في عمل عدائي صريح ألغت الإدارة الأمريكية المتصهينة القابعة في البيت الأبيض التأشيرات الممنوحة سابقا لمسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية على رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم توافق على منح تأشيرات جديدة لمن قدم من باقي أعضاء الوفد الفلسطيني المقرر مشاركته في جلسة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر سبتمبر 2025م.
هذا العمل العدائي الفج هو بلا شك انقلاب على القانون الدولي الذي تعبت البشرية بعد حربين عالميتين وقعتا في القرن العشرين في العمل على إيجاده بديلا للدمار والقتل وسفك الدماء، وهذا الفعل الأمريكي الشائن يتناقض مع الاتفاق القائم عام 1947م بين الدولة المضيفة دولة المقر الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة حيث على المضيف منح التأشيرات للوفود المشاركة في أعمال المنظمة الدولية.
تثبت الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الحر، الدولة الأقوى عسكريا في العالم والأضعف أخلاقيا أنها الأشد عداء للشعب العربي الفلسطيني؛ حيث تضع نفسها وسلاحها البطاش وعلاقاتها الدولية الدبلوماسية والقانونية في خدمة المشروع الصهيوني الذي ورثته بعد الحرب العالمية الثانية من دول أوروبا الاستعمارية، وطورت الولايات المتحدة الأمريكية عبر سنين من الظلم والقهر لشعوبنا العربية وبالأخص الشعب العربي الفلسطيني مفهوما جديدا سوقته للعالم وهو مفهوم غير مكتوب ولا معلن وجديد في العلاقات الدولية «ستكونون قريبين مني أو بعيدين عني بقدر قربكم وبعدكم من تل أبيب»!
قلنا ونقول وسنبقى نردد أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست شريكا نزيها ولا حتى شريكا فهي صاحبة سياسة انتهاك الأعراف الدولية وقيم حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية، وهي التي مارست عبر سنوات الصراع أكثر من 50 مرة حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي ضد إدانة دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد والإبادة الجماعية والتهجير بالقوة الغاشمة!
في معرض تبرير وزارة الخارجية الأمريكية إلغاءها التأشيرات الممنوحة لمسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر ادعت أن السلطة الوطنية لم تقم بالعمل الكافي لتنقيح المناهج الدراسية الفلسطينية من مواد تحرض على الإرهاب وأنها تعمل مع محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لإدانة ومعاقبة دولة الاحتلال وأنها تسعى للحصول على اعترافات بالدولة الفلسطينية من دول العالم!
تضغط الولايات المتحدة الأمريكية عبر حربها الباطشة بكل المجالات على فلسطين أرضا وشعبا وقضية وهوية ومستقبلا على إخواننا العرب الذين ربطوا اشتراطا عملية التطبيع بينهم وبين دولة الاحتلال بقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 م وهي «حل الدولتين» التي مثلت على مدى وقت طويل الرؤية الأمريكية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، هذه الرؤية التي تفتقت عنها عقلية الإدارة الأمريكية منذ زمن الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش الابن» وتطورت لتوافق مبادرة السلام العربية التي تم إطلاقها في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002م!
تعلم الإدارة الأمريكية المتصهينة أهمية هذه الدورة للأمم المتحدة التي ستركز على حرب الإبادة وجرائم الاحتلال وستقف في وجه التهجير القسري وستكون تظاهرة عالمية داعمة ومؤيدة للحق الفلسطيني حيث ستعلن دول جديدة اعترافها بفلسطين دولة مستقلة بحدود جغرافية واضحة كما حددها القانون الدولي وقرار محكمة الجنائية الدولية الذي ثبت هذه الحدود.
«فرنسا» ستكون في طليعة الدول التي ستعترف بفلسطين كدولة ومعها أستراليا ونيوزيلندا والبرتغال والدانمارك والسويد وكندا، وكان للدبلوماسية السعودية الهادئة الراقية دور كبير في بلورة وتهيئة هذا المناخ الدولي للاعتراف بفلسطين من خلال تبني تنظيم مؤتمر حل الدولتين الذي أقيم 27-29 يوليو 2025م بالشراكة مع فرنسا في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك وشاركت فيه 16 دولة وازنة مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وهذا الثبات السعودي على موقفه تجاه فلسطين باشتراط رهن أي عملية للتطبيع بقيام الدولة الفلسطينية العتيدة لهو مثار للاحترام والتقدير من شعبنا العربي الفلسطيني.
هذا العمل الدبلوماسي والقانوني التراكمي لهو في غاية الأهمية؛ فمن قرار الأمم المتحدة 3234 لعام 1974م الذي أكد حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وقرار 67/19 لعام 2012م الذي منح فلسطين صفة دولة مراقب بالأمم المتحدة وقرار 2017 الذي أكد حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره بنفسه وقرار 174 لعام 2024م الذي أقر أن فلسطين أصبحت مؤهلة للحصول على العضوية الكاملة للأمم المتحدة وكلها كانت بمثابة لبنات في بناء طريقنا للوصول إلى حقوقنا غير القابلة للتصرف.
تمارس دولة الاحتلال والعدوان ضغوطها باستدعاء سفراء دول وتوبيخهم لرغبة دولهم في الاعتراف بفلسطين انها دولة وتمارس كل ما هو غير شرعي ولا قانوني لفرض واقع على الأرض يمنع قيام دولة فلسطينية وتمارس الإدارة الأمريكية المتصهينة إرهابها على دول تنوي الاعتراف بفلسطين دولة بفرض عقوبات عليها كما فرضت عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية!
نحن ننتظر أن تنقل الأمم المتحدة دورة انعقادها من نيويورك حيث لم تحترم الدولة المضيفة التزاماتها الدستورية والقانونية إلى «سويسرا» لتستمع للحق الفلسطيني الفاضح للاحتلال وممارساته الواضحة ونحن نشاهد أطفالنا يموتون جوعا وشبابنا يقتلون على بوابات «مؤسسة غزة الإنسانية» طمعا في كيس طحين وبعض الطعام لعائلاتهم ونسائنا وشيوخنا الذين يهيمون على وجوههم من نزوح إلى آخر!
سننتصر عليهم فنحن نسير في اتجاه مجرى التاريخ ونعلم أن العالم لا يسوده العدل، ستنتصر الأجساد الغضة والجماجم الطرية وأقفاص الصدور البارزة جوعا، وعلينا أن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست قدرا لنا ورضاها لا يهمنا، العودة إلى شعبنا هو مطلبنا وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية واجب وطني علينا وتوحيد صفوفنا غاية يجب إدراكها «شركاء في الدم شركاء في القرار والمصير».. أن الاحتلال زائل وفلسطين الحرة قادمة لا محالة.
{ كاتب فلسطيني مقيم
في مملكة البحرين

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك