خاص‭ ‬قدمته‭ ‬الخبيرة‭ ‬الإيطالية‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬دفاع‭ ‬بريطانية‭ ‬مثل‭ ‬بي‭ ‬أيه‭ ‬إي‭ ‬سيستمز‭ ‬ومؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬مثل‭ ‬بنك‭ ‬باركليز‭ ‬قد‭ ‬استفادت‭ ‬ماليًا‭ ‬من‭ ‬القمع‭ ‬ومقتل‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ما‭ ‬يسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تورط‭ ‬الشركات‭ ‬والبنوك‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬معاناة‭ ‬ملايين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬مساءلة‭ ‬حكومية‭ ‬حقيقية،‭ ‬تأتي‭ ‬‮«‬محكمة‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬كمبادرة‭ ‬مدنية‭ ‬وسياسية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬كشف‭ ‬حقيقة‭ ‬الدور‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وإثارة‭ ‬نقاش‭ ‬عام‭ ‬واسع‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬احترام‭ ‬لندن‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭. ‬وبينما‭ ‬تسعى‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬إلى‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬خلّفه‭ ‬فشل‭ ‬البرلمان‭ ‬والحكومة‭ ‬في‭ ‬التحقيق‭ ‬الجاد،‭ ‬فإن‭ ‬شهادات‭ ‬الخبراء‭ ‬والضحايا‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬نحو‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬لمن‭ ‬سهّل‭ ‬أو‭ ‬تجاهل‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬وإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬السياسة‭ ‬البريطانية‭ ‬نحو‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا