العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

إيران «والترويكا الأوروبية».. من المسار الدبلوماسي إلى سلاح العقوبات

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

شاركت‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالترويكا‭ ‬الأوروبية،‭ ‬في‭ ‬توقيع‭ ‬خطة‭ ‬العمل‭ ‬الشاملة‭ ‬المشتركة‭ ‬لعام‭ ‬2015،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬نفسها‭ ‬مهمشة‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬خلال‭ ‬المحاولات‭ ‬المتعددة‭ ‬لإحياء‭ ‬المسار‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬عقب‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬الأحادي‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬كتب‭ ‬الباحث‭ ‬مارك‭ ‬مارتوريل‭ ‬جونينت،‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬ستيمسون،‭ ‬أن‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬لعبوا‭ ‬‮«‬دورًا‭ ‬ثانويًا‭ ‬للغاية‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬جهود‭ ‬إدارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬السابقة‭ ‬لإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬الاتفاق‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الأوروبي‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬كثيرًا‭ ‬مع‭ ‬استئناف‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬مفاوضاتها‭ ‬في‭ ‬ربيع‭ ‬2025،‭ ‬إذ‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محدودًا‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبًا‭ ‬غياب‭ ‬لندن‭ ‬وباريس‭ ‬وبرلين‭ ‬عن‭ ‬التخطيط‭ ‬للحملة‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المشتركة‭ ‬ضد‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو‭.‬

ورغم‭ ‬هذا‭ ‬التهميش،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬النفوذ‭ ‬الأوروبي‭ ‬قائمًا‭ ‬بفضل‭ ‬عضوية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكون‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية‭ ‬أطرافًا‭ ‬موقعة‭ ‬على‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬أتاح‭ ‬لها‭ ‬تفعيل‭ ‬آلية‭ ‬العقوبات‭ ‬السريعة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـالعقوبات‭ ‬الارتدادية‭ ‬‮«‬سناب‭ ‬باك‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬امتثال‭ ‬إيران‭ ‬لشروط‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬لعام‭ ‬2015‭. ‬ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬المهلة‭ ‬التي‭ ‬حددتها‭ ‬الترويكا‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025،‭ ‬بدأت‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬بالفعل‭ ‬باتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬فعلية‭ ‬لإعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬هذه‭ ‬الآلية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مفروضة‭ ‬قبل‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاق‭. ‬

وفي‭ ‬يوليو،‭ ‬دعت‭ ‬إيلي‭ ‬جيرانمايه،‭ ‬بالمجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية‭ ‬لآلية‭ ‬‮«‬كبح‭ ‬الزناد‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ«سناب‭ ‬باك‮»‬،‭ ‬باعتبارها‭ ‬وسيلة‭ ‬لـ«تهيئة‭ ‬الظروف‭ ‬لحل‭ ‬دبلوماسي‮»‬‭. ‬بالمقابل،‭ ‬حذر‭ ‬باتريك‭ ‬وينتور‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬قد‭ ‬‮«‬تشعل‭ ‬أسوأ‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والغرب‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬يونيو‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬رأت‭ ‬تريتا‭ ‬بارسي،‭ ‬بمعهد‭ ‬كوينسي‭ ‬للحكم‭ ‬الرشيد،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬الأوروبية‭ ‬جعلت‭ ‬احتمال‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬واقعية‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬‮«‬غطاء‭ ‬سياسي‭ ‬مبرر‮»‬‭ ‬لحكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرفة،‭ ‬يمنحها‭ ‬‮«‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬الشرعية‮»‬‭ ‬لشن‭ ‬هجمات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬المنشآت‭ ‬الإيرانية‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬وافقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الثلاث‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬النووية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬لكن‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬شهد‭ ‬تسارعًا‭ ‬لافتًا‭ ‬منذ‭ ‬انسحاب‭ ‬ترامب‭. ‬وبحسب‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬تملك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬كيلوجرام‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المخصب‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬60%،‭ ‬بزيادة‭ ‬تتجاوز‭ ‬133‭ ‬كيلوجرامًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بتقرير‭ ‬فبراير،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬الحد‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬البالغ‭ ‬3‭.‬67%‭.‬

وعقب‭ ‬الحملة‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بين‭ ‬13‭ ‬و24‭ ‬يونيو،‭ ‬أفادت‭ ‬فاينانشال‭ ‬تايمز‭ ‬بأن‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬مستعدة‭ ‬لتمديد‮»‬‭ ‬المهلة‭ ‬النهائية‭ ‬لإعادة‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات،‭ ‬بشرط‭ ‬امتثال‭ ‬طهران‭ ‬لشروط‭ ‬محددة‭. ‬وأكدت‭ ‬الجارديان‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬شملت‭: ‬إعادة‭ ‬استقبال‭ ‬مفتشي‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬نحو‭ ‬400‭ ‬كيلوجرام‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم‭ ‬عالي‭ ‬التخصيب‭ ‬الذي‭ ‬فُقد‭ ‬أثره‭ ‬بعد‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬يونيو‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬فشل‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬بين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬أخطرت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رسميًا،‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬أغسطس‭ ‬2025،‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تلتزم‭ ‬بالاتفاق،‭ ‬ما‭ ‬فعّل‭ ‬آليًا‭ ‬مهلة‭ ‬مدتها‭ ‬30‭ ‬يومًا‭ ‬قد‭ ‬تُفضي‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭ ‬جديد،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬احتمالية‭ ‬تمريره‭ ‬ضعيفة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬إعادة‭ ‬تلقائية‭ ‬للعقوبات‭ ‬بانتهاء‭ ‬المهلة‭.‬

وأوضحت‭ ‬ستيفاني‭ ‬ليختشتاينر‭ ‬من‭ ‬الإندبندنت‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية‭ ‬يعود‭ ‬لسببين‭ ‬رئيسيين‭: ‬أولًا،‭ ‬اقتراب‭ ‬18‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025،‭ ‬الموعد‭ ‬الذي‭ ‬بعده‭ ‬يمكن‭ ‬لروسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين‭ ‬استخدام‭ ‬الفيتو‭ ‬لمنع‭ ‬إعادة‭ ‬العقوبات؛‭ ‬وثانيًا،‭ ‬سعي‭ ‬أوروبا‭ ‬لتفعيل‭ ‬آلية‭ ‬‮«‬سناب‭ ‬باك‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬تولي‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬رئاسة‭ ‬المجلس،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬الرئاسة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬سبتمبر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتيح‭ ‬لموسكو‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬تكتيكات‭ ‬مماطلة‭ ‬إجرائية‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬انتهاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬فعليًا‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬تؤثر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الترويكا‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬حرمها‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬‮«‬سناب‭ ‬باك‮»‬‭ ‬قانونيًا،‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاق‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬صفر‭ ‬تخصيب‮»‬‭ ‬لإيران‭ ‬غيّر‭ ‬المشهد‭. ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬2025،‭ ‬أبلغ‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬نظيرهم‭ ‬الأمريكي‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو‭ ‬نيتهم‭ ‬تفعيل‭ ‬الآلية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬أغسطس‭.‬

ونقل‭ ‬باراك‭ ‬رافيد‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬أكسيوس‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬لعرقلة‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭. ‬ووفق‭ ‬تحليل‭ ‬بارسي،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬مثل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وغزة،‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬أهم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬لتأجيل‭ ‬العقوبات‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬العقوبات‭ ‬الارتدادية‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬المحتمل‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬أفادت‭ ‬كارين‭ ‬دي‭ ‬يونغ،‭ ‬بواشنطن‭ ‬بوست،‭ ‬بأن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يعتزم‭ ‬إصدار‭ ‬أمر‭ ‬جديد‭ ‬لإيران‭ ‬يطالبها‭ ‬بوقف‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتقييد‭ ‬تطوير‭ ‬برنامج‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تجميد‭ ‬أصول‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬السفر‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬أشارت‭ ‬بارسي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬‮«‬الهش‭ ‬أصلاً‮»‬‭ ‬مرشح‭ ‬للتدهور‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬نتيجة‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات،‭ ‬التي‭ ‬ستلقي‭ ‬بظلال‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬علاقاته‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬وصف‭ ‬علي‭ ‬فايز،‭ ‬بمجموعة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية،‭ ‬مطالب‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬مهمة‭ ‬شاقة‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التوتر‭ ‬المتصاعد‭ ‬بين‭ ‬طهران‭ ‬والوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية،‭ ‬وغياب‭ ‬الثقة‭ ‬المتبادلة،‭ ‬يفاقمان‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬الاستجابة‭ ‬لهذه‭ ‬المطالب‭. ‬كما‭ ‬حذّر‭ ‬فايز‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الامتثال‭ ‬الكامل‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬وضع‭ ‬قدرة‭ ‬إيران‭ ‬النووية‭ ‬المتبقية‭ ‬تحت‭ ‬التهديد‭ ‬المباشر‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فقدان‭ ‬طهران‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬النفوذ‭ ‬المستمد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الغموض‭ ‬النووي‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬فقط‭ ‬مقابل‭ ‬وقف‭ ‬مؤقت‭ ‬للعقوبات‭ ‬الارتدادية‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬إعلان‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية‭ ‬نيتها‭ ‬تفعيل‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع،‭ ‬أشار‭ ‬وينتور‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬شرعت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬لتدابير‭ ‬مضادة‭. ‬ووفقًا‭ ‬لـ«ليختشتاينر‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬تهديد‭ ‬طهران‭ ‬المحتمل‭ ‬بـ«الانسحاب‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬عدم‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬متصل،‭ ‬لفتت‭ ‬جيرانمايه،‭ ‬بالمجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مصداقية‭ ‬المعاهدة‭ ‬قد‭ ‬تضررت‭ ‬بشدة‭ ‬عقب‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية‭ ‬على‭ ‬منشآت‭ ‬نووية‭ ‬إيرانية‭ ‬كانت‭ ‬خاضعة‭ ‬لإشراف‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬طهران‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬تعاونها‭ ‬مع‭ ‬الوكالة،‭ ‬متهمة‭ ‬إياها‭ ‬بتسريب‭ ‬معلومات‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الهجمات‭.‬

وفي‭ ‬ذات‭ ‬السياق،‭ ‬أوضحت‭ ‬داريا‭ ‬دولزيكوفا،‭ ‬بالمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أن‭ ‬البرلمان‭ ‬الإيراني‭ ‬أقرّ‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬تشريعًا‭ ‬جديدًا‭ ‬يشترط‭ ‬استئناف‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تقديم‭ ‬‮«‬ضمانات‭ ‬لسيادة‭ ‬إيران‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حماية‭ ‬منشآتها‭ ‬النووية‭ ‬وعلمائها‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬مضت‭ ‬إيران‭ ‬نحو‭ ‬تفعيل‭ ‬المادة‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬عدم‭ ‬الانتشار،‭ ‬حذّر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مارك‭ ‬جودمان،‭ ‬الزميل‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬جيمس‭ ‬مارتن،‭ ‬ومارك‭ ‬فيتزباتريك،‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬‮«‬ردود‭ ‬جماعية‭ ‬فعالة‮»‬،‭ ‬باستثناء‭ ‬‮«‬نداءات‭ ‬غير‭ ‬مُجدية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تصدر‭ ‬بالأساس‭ ‬عن‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية‭.‬

ومع‭ ‬تفعيل‭ ‬‮«‬آلية‭ ‬الإعادة‭ ‬القسرية‮»‬،‭ ‬أورد‭ ‬وينتور‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الترويكا‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الإخطار‭ ‬الرسمي‭ ‬لمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تنازلات‭ ‬إيرانية‭ ‬واستئناف‭ ‬القنوات‭ ‬الدبلوماسية‮»‬‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المطالب‭ ‬الأوروبية‭ ‬تظل‭ ‬متمسكة‭ ‬بثلاثة‭ ‬شروط‭ ‬رئيسية‭: ‬السماح‭ ‬الكامل‭ ‬لمفتشي‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬المواقع‭ ‬النووية،‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬مخزون‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المخصب،‭ ‬واستئناف‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وقد‭ ‬وصفها‭ ‬فايز‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬ثلاثة‭ ‬خيوط‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬العقدة‮»‬،‭ ‬مشددًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬أي‭ ‬منها‭ ‬يتطلب‭ ‬توافقًا‭ ‬على‭ ‬جميعها‭.‬

ورغم‭ ‬إعلان‭ ‬رافائيل‭ ‬غروسي،‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية،‭ ‬خلال‭ ‬اجتماعات‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو‭ ‬وكبير‭ ‬مفاوضي‭ ‬ترامب‭ ‬ستيف‭ ‬ويتكوف،‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تزال‭ ‬منفتحة‮»‬‭ ‬على‭ ‬المحادثات‭ ‬إذا‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة،‭ ‬أكدت‭ ‬كارين‭ ‬دي‭ ‬يونغ‭ ‬أن‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لم‭ ‬يُبدِ‭ ‬أي‭ ‬رغبة‭ ‬لاحقًا‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬جولات‭ ‬تفاوض‭ ‬سبقت‭ ‬الغارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬موقف‭ ‬الترويكا‭ ‬الأوروبية،‭ ‬صرح‭ ‬الدكتور‭ ‬حميد‭ ‬رضا‭ ‬عزيزي،‭ ‬بالمعهد‭ ‬الألماني‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬والأمنية،‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬تشترط‭ ‬‮«‬شفافية‭ ‬كاملة‮»‬‭ ‬من‭ ‬طهران‭ ‬حول‭ ‬مواقعها‭ ‬النووية،‭ ‬باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬شرطًا‭ ‬لبحث‭ ‬تمديد‭ ‬المهلة‭ ‬قبل‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭.‬

كما‭ ‬حذّرت‭ ‬بارسي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يُتوقع‭ ‬فيه‭ ‬الفشل‭ ‬‮«‬يُمهّد‭ ‬لهجمات‭ ‬عسكرية‮»‬،‭ ‬لافتًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إدراج‭ ‬مطلب‭ ‬وقف‭ ‬التخصيب‭ ‬ضمن‭ ‬قرار‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يعني‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬بند‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيمنح‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬غطاءً‭ ‬قانونيًا‭ ‬لأي‭ ‬تصعيد‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬تساءل‭ ‬عزيزي‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬احتمالية‭ ‬شن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هجومًا‭ ‬جديدًا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬إيران‭ ‬للتخصيب‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬أو‭ ‬ظهرت‭ ‬بوادر‭ ‬تسلّح‭.‬

ختامًا،‭ ‬رأت‭ ‬جيرانمايه‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬الجمود‭ ‬سيمنح‭ ‬إسرائيل‭ ‬ورقة‭ ‬جديدة‭ ‬لإقناع‭ ‬ترامب‭ ‬بتصعيد‭ ‬الهجمات،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬منشآت‭ ‬سرية‭ ‬ومحصّنة‭ ‬خارج‭ ‬رقابة‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭. ‬أما‭ ‬فايز،‭ ‬فرجّح‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الارتدادية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تفضي‭ ‬لاختراق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬حقيقي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتوقع‭ ‬بارسي‭ ‬أن‭ ‬تتجه‭ ‬الأمور‭ ‬نحو‭ ‬تصعيد‭ ‬جديد‭ ‬يتمثل‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا