العدد : ١٧٤٠٧ - الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٧ - الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

هل أمام العراق فرصة للنجاح في التغيير؟

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لا‭ ‬يجهل‭ ‬العراقيون‭ ‬أن‭ ‬عائدات‭ ‬نفطهم‭ ‬المالية‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يقرر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬منحا‭ ‬للحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغطية‭ ‬نفقاتها‭.‬

حدث‭ ‬ذلك‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬بموجب‭ ‬قرار‭ ‬أممي‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬إيداع‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬تنمية‭ ‬العراق‭ ‬لدى‭ ‬البنك‭ ‬المذكور‭. ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بأن‭ ‬العراق‭ ‬ليس‭ ‬دولة‭ ‬راشدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬ثرواتها‭ ‬بنزاهة‭ ‬وحكمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يرفضه‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬المتحمسين‭ ‬لمسألة‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يختلط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭.‬

العراق‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفارق‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬مشكلات‭ ‬الحكم،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بمن‭ ‬يحكم‭ ‬بقدر‭ ‬تعلقها‭ ‬بطريقة‭ ‬الحكم‭ ‬وآلياته،‭ ‬كانت‭ ‬المليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬قد‭ ‬أحكمت‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬دولته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يُتح‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬ملزما‭ ‬لأحد‭.‬

لقد‭ ‬اعتقد‭ ‬زعماء‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬والمليشيات‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬أنهم‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يمرروا‭ ‬دعاية‭ ‬أن‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي،‭ ‬وهو‭ ‬تجمع‭ ‬المليشيات‭ ‬الشيعية،‭ ‬صار‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬خاص‭ ‬به‭ ‬وهو‭ ‬يتبع‭ ‬تعليمات‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭ ‬خلافا‭ ‬لتلك‭ ‬التعليمات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬للحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬بأن‭ ‬تخصص‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬العراق‭ ‬لتمويل‭ ‬الحشد‭. ‬فهل‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الدعاية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬مقاربة‭ ‬واقعية؟

دعاية‭ ‬هي‭ ‬أشبه‭ ‬بالدعابة‭ ‬السوداء؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬فيها‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المصداقية‭. ‬هناك‭ ‬كذب‭ ‬كثير‭ ‬توافقت‭ ‬عليه‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كله‭ ‬لكي‭ ‬تتحمل‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬كلفة‭ ‬تمويل‭ ‬جيش‭ ‬إيراني‭ ‬لن‭ ‬تتمكن‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬خططه‭ ‬العسكرية‭ ‬وسير‭ ‬عملياته‭ ‬والأهداف‭ ‬التي‭ ‬يُراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يحققها‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬العراقيين،‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسه،‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬الحشد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ممتلكاته؛‭ ‬فالحشد‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬هو‭ ‬مؤسسة‭ ‬عسكرية‭ ‬إيرانية‭ ‬تابعة‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تنفذ‭ ‬عملياتها‭ ‬إلا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬تعليماته‭.‬

تلك‭ ‬خلفية‭ ‬لما‭ ‬شهده‭ ‬العراق‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬وما‭ ‬صار‭ ‬يتكرر‭ ‬بين‭ ‬يوم‭ ‬وآخر‭ ‬بغية‭ ‬تضليل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وإبعاده‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الهزيمة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬إيران‭. ‬أولا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬حين‭ ‬انكسر‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وفقد‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬هناك،‭ ‬وثانيا‭ ‬حين‭ ‬انسحبت‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬بطريقة‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬دولية،‭ ‬وثالثا‭ ‬حين‭ ‬ساندت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭.‬

قبل‭ ‬حوالي‭ ‬شهر‭ ‬تم‭ ‬قصف‭ ‬منظومات‭ ‬رادار‭ ‬في‭ ‬قاعدتين‭ ‬عسكريتين،‭ ‬في‭ ‬التاجي‭ ‬وفي‭ ‬الناصرية،‭ ‬ثم‭ ‬قُصف‭ ‬مصفاة‭ ‬بيجي،‭ ‬بعده‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬طائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬ملغومة‭ ‬لتضرب‭ ‬منشآت‭ ‬نفطية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭.‬

لو‭ ‬لم‭ ‬تقصف‭ ‬المنشآت‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شركات‭ ‬عالمية،‭ ‬بينها‭ ‬شركات‭ ‬أمريكية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تمرير‭ ‬كذبة‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬العراق‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بكل‭ ‬أجهزتها‭ ‬الاستخبارية‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬الأزمة‭ ‬الإيرانية‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يمكنها‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الرد‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬هي‭ ‬قادرة‭ ‬عليه‭ ‬واستبداله‭ ‬بتجفيف‭ ‬أموال‭ ‬التمويل‭. ‬لا‭ ‬رواتب‭ ‬لمنتسبي‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬عددهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬المبالغة‭ ‬تصل‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬منتسب‭. ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬اختبارا‭ ‬لقدرة‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬إعاشة‭ ‬أتباعها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتصدى‭ ‬له‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬متسارعة‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مفاجئا‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬سيفعله‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬وهو‭ ‬مجموعة‭ ‬مليشيات‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬بنزع‭ ‬سلاحها‭ ‬إلا‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه؟‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أفرادها‭ ‬لن‭ ‬يذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬بيوتهم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬وُهبوا‭ ‬مستحقات‭ ‬تقاعدية‭. ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬استنتاجا‭ ‬واقعيا؛‭ ‬فالمليشيات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ليست‭ ‬تنظيمات‭ ‬عقائدية‭ ‬راسخة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬إنها‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تجمعات‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬وجدوا‭ ‬في‭ ‬انتسابهم‭ ‬إليها‭ ‬مصدرا‭ ‬للرزق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعالة‭ ‬أسرهم‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬إسرائيلي‭ ‬أو‭ ‬أمريكي‭ ‬بضرب‭ ‬تلك‭ ‬المليشيات‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تلاشيها،‭ ‬أما‭ ‬زعماؤها‭ ‬فإنهم‭ ‬سيفرون‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

إن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بنزع‭ ‬سلاح‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يظل‭ ‬مصدرا‭ ‬لتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وحده‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تختف‭ ‬تلك‭ ‬المليشيات‭ ‬فإن‭ ‬العراق‭ ‬سيظل‭ ‬محروما‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬التغيير‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا