عقب أقل من شهر على وصوله إلى البيت الأبيض في فبراير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزم بلاده السيطرة على غزة، ثم إعادة بنائها لتصبح «ريفييرا الشرق الأوسط»، وهو المخطط الذي قوبل بالسخرية، ليس لكونه انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، بل أيضًا لسخافته. وزاد من السخرية فيديو غريب بتقنية الذكاء الاصطناعي، شاركه ترامب عبر الإنترنت في مارس، الذي أظهر المنطقة تسودها الفنادق والمنتجعات، وهو فيديو ادعى مصممه أن هدفه السخرية من «فكرة ترامب الجامحة».
وبعد عدة أشهر، ومع فرض المجاعة على الشعب الفلسطيني في غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبدء تحالف بنيامين نتنياهو المتطرف في عملية غزو أخرى بهدف مصادرة كامل أراضي المنطقة، سجل بول نوكي من صحيفة «التليغراف»: كيف بات جليًا، أن تلك الرؤية ليست «مجرد حلم ترامبي».
ويجري الترويج في واشنطن لإضفاء الطابع الرسمي على هذا المخطط للسيطرة الكاملة على غزة، كما يتضح مما وصفه ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، بأنه «اجتماع كبير» سيعقد في البيت الأبيض في 27 أغسطس 2025. ومن بين الحضور إلى جانب شركاء ترامب المعتادين في التجاهل المتعمد للقانون الدولي وحقوق الإنسان، أثار حضور توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي رأت إيفانا كوتاسوفا، من شبكة «سي إن إن» كيف أثار وجوده بالاجتماع «الدهشة».
ونظراً إلى قيادة بلير بلاده إلى غزو العراق عام 2003، الذي كان غير قانوني بموجب القانون الدولي، فضلاً عن فترة ولايته اللاحقة غير الناجحة كمبعوث بريطاني إلى الشرق الأوسط، فقد أثار أكاديميون مثل شبلي تلحمي من جامعة ماريلاند كيف أن مشاركته في المناقشات بالبيت الأبيض تقلل بشكل واضح من مصداقيتهم، ومع ذلك فإن تورط بلير (72 عامًا) في مخطط يمكن أن يزيل الملايين من الفلسطينيين قسراً من أراضيهم، ويدمر إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل؛ لا ينبغي أن يكون مفاجئاً للغاية نظراً ليس فقط إلى علاقاته الوثيقة بالحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكن أيضاً إلى حقيقة أن «معهد توني بلير للتغيير العالمي» الخاص به قد كشفته وسائل الإعلام في يوليو الماضي، الذي شارك بالفعل في مشروع إلى جانب رجال أعمال إسرائيليين للاستيلاء على غزة وإعادة تطويرها على غرار نموذج مماثل للنموذج الذي سبق واقترحه ترامب في وقت سابق من العام الجاري.
بدأ بلير بتقييم تعليقاته الخاصة تجاه الدمار الشامل الذي سببته إسرائيل لقطاع غزة، وبعد إبداء أسفه لاستحالة تحقيق السلام عن أي وقت مضى، وبعد أن أقر في سبتمبر 2024 بأن «الحل الوحيد الذي ينهي الصراع نهائياً هو تقرير المصير للشعب الفلسطيني»؛ تحدث بعد شهر عن كيفية حكم غزة ليس من قبل إسرائيل أو الفلسطينيين، بل من قبل طرف ثالث لم يسمه، ويمكنه «بدء عملية إعادة الإعمار».
على الرغم من حديث كوتاسوفا، أن «الأنشطة الرسمية» لبلير بالشرق الأوسط كانت «محصورة في الغالب بالمشاريع التجارية الخاصة مع ظهور إعلامي متقطع» منذ تنحيه عن منصبه كمبعوث المملكة المتحدة إلى المنطقة في عام 2015، فإن التخطيط لمخطط ترامب «ريفييرا» لغزة، قد صيغ بمساعدة «معهد توني بلير للتغيير العالمي». في يوليو 2025 أفاد ستيفن فولي وجيم بيكارد من صحيفة «فاينانشال تايمز» بكيف تعاون هذا المعهد، ومقره لندن، مع رجال أعمال إسرائيليين ومجموعة بوسطن الاستشارية، لإعادة «تصور غزة كمركز تجاري مزدهر»؛ حيث سيتم إجبار نصف مليون فلسطيني على «مغادرة المنطقة»، واستبدالهم بجذب «مستثمرين من القطاع الخاص». وأضافا بخروج وثيقة عن معهد توني بلير تزعم أن الدمار الناجم عن قنابل الجيش الإسرائيلي قد «خلق فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في القرن لإعادة بناء غزة».
وفيما يتعلق بظهور بلير بالبيت الأبيض في 27 أغسطس، وفقًا لباراك رافيد ومارك كابوتو، من موقع «أكسيوس»، بالإضافة إلى دراسة «كيفية زيادة تدفقات المساعدات إلى غزة» -وفقًا لتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي أعلن أن مجاعة «من صنع الإنسان»، حيث يواجه أكثر من 640.000 شخص مستويات «كارثية» من انعدام الأمن الغذائي، ويعاني 1.14 مليون شخص إضافي «حالة طوارئ» غذائية- ناقش رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وأقرب مستشاري ترامب أيضًا بشكل متوقع «أفكارًا حول كيفية حكم غزة مع استبعاد حماس من السلطة».
وفي تقييمه لدواعي وجود بلير في هذا الاجتماع، اقترح تلحمي أنه قد يكون محاولة «لإعطاء انطباع بتوسيع مجموعة مستشاري ترامب»، وكذلك لجذب المانحين الأثرياء لدعم مخططهم لإعادة بناء غزة، على الرغم من إشارته إلى أن إرث بلير وخاصة دوره في غزو العراق الذي «قوض سمعته» سيقلل من مصداقية أي خطة دوليًا.
ويتزامن حضور بلير هذا الاجتماع في واشنطن وسمعته الملوثة مع حضور جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره السابق لشؤون الشرق الأوسط، الذي سلطت شبكة «سي ان ان» الضوء على كونه «أحد أبرز مؤيدي» خطة تحويل غزة إلى نموذج مشروع عقاري أمريكي. وزعم كوشنر في وقت مبكر من مارس 2024 إمكانية بناء عقارات «قيّمة للغاية» على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولكن على الجيش الإسرائيلي «تنظيفها» أولاً، وهو الأمر الذي يُشير إلى أنه سيتضمن الترحيل القسري للفلسطينيين إلى صحراء النقب، ومن ثم تأييدًا متحمسًا للتطهير العرقي.
وعلى النقيض من وجود هاتين الشخصيتين سيئتي الذكر، أثار تلحمي كيفية «غياب تمثيل عربي ذي وزن ثقيل باللقاء» في واشنطن، على الرغم من كونهم «الأشد تأثرًا بأي نتيجة في غزة»، فضلًا عن توقع تحمل الحكومات العربية الغنية «القدر الأكبر من فاتورة» إعادة الإعمار التي ستستغرق سنوات.
وعلى الرغم من أنه، كما أبرزت صحيفة «الغارديان»، «لم يتم الكشف عن أي تفاصيل حول المقترحات قيد المناقشة» بين ترامب وكوشنر وبلير؛ فإن ويتكوف ادعى في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» أن الحرب في غزة يمكن أن تنتهي في غضون الأشهر الأربعة المقبلة، وأن الحكومة الأمريكية «بطريقة أو بأخرى»، «ستقوم بتسوية هذا الأمر... قبل نهاية هذا العام». ومضى يردد، بشكل غير مقنع، أن خطة البيت الأبيض ليست «قوية» و«حسنة النية» فحسب، بل «تعكس الدوافع الإنسانية للرئيس ترامب». وبالنظر إلى تحفظ الحكومة الأمريكية في تقديم أي معلومات ملموسة، ربما يكون من الأوضح كيف أن جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي -الذي التقى نظيره الأمريكي ماركو روبيو في نفس يوم مداولات بلير وكوشنر مع ترامب- اصر على أن واشنطن وإسرائيل متفقتان على منع أي دولة فلسطينية مستقبلية.
وبصفته رئيس وزراء بريطاني أسبق يقدم المشورة للرئيس الأمريكي، فإن تورط بلير لا يقوض قضية تقرير المصير الفلسطينية فحسب، بل يعرقل أيضًا الجهود المتأخرة للحكومات الغربية لإقناع إدارة ترامب على تغيير دعمها الكامل لحملة جرائم الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك الإبادة الجماعية. ومع تسجيل كوتاسوفا كيف كان بلير، خلال فترة عمله كمبعوث للشرق الأوسط لما يسمى «الرباعية الدولية»، «على وشك إعلانه شخصًا غير مرغوب فيه» من قبل السلطة الفلسطينية بسبب «تحيزه تجاه إسرائيل»، بالنظر إلى ما أورده «أكسيوس» من أن ويتكوف «كان يناقش خطة ما بعد الحرب لغزة مع كوشنر وبلير» منذ «عدة أشهر»، وحقيقة «قُربه من نتنياهو ومستشاره الأقرب رون ديرمر»، والمدى الذي وصلت إليه اجتماعات بلير مع المسؤولين الأمريكيين -التي حدثت أيضًا في يوليو بالتزامن مع استقبال ترامب نتنياهو- باتت تشكل مصدر قلق خطير للبرلمانيين البريطانيين، وهو ما حدا بالسير إد ديفي، زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين المعارض، إلى مطالبة بلير بإطلاع النواب على فحوى اجتماعاته بالمسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، مؤكدًا أن بريطانيا يجب أن «تستفيد من جميع المعلومات المتاحة لنا» للضغط على ترامب وحكومته «لفعل الشيء الصحيح» في غزة.
كما أعلن ويتكوف، بصفته المفاوض الأكثر ثقة لدى ترامب، فإن البيت الأبيض يضع ما أسماه خطة «شاملة للغاية» لـ«اليوم التالي» في غزة، وبالنظر إلى الطريقة التي منع بها ائتلاف نتنياهو المتطرف تحقيق وقف إطلاق نار جديد في كل فرصة مُمكنة؛ تنحصر التوقعات في قصور المقترح الأمريكي كمجرد عريضة بكل مطالب إسرائيل، وحتى في هذه الحالة فإن احتمال رفع إسرائيل سقف مطالبها حال وافقت حماس يبقى مرتفعا للغاية أيضًا.
ومع تقديم بلير وكوشنر المشورة للرئيس الأمريكي، وبالنظر إلى سجلاتهما المذكورة أعلاه، فليس من المستغرب مُضي حكومة الولايات المتحدة قدمًا في خطط تهوي إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي بما في ذلك التطهير العرقي، وتمكينها من خلال الإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين من قبل إسرائيل. ويتجلى تعنت واشنطن في قيام دوروثي شيا، المندوب الدائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، بمهاجمة نزاهة ومصداقية «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي»، ردًا على إعلانها مجاعة في غزة جراء قيام الجيش الإسرائيلي بعرقلة تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية عمدًا، فضلًا عن استخدامها حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين هذا.
وهكذا، مع ادعاء متحدث باسم «معهد بلير للتغيير العالمي»، لشبكة «سي ان ان»: التزام بلير «الدائم ببناء غزة أفضل لسكانها»، خلصت كوتاسوفا إلى أنه «وبينما ينتظرون معرفة المزيد عن خطة ترامب»، لا يمكن لشعب هذه «المنطقة المدمرة» «إلا أن يأملوا»، تحلي بلير بالنزاهة «خلال اجتماع بالبيت الأبيض وإبلاغه المجتمعين بعدم معاونة إسرائيل في إخلاء غزة من سكانها قسرًا».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك