العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

مستقبل التَّرجمة بين سطوة الخوارزميَّة ونداء الهويَّة الثَّقافيَّة العربيَّة

بقلم: د. ياسر أحمد جمعة {

الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬تعد‭ ‬التَّرجمة‭ ‬مجرَّد‭ ‬جسر‭ ‬لغويّ،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة،‭ ‬حيث‭ ‬تفرض‭ ‬تطبيقات‭ ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيِّ‭ ‬حضورها‭ ‬الطَّاغي‭ ‬بسرعتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬الحواجز‭ ‬الفوريَّة‭ ‬بين‭ ‬اللُّغات،‭ ‬لكنَّها‭ ‬عند‭ ‬أوَّل‭ ‬تعبير‭ ‬ثقافيّ‭ ‬أو‭ ‬طرفة‭ ‬محلِّيَّة‭ ‬تكشف‭ ‬حدودها،‭ ‬لتعيد‭ ‬المترجم‭ ‬البشريَّ‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬كصوت‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬روح‭ ‬النَّصِّ‭ ‬وحماية‭ ‬المعنى‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬حرفيَّة‭ ‬باردة،‭ ‬وهنا‭ ‬يتحدَّد‭ ‬مستقبل‭ ‬المهنة‭: ‬هل‭ ‬نعيش‭ ‬نهاية‭ ‬المترجم‭ ‬أمِّ‭ ‬ولادة‭ ‬دور‭ ‬جديد‭ ‬يعيد‭ ‬صياغة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬التِّقنيَّة‭ ‬والإبداع؟

المتابع‭ ‬لما‭ ‬ينشر‭ ‬في‭ ‬الدَّوريَّات‭ ‬العلميَّة‭ ‬العالميَّة‭ ‬يلحظ‭ ‬أنَّ‭ ‬التَّرجمة‭ ‬بالذَّكاء‭ ‬الاصطناعيِّ‭ ‬أصبحت‭ ‬حديث‭ ‬السَّاعة‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬محرِّكات‭ ‬بسيطة‭ ‬كما‭ ‬عرفناها‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬بل‭ ‬تطوَّرت‭ ‬النَّماذج‭ ‬اللُّغويَّة‭ ‬حتَّى‭ ‬صارت‭ ‬قادرةً‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬نصوص‭ ‬دقيقة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬علميَّة‭ ‬وتقنيَّة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يظلّ‭ ‬الخطر‭ ‬كامنًا‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الثَّقافيِّ‭ ‬والدَّلاليِّ‭ ‬للنُّصوص،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الآلة‭ ‬عاجزةً‭ ‬عن‭ ‬التقاط‭ ‬الإيحاءات‭ ‬والسِّياقات‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬والسِّياسيَّة‭ ‬الدَّقيقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الَّذي‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬أهمِّيَّة‭ ‬المترجم‭ ‬البشرى‭ ‬كضامن‭ ‬لمعنى‭ ‬النَّصِّ‭ ‬وروحه‭.‬

الصِّيغة‭ ‬الَّتي‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬هي‭ ‬الدَّمج‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة‭. ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيُّ‭ ‬يكتب‭ ‬المسوَّدة‭ ‬الأولى،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يعيد‭ ‬المترجم‭ ‬صياغتها‭ ‬وضبطها‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬السِّياق‭ ‬الثَّقافيِّ‭ ‬واللُّغويِّ‭. ‬هذا‭ ‬النَّموذج‭ ‬المعروف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬التَّحرير‮»‬‭ ‬أصبح‭ ‬الاتِّجاه‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعًا‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬النَّشر‭ ‬والمواقع‭ ‬الكبرى‭. ‬ورغم‭ ‬أنَّه‭ ‬يوفِّر‭ ‬السُّرعة‭ ‬ويخفِّض‭ ‬التَّكاليف،‭ ‬فإنَّه‭ ‬يثير‭ ‬مخاوف‭ ‬مشروعةً‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬مكانة‭ ‬المترجم‭ ‬وتحوُّله‭ ‬إلى‭ ‬مدقِّق‭ ‬لغويّ‭ ‬فقط‭.‬

من‭ ‬اللَّافت‭ ‬أنَّ‭ ‬المؤسَّسات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربيِّ‭ ‬بدأت‭ ‬تعتمد‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬لتقليل‭ ‬التَّكلفة‭ ‬وتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬العمل‭. ‬دور‭ ‬النَّشر‭ ‬العالميَّة‭ ‬تستعين‭ ‬بالتَّرجمة‭ ‬الآليَّة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى،‭ ‬ثمَّ‭ ‬تسند‭ ‬المراجعة‭ ‬إلى‭ ‬مترجمين‭ ‬متخصِّصين‭. ‬هذه‭ ‬الظَّاهرة‭ ‬انتقلت‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬المجال‭ ‬الأكاديميِّ،‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬بعض‭ ‬الطُّلَّاب‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيِّ‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬ملخَّصاتهم‭ ‬أو‭ ‬ترجمة‭ ‬مراجعهم‭. ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬خطورةً‭ ‬حقيقيَّةً‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬الَّذين‭ ‬قد‭ ‬يفقدون‭ ‬مهارة‭ ‬التَّرجمة‭ ‬النَّقديَّة‭ ‬والتَّحليليَّة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استسلموا‭ ‬تمامًا‭ ‬للآلة‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬تتَّسع‭ ‬التَّرجمة‭ ‬اليوم‭ ‬لتشمل‭ ‬وسائط‭ ‬متعدِّدةً‭. ‬الأفلام‭ ‬والمسلسلات‭ ‬والألعاب‭ ‬الإلكترونيَّة‭ ‬صارت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الدَّبلجة‭ ‬والتَّرجمة‭ ‬النَّصِّيَّة‭ ‬والتَّعليق‭ ‬الصَّوتيِّ‭. ‬المنصَّات‭ ‬الرَّقميَّة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬نتفليكس‮»‬‭ ‬و‮«‬يوتيوب‮»‬‭ ‬خلقت‭ ‬سوقًا‭ ‬ضخمةً‭ ‬جعلت‭ ‬الجمهور‭ ‬أكثر‭ ‬وعيًا‭ ‬بجودة‭ ‬التَّرجمة‭ ‬وأكثر‭ ‬حساسية‭ ‬لأيِّ‭ ‬خطأ‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬المشاهد‭ ‬يتسامح‭ ‬مع‭ ‬نصوص‭ ‬رديئة،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬ينتقدها‭ ‬علنًا‭ ‬على‭ ‬منصَّات‭ ‬التَّواصل،‭ ‬الأمر‭ ‬الَّذي‭ ‬يضع‭ ‬المترجمين‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬إضافيّ‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬سمعة‭ ‬العمل‭ ‬ومصداقيَّته‭.‬

في‭ ‬العالم‭ ‬العربيِّ،‭ ‬تبدو‭ ‬الصُّورة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التَّرجمة‭ ‬كجسر‭ ‬للمعرفة‭ ‬ونقل‭ ‬العلوم،‭ ‬لكنَّنا‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬صناعة‭ ‬ترجمة‭ ‬مؤسَّسيَّة‭ ‬قويَّة‭. ‬دخول‭ ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيِّ‭ ‬قد‭ ‬يشكِّل‭ ‬فرصةً‭ ‬تاريخيَّةً‭ ‬لتسريع‭ ‬نقل‭ ‬المعرفة‭ ‬إذا‭ ‬أحسنَّا‭ ‬استثماره‭. ‬لكنَّه‭ ‬قد‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬إذا‭ ‬اعتمدنا‭ ‬عليه‭ ‬بلا‭ ‬ضوابط،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أنَّ‭ ‬اللُّغة‭ ‬العربيَّة‭ ‬تحمل‭ ‬خصوصيَّات‭ ‬دلاليَّةً‭ ‬وبلاغيَّةً‭ ‬تجعلها‭ ‬عرضةً‭ ‬للتَّشويه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ترك‭ ‬الأمر‭ ‬للآلة‭ ‬وحدها‭.‬

الأكثر‭ ‬إثارةً‭ ‬للجدل‭ ‬هو‭ ‬دخول‭ ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيِّ‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬الأدب‭. ‬بعض‭ ‬الشَّركات‭ ‬تروِّج‭ ‬اليوم‭ ‬لخدمات‭ ‬ترجمة‭ ‬شعريَّة‭ ‬وروائيَّة‭ ‬إليه‭ ‬تعد‭ ‬بالسُّرعة‭ ‬وانخفاض‭ ‬التَّكلفة،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتكشَّف‭ ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬ملامسة‭ ‬جوهر‭ ‬النُّصوص،‭ ‬فالأدب‭ ‬ليس‭ ‬معادلةً‭ ‬حسابيَّةً‭ ‬بل‭ ‬تجربةً‭ ‬إنسانيَّةً‭ ‬تحمل‭ ‬إيقاعًا‭ ‬داخليًّا‭ ‬وذاكرة‭ ‬جماعيَّة‭ ‬وحسًّا‭ ‬فنِّيًّا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقليده،‭ ‬ولهذا‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬الخوارزميَّات‭ ‬أن‭ ‬تلتقط‭ ‬التَّوتُّر‭ ‬بين‭ ‬الحلم‭ ‬والفقد‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الشَّاعر‭ ‬الفلسطينيِّ‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أنَّ‭ ‬السُّخرية‭ ‬عند‭ ‬الأديب‭ ‬المصريِّ‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬وسيلةً‭ ‬لفضح‭ ‬القهر‭ ‬الاجتماعيِّ،‭ ‬كما‭ ‬تبدو‭ ‬الفجوة‭ ‬أوضح‭ ‬حين‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬التَّجربة‭ ‬البحرينيَّة‭ ‬حيث‭ ‬يكتب‭ ‬الأديب‭ ‬البحرينيُّ‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬بأسلوب‭ ‬تجريبيّ‭ ‬يمزج‭ ‬الحلم‭ ‬بالواقع‭ ‬ويصوغ‭ ‬الشَّاعر‭ ‬البحرينيُّ‭ ‬قاسم‭ ‬حداد‭ ‬شعرًا‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬الرَّمز‭ ‬والموسيقى‭ ‬الدَّاخليَّة،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لآلة‭ ‬أنَّ‭ ‬تنقُّل‭ ‬هذا‭ ‬التَّدفُّق‭ ‬الشُّعوريِّ‭ ‬أو‭ ‬تحفُّظ‭ ‬الإيقاع‭ ‬الخفيِّ؟‭ ‬المسألة‭ ‬إذن‭ ‬ليست‭ ‬مجرَّد‭ ‬دقَّة‭ ‬لغويَّة،‭ ‬بل‭ ‬قدرةً‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬جسر‭ ‬للرُّوح‭ ‬قبل‭ ‬الكلمات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المترجم‭ ‬البشريُّ‭ ‬بخبرته‭ ‬وحساسيته‭ ‬الثَّقافيَّة‭ ‬عنصرًا‭ ‬لا‭ ‬غنًى‭ ‬عنه،‭ ‬حتَّى‭ ‬وإن‭ ‬استعان‭ ‬بالتِّقنيَّات‭ ‬الذَّكيَّة‭ ‬كأدوات‭ ‬مساعدة‭ ‬لا‭ ‬بدائل‭.‬

الرَّأي‭ ‬الَّذي‭ ‬أميل‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬ليست‭ ‬إعلان‭ ‬وفاة‭ ‬للمترجم‭ ‬البشرى،‭ ‬بل‭ ‬دعوةً‭ ‬لإعادة‭ ‬تعريف‭ ‬دوره‭. ‬المترجم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرَّد‭ ‬ناقل‭ ‬كلمات،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬وسيطًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬ومراجعًا‭ ‬دلاليًّا‭ ‬ومحرِّرًا‭ ‬للنُّصوص‭ ‬الآليَّة‭. ‬التَّحدِّي‭ ‬الأكبر‭ ‬أمام‭ ‬كلِّيَّات‭ ‬التَّرجمة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تدمج‭ ‬التَّدريب‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيِّ‭ ‬ضمن‭ ‬مناهجها،‭ ‬حتَّى‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬الخرِّيج‭ ‬نفسه‭ ‬خارج‭ ‬اللُّعبة‭. ‬أمَّا‭ ‬الجامعات‭ ‬العربيَّة‭ ‬الَّتي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تدرس‭ ‬التَّرجمة‭ ‬بالطَّريقة‭ ‬التَّقليديَّة،‭ ‬فهي‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬اتِّساع‭ ‬الفجوة‭ ‬مع‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

التَّرجمة‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬رسالة‭ ‬حضاريَّة‭. ‬الذَّكاء‭ ‬الاصطناعيُّ‭ ‬ليس‭ ‬قدرًا‭ ‬محتومًا،‭ ‬بل‭ ‬أداةً‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬قوَّة‭ ‬داعمة‭ ‬للهويَّة‭ ‬الثَّقافيَّة‭ ‬العربيَّة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وجَّه‭ ‬بوعي‭ ‬واستراتيجيَّة،‭ ‬أو‭ ‬تهديدًا‭ ‬لها‭ ‬إذا‭ ‬ترك‭ ‬بلا‭ ‬ضابط‭. ‬المهمَّ‭ ‬ألَّا‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬فخِّ‭ ‬الإبهار،‭ ‬وألَّا‭ ‬نسلِّم‭ ‬مستقبلنا‭ ‬الثَّقافيُّ‭ ‬لآلة‭ ‬مهمًّا‭ ‬تعاظمت‭ ‬سطوتها‭. ‬فاللُّغة‭ ‬كائن‭ ‬حيّ،‭ ‬والثَّقافة‭ ‬شبكةً‭ ‬معقَّدةً‭ ‬من‭ ‬الرُّموز،‭ ‬وهذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬إلَّا‭ ‬الإنسان‭. ‬أمَّا‭ ‬الآلة‭ ‬فستظلُّ‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬عين‭ ‬بشريَّة‭ ‬تقرأ‭ ‬وتمحِّص‭ ‬وتعيد‭ ‬صياغة‭ ‬المعنى‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬روح‭ ‬النَّصِّ‭.‬

إنَّ‭ ‬الرِّهان‭ ‬الحقيقيَّ‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬التِّقنيَّة‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬التَّسليم‭ ‬لها‭ ‬بالكامل،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬علاقة‭ ‬صحِّيَّة‭ ‬معها‭. ‬علاقة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬المترجم‭ ‬شريكًا‭ ‬للآلة‭ ‬لا‭ ‬تابعًا‭ ‬لها،‭ ‬ومن‭ ‬الجامعات‭ ‬مراكز‭ ‬لإنتاج‭ ‬معرفة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬لا‭ ‬مجرَّد‭ ‬قاعات‭ ‬لتلقين‭ ‬نظريَّات‭ ‬قديمة‭. ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنَّنا‭ ‬دخلنا‭ ‬عصر‭ ‬التَّرجمة‭ ‬الذَّكيَّة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نفقد‭ ‬إنسانيَّتنا‭ ‬ولا‭ ‬هويَّتنا‭ ‬الثَّقافيَّة‭ ‬العربيَّة‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬اللُّغويَّات‭ ‬والتَّرجمة‭ ‬‭ ‬زميل‭ ‬أكاديميَّة‭ ‬التَّعليم‭ ‬العالي‭ ‬البريطانيَّة‭ ‬المتقدِّمة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا