رغم تراجع دعم الديمقراطيين الأمريكيين لإسرائيل، لا يزال البعض في الحزب غير قادر على إدراك هذه الحقيقة. فبينما يتراجع دعمهم للسياسات الإسرائيلية منذ أكثر من عقد، أدت الحرب على غزة إلى تغيير جذري في الرأي العام.
في استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة غالوب، أبدى 8% فقط من الديمقراطيين تأييدهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وعندما سأل استطلاع رأي آخر أجراه معهد استطلاعات الرأي بجامعة كوينيبياك الأمريكيين عمّا إذا كان تعاطفهم مع الإسرائيليين أم الفلسطينيين، أجاب 12% فقط من الديمقراطيين بإسرائيل، بينما قال 60% إن تعاطفهم مع الفلسطينيين.
وعندما سأل استطلاع للرأي أجرته مجلة الإيكونوميست بالتعاون مع مؤسسة يوجوف في شهر أغسطس الناخبين عن مشاعرهم تجاه مجموعة من القضايا المتعلقة بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، كانت النتائج بين أولئك الذين يقولون إنهم ديمقراطيون مذهلة.
وقال 14% فقط من الديمقراطيين إن إسرائيل كانت مبررة في هجماتها على قطاع غزة رداً على التهديدات من جانب حماس، في حين اعتبر 62% أن هجمات إسرائيل على غزة كانت غير مبررة وألحقت الضرر بالعديد من الفلسطينيين الأبرياء.
أيد 5% فقط من الديمقراطيين زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، بينما دعا 54% إلى خفضها، ووافق 65% من الديمقراطيين على وقوع إبادة جماعية في فلسطين، بينما عارضها 8% فقط ووافق 70% منهم على ضرورة أن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة، بينما عارضها 4% فقط.
ومن المهم أن نلاحظ أنه فيما يتعلق بكل من الأسئلة المذكورة أعلاه، كانت الأغلبية أو الكثرة القوية من جميع المستجيبين تؤيد خفض المساعدات العسكرية لإسرائيل، وعارضوا تصرفات إسرائيل في غزة، ودعموا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وما إلى ذلك من المسائل الأخرى.
تحول هذا التغيير في رأي الديمقراطيين تجاه إسرائيل وسياساتها إلى تحرك في الكونغرس. ففي شهر يوليو الماضي، صوّت 27 من أصل 47 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ الأمريكي على منع إرسال معدات عسكرية أمريكية إلى إسرائيل.
وقد حظي مشروع قانون مصاحب في مجلس النواب يدعو إلى حجب الأسلحة الهجومية الأمريكية عن إسرائيل بدعم 35 نائبًا ديمقراطيًا. إضافةً إلى ذلك، أقرّ عدد من مؤتمرات الحزب الديمقراطي في الولايات قرارات مماثلة، كما فعل الشباب الديمقراطيون الأمريكيون على المستوى الوطني.
في ضوء هذه التطورات، لم يكن من المفاجئ أن يقدم عضو منتخب حديثا في اللجنة الوطنية الديمقراطية «قرار غزة» الذي يدعو الحزب الوطني إلى دعم وقف إطلاق النار الفوري في غزة، وتعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل، ودعوة أعضاء الكونجرس إلى الاعتراف بفلسطين كدولة وطنية.
ويختتم القرار بحث الحزب على «تأكيد التزامه بالقانون الدولي وحقوق الإنسان لجميع الناس، والتسليم الفوري للغذاء والرعاية الطبية المنقذة للحياة والإنسانية في قطاع غزة، والسعي إلى تحقيق سلام عادل ودائم للجميع في المنطقة».
ومن غير المفاجئ أيضًا رد فعل الجماعات المؤيدة لإسرائيل وبعض القادة الديمقراطيين. على سبيل المثال، أصدرت المجموعة التي تُطلق على نفسها اسم «الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل» (DMFI) -التي قد تضطر إلى تغيير اسمها إلى «الأقلية الديمقراطية من أجل إسرائيل»- بيانًا شديد اللهجة قالت فيه إنها «منزعجة بشدة من طرح قرار معيب وغير مسؤول في اجتماع اللجنة الوطنية الديمقراطية، من شأنه أن يُفاقم الانقسام داخل حزبنا ولن يُسهم في إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس أو إنهاء معاناة كلا الجانبين».
مع إظهار استطلاعات الرأي أن الديمقراطيين يؤيدون المواقف الواردة في قرار غزة بنسبة 10 إلى 1 أو أكثر، فإن القول بأن القرار «سيُثير الانقسام» باطلٌ تمامًا، بل الأدق هو القول إن رفض القرار سيُثير الانقسام.
وعندما يتعلق الأمر بزرع الانقسام، فإن منظمة «الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل» هي التي تعاونت في الانتخابات الماضية مع لجان عمل سياسية أخرى مؤيدة لإسرائيل لإنفاق عشرات الملايين من الدولارات لهزيمة أعضاء الكونجرس الديمقراطيين الذين اعتبروهم غير مؤيدين لإسرائيل بشكل كاف.
ومما يدعو إلى الأسف حقا أن قادة الأحزاب، في محاولةٍ منهم لإحباط قرار غزة، قدَّموا قرارًا خاصًا بهم كـ«بديل». وبينما يُركِّز بديلهم تركيزًا كبيرًا على المساعدات الإنسانية، فإنَّ معظم لغته التوجيهية كانت ستُعتبر بنّاءةً إلى حدٍّ ما، بل وإيجابيةً، قبل خمس سنوات.
ولكن في مواجهة الدمار الهائل الذي تلحقه إسرائيل بالمنازل والمستشفيات والجامعات وأماكن العبادة والبنية الأساسية الفلسطينية في قطاع غزة، فإن «البديل» ليس بديلاً على الإطلاق.
إن هذا «البديل» يتجاهل مسؤولية إسرائيل (ومسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية) عما يصفه الكثيرون بالإبادة الجماعية. والأهم من ذلك، أنه يتعارض مع آراء معظم الناخبين الديمقراطيين.
ليس من الواضح كيف ستسير الأمور عندما يجتمع الحزب الأسبوع المقبل لمناقشة القرارات والتصويت عليها. وتُبذل جهود لجمع الطرفين. لكن المؤيدين الديمقراطيين الشباب لقرار غزة، وإن كانوا منفتحين على بعض التعديلات في جهودهم، فهم مصممون على مناقشة قضية غزة. وهم على حق في ذلك.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك