العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

حرب الإبادة في غزة والجدل السياسي في أمريكا

بقلم: د. جيمس زغبي {

الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

رغم‭ ‬تراجع‭ ‬دعم‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭. ‬فبينما‭ ‬يتراجع‭ ‬دعمهم‭ ‬للسياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬أدت‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭.‬

في‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬حديث‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬غالوب،‭ ‬أبدى‭ ‬8%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬تأييدهم‭ ‬للعمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وعندما‭ ‬سأل‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬أجراه‭ ‬معهد‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬بجامعة‭ ‬كوينيبياك‭ ‬الأمريكيين‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬تعاطفهم‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أم‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬أجاب‭ ‬12%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬بينما‭ ‬قال‭ ‬60%‭ ‬إن‭ ‬تعاطفهم‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وعندما‭ ‬سأل‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬أجرته‭ ‬مجلة‭ ‬الإيكونوميست‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مؤسسة‭ ‬يوجوف‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬الناخبين‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬تجاه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالصراع‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬إنهم‭ ‬ديمقراطيون‭ ‬مذهلة‭.‬

وقال‭ ‬14%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬مبررة‭ ‬في‭ ‬هجماتها‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬التهديدات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬حماس،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اعتبر‭ ‬62%‭ ‬أن‭ ‬هجمات‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬مبررة‭ ‬وألحقت‭ ‬الضرر‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الأبرياء‭.‬

أيد‭ ‬5%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬زيادة‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بينما‭ ‬دعا‭ ‬54%‭ ‬إلى‭ ‬خفضها،‭ ‬ووافق‭ ‬65%‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬على‭ ‬وقوع‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬بينما‭ ‬عارضها‭ ‬8%‭ ‬فقط‭ ‬ووافق‭ ‬70%‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬دولتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬بينما‭ ‬عارضها‭ ‬4%‭ ‬فقط‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬كانت‭ ‬الأغلبية‭ ‬أو‭ ‬الكثرة‭ ‬القوية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المستجيبين‭ ‬تؤيد‭ ‬خفض‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وعارضوا‭ ‬تصرفات‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ودعموا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الأخرى‭.‬

تحول‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬وسياساتها‭ ‬إلى‭ ‬تحرك‭ ‬في‭ ‬الكونغرس‭. ‬ففي‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬صوّت‭ ‬27‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬47‭ ‬عضوًا‭ ‬ديمقراطيًا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬إرسال‭ ‬معدات‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

وقد‭ ‬حظي‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬مصاحب‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬حجب‭ ‬الأسلحة‭ ‬الهجومية‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬بدعم‭ ‬35‭ ‬نائبًا‭ ‬ديمقراطيًا‭. ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أقرّ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مؤتمرات‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬قرارات‭ ‬مماثلة،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الشباب‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬التطورات،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المفاجئ‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬عضو‭ ‬منتخب‭ ‬حديثا‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬‮«‬قرار‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الفوري‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وتعليق‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ودعوة‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفلسطين‭ ‬كدولة‭ ‬وطنية‭.‬

ويختتم‭ ‬القرار‭ ‬بحث‭ ‬الحزب‭ ‬على‭ ‬‮«‬تأكيد‭ ‬التزامه‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لجميع‭ ‬الناس،‭ ‬والتسليم‭ ‬الفوري‭ ‬للغذاء‭ ‬والرعاية‭ ‬الطبية‭ ‬المنقذة‭ ‬للحياة‭ ‬والإنسانية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬عادل‭ ‬ودائم‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬غير‭ ‬المفاجئ‭ ‬أيضًا‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وبعض‭ ‬القادة‭ ‬الديمقراطيين‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أصدرت‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬تُطلق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الأغلبية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ (‬DMFI‭) -‬التي‭ ‬قد‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأقلية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسرائيل‮»‬‭- ‬بيانًا‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬قالت‭ ‬فيه‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬منزعجة‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬قرار‭ ‬معيب‭ ‬وغير‭ ‬مسؤول‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يُفاقم‭ ‬الانقسام‭ ‬داخل‭ ‬حزبنا‭ ‬ولن‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحماس‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬معاناة‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‮»‬‭.‬

مع‭ ‬إظهار‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬يؤيدون‭ ‬المواقف‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬غزة‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬1‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬فإن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬القرار‭ ‬‮«‬سيُثير‭ ‬الانقسام‮»‬‭ ‬باطلٌ‭ ‬تمامًا،‭ ‬بل‭ ‬الأدق‭ ‬هو‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬رفض‭ ‬القرار‭ ‬سيُثير‭ ‬الانقسام‭.‬

وعندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بزرع‭ ‬الانقسام،‭ ‬فإن‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬الأغلبية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعاونت‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الماضية‭ ‬مع‭ ‬لجان‭ ‬عمل‭ ‬سياسية‭ ‬أخرى‭ ‬مؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لإنفاق‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬لهزيمة‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروهم‭ ‬غير‭ ‬مؤيدين‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬كاف‭.‬

ومما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الأسف‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الأحزاب،‭ ‬في‭ ‬محاولةٍ‭ ‬منهم‭ ‬لإحباط‭ ‬قرار‭ ‬غزة،‭ ‬قدَّموا‭ ‬قرارًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بهم‭ ‬كـ«بديل‮»‬‭. ‬وبينما‭ ‬يُركِّز‭ ‬بديلهم‭ ‬تركيزًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬معظم‭ ‬لغته‭ ‬التوجيهية‭ ‬كانت‭ ‬ستُعتبر‭ ‬بنّاءةً‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬ما،‭ ‬بل‭ ‬وإيجابيةً،‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الدمار‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬تلحقه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالمنازل‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والجامعات‭ ‬وأماكن‭ ‬العبادة‭ ‬والبنية‭ ‬الأساسية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬البديل‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬بديلاً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬البديل‮»‬‭ ‬يتجاهل‭ ‬مسؤولية‭ ‬إسرائيل‭ (‬ومسؤولية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭) ‬عما‭ ‬يصفه‭ ‬الكثيرون‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أنه‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬آراء‭ ‬معظم‭ ‬الناخبين‭ ‬الديمقراطيين‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬كيف‭ ‬ستسير‭ ‬الأمور‭ ‬عندما‭ ‬يجتمع‭ ‬الحزب‭ ‬الأسبوع‭ ‬المقبل‭ ‬لمناقشة‭ ‬القرارات‭ ‬والتصويت‭ ‬عليها‭. ‬وتُبذل‭ ‬جهود‭ ‬لجمع‭ ‬الطرفين‭. ‬لكن‭ ‬المؤيدين‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الشباب‭ ‬لقرار‭ ‬غزة،‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬منفتحين‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التعديلات‭ ‬في‭ ‬جهودهم،‭ ‬فهم‭ ‬مصممون‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬قضية‭ ‬غزة‭. ‬وهم‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا